جدية أمريكا في ضرب الأسد

د. محمود عباس
دونالد ترمب هو نفسه الذي كتب عدة مرات في صفحة تويتره، عام 2013م عندما استخدم بشار الأسد السلاح الكيميائي في الغوطة الشرقية، منبهاً الرئيس براك أوباما بألا يستخدم القوة، وهو ذاته الذي صرح قبل أيام بأن الشعب السوري هو الذي يقرر مصير رئيسه، معنيا بأن أمريكا لا تعير أهمية لوجوده، منحرفاً في قراراته خلال أقل من يومين، ومن منطلق أنساني، قبل أي حوار سياسي رئيس مع إدارته حول مجريات الأحداث في خان شيخون، إلى درجة الأمر بضرب القاعدة العسكرية الجوية التي أنطلق منها طيران السلطة، عند قصف خان شيخون.
ترمب كان ينتظر مثل هذه اللحظة، لتخفيف الضغط الإعلامي الداخلي عليه، وخاصة من الديمقراطيين، وجلب بعض القوة إلى إدارته، والتي رغم كل الصرامة التي كان يظهر فيها على الإعلام في الفترة الانتخابية، بدأ يتهاوى أمام جمهوره بالذات، في عدة قضايا، خارجية وداخلية، وكذلك في تشكيل إدارته أيضا. إلى جانب أن وجوده في البيت الأبيض وتعامله مع السياسة الدولية تراكمت عنده خبرة سياسية، مغايرة جذريا عن خبرته كرئيس لشركات ترمب العقارية، فالبيت الأبيض مجموعة هائلة من العلاقات المعقدة، لا يمكن التعامل معها بذهنية رأسمالي، وهذه الخبرة القصيرة غيرت في مفاهيمه الكثير، وهي ما تظهره مبتعداً عن بعض وعود الفترة الانتخابية، ومنها علاقاته مع بعض الدول التي انتقدها، وبشكل خاص مع روسيا التي توقع تغيير الماضي المتنافر بينها وبين أمريكا، ولكن تبين له وهو في البيت ألبيض أن علاقته ببوتين ليس بعلاقة رجل إلى رجل، أو رئيس لرئيس، بل هي علاقات اقتصادية سياسية استراتيجية متنافسة في مجملها، إلى جانب إيديولوجيتين متضاربتين، وبينهما صراع ساخن وبارد على مدى أكثر من قرن.
 ضرب سلطة بشار الأسد كان لا بد منها، حتى ولو كانت كضجة إعلامية، ولكن المتوقع حتى الأن أن القصف لن يتجاوز في أفضل حالاته مجموعة صواريخ تماها كروز من الأسطول الخامس الموجود في البحر الأبيض المتوسط، سبقتها إعلام الروس على المستويات العسكرية، بالأهداف التي ستتم قصفها، وقد طاف على الإعلام الأمريكي موجة من الشك، توسع فيها الخبراء السياسيون، حول فيما إذا كان الروس قد نبهوا السوريين بأماكن القصف. ولا تزال تجري أسئلة محيرة فيما إذا كانت الإدارة الأمريكية تعلم بما قدمه الروس للسلطة السورية بدورها، لإزاحة معداتها وطيرانها من المطار والقاعدة المستهدفة، وهو ما يرجحه أغلب المراقبون العسكريون، فالطائرات السورية هي الطائرات الروسية، وتستند عليها السلطة في بقائها، ومقاومة المعارضة، وخاصة المنطقة المستهدفة كيميائيا، كلية وسط وشمال سوريا، والتي لولا القوة الجوية لبلغت المعارضة معقل قوة الأسد، حيث الساحل السوري.
 وحسب تصريح دونالد ترمب، بعد القصف، وقبله بساعات، أي قبيل استقباله لرئيس الصين وزوجته في منتجعه بولاية فلوريدا، فإن الاستراتيجية الأمريكية المتفقة عليها مع روسيا لن تتغير، ومحاربة داعش ستبقى من أولوياته، وعليه سيبقى بشار الأسد في السلطة، وسيبحث في مصيره سياسياً ضمن مؤتمرات جنيف القادمة، وروسيا ستبقى الأمرة في وضع الخطوط النهائية، كما كان الاتفاق عليه سابقاً أيام الرئيس أوباما.
  وهنا تفرض أسئلة عدة ذاتها، لماذا قصف بشار الأسد (خان شيخون) بالأسلحة الكيميائية؟ هل كانت بموافقة روسية؟ أم أنها كانت رسالة إيرانية سورية لروسيا، بعد أن تقاعس في مساعدتهم في دمشق، إلى أن وصلت المعارضة ساحة العباسيين؟ أم أن روسيا هي ذاتها التي جمعت المعارضة في منطقة إدلب، وفتحت المجال للسلطة لترهيبهم، من عمليات قتل جماعي فيما إذا لم يستسلموا؟ أم أنها كانت جس نبض للإدارة الأمريكية من ناحيتين، أولا بالتخفيف على داعش، مادامت المعارضة السورية قوية؟ وهنا تتبين أن داعش هي منظمة تفيد كل الأطراف وتستفيد من الكل، ولا يستبعد الخلفيات الضبابية والتي بسببها توقفت العمليات العسكرية في الموصل، وعلى أطراف الرقة! وهل ما قامت بها داعش من قتل جماعي في دير الزور والتي اتبعت مجزرة خان شيخون، لها علاقة بمجريات الأحداث والصراع بين المعارضة والسلطة، وبالنجاحات العينية الأخيرة للمعارضة حتى ولو كانت غير ذات أهمية فيما لو لم تخفف روسيا من مشاركاتها؟ أسئلة جميعها، تنصب في صالح سلطة بشار الأسد، وفي النهاية أغلبية المحللين السياسيين، وحتى أغلبية الإدارة الأمريكية تظهر بأنه لا بديل عن بشار الأسد، مهما تجاوز الخطوط الحمر، ومن المؤسف فقد ساندته في هذه المعارضة السورية التكفيرية والانتهازية، بتوجهاتها المنحرفة سياسيا، وتحريفها للصراع بين الشعب والسلطة إلى صراع بين مذهبين. 
 القصف الأمريكي لن تكون أكثر من حفظ لماء الوجه، أو لنقل فركة أذن، قبلتها روسيا، فلو كانت أمريكا جادة فعلاً، وأتبع ترمب تصريحه بأن الأسد تجاوز كل الخطوط الحمر، وما قام به عمل ضد الإنسانية، لأمر بضرب أهم القواعد العسكرية وبدون أن تخبر إدارته روسيا، أو لطلبت من روسيا التخلي عن بشار الأسد، وأظهرت الأدلة لروسيا وعالمياً، في عملية استخدامه للسلاح الكيميائي، ولكذب روسيا رسمياً بعدم تلبيتها لوعدها عام 2013م حول إخلاء سوريا من السلاح الكيميائي، وجعلت من تصريح وزير خارجيته دعوة قانونية رسمية ضمن هيئة الأمم، لكن بعكس ذلك لا تزال إدارة بوتين تدافع عن بشار الأسد وتنفي استخدامه للسلاح الكيميائي، وتتهم المعارضة، ولا نستبعد أن يخرج لافروف غدا على الإعلام ويصرح مثلما صرحت  بثينة شعبان في 2013 بأن المعارضة جلبت أطفال العلويين من الساحل وقتلتهم، في الغوطة! 
  فالشعب السوري لا يزال أمامه فترة زمنية طويلة قبل بلوغ النهاية، وستظل جدلية بقاء بشار الأسد، ضمن حوارات طويلة، وإذا احتفظت إدارة ترمب بهذا القصف الوحيد، فعلى الشعب السوري السلام، وحتى الأن فإن أغلبية الخبراء والمحللين السياسيين يتوقعون أن تكون هذه هي الضربة الوحيدة، وفي الواقع وبهذه السوية، فجودها كعدمه بالنسبة لسلطة بشار الأسد والمعارضة معا، فهي وللأسف لم تعطي لطفل واحد من شهداء خان شيخون أملا في معاقبة المجرم أو تخليد ذكراه.
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
7/4/2017م

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…

خليل مصطفى مِنْ أقوال الشيخ الدكتور أحمد عبده عوض (أُستاذ جامعي وداعية إسلامي): ( الطَّلَبُ يحتاجُ إلى طَالِب ، والطَّالِبُ يحتاجُ إلى إرادة قادرة على تحقيق حاجات كثيرة ). مقدمة: 1 ــ لا يختلف عاقلان على أن شعوب الأُمَّة السُّورية قد لاقت من حكام دولتهم (طيلة 70 عاماً الماضية) من مرارات الظلم والجور والتَّعسف والحرمان، ما لم تتلقاه شعوب أية…

أحمد خليف الشباب السوري اليوم يحمل على عاتقه مسؤولية بناء المستقبل، بعد أن أصبح الوطن على أعتاب مرحلة جديدة من التغيير والإصلاح. جيل الثورة، الذي واجه تحديات الحرب وتحمل أعباءها، ليس مجرد شاهد على الأحداث، بل هو شريك أساسي في صنع هذا المستقبل، سواء في السياسة أو في الاقتصاد. الحكومة الجديدة، التي تسعى جاهدة لفتح أبواب التغيير وإعادة بناء الوطن…