فيصل سفوك
واضح جداً من العنوان، أننا أمام فرضيتين مختلفتين تماماً ، وأن ترجيح إحداها على الأخرى، بات من أهم ما يشغل الكثيرين من رفاق حزب الوحدة ومناصريه ،قبل غيرهم، ناهيك عن الشارع الكوردي، و النشطاء والمهتمين بالشأن السياسي العام .
ومن هنا ، ربما تكون محاولة إزالة بعض الغموض عن هذه العلاقة القائمة بين حزب الوحدة والاتحاد الديمقراطي ، مجدية إلى حد ما ، من وجهة نظر شخصية ، وذلك من خلال تسليط الضوء قليلاً على مدى صحة الفرضيتين أو إحداها ، الأولى التي تقول على أنه تقارب فكري ومنهجي ، وجاء نتيجة التغييرات الجديدة التي طرأت على سياسة الحزب مؤخراً ،
والثانية التي تعتبرها تعاون وتنسيق مرحلي ، سرعان ما يتلاشى معالمه بانتهاء المرحلة ، حتى إذا كان يسيء بشكل ما إلى سمعة ومكانة حزب الوحدة بين جماهيريه ، كما أن هناك أيضاً من يقول ، على أن الفرضيتين أصلاً غير صحيحتين ، وهي مجرد اتهامات كيدية غير دقيقة ، هدفها النيل من مصداقية وتنامي جماهيرية الحزب ، كما يعتقد أو يعلن البعض من أعضاء حزب الوحدة .
لا يخفى على أحد بأن حزب الوحدة كان من مؤسسي المجلس الوطني الكوردي في 26 من أكتوبر 2011 ، وقد كان من أوائل الأحزاب التي اعترضت حينها على طلب الإتحاد الديمقراطي ، على أن يُمثّل بأكثر من حصة حزبية داخل المجلس ، وذلك خلال النقاشات التي كانت تدور حول إمكانية انضمام الاتحاد الديمقراطي إلى المجلس الوطني الكردي ، ولكن استبعاد حزب الوحدة من المجلس فيما بعد ، فتح الباب أمام تساؤلات هامة و مشروعة ، حول الأسباب التي أدت إلى اتخاذ المجلس إلى مثل هذا القرار ،ب كل تأكيد لن أعطي الحق لنفسي بالإجابة عنها ، لأنها وباعتقادي من واجبات وصلاحيات الحزب نفسه وهيئاته القيادية ، ولكن ما استطيع قوله بأن هذا الفعل المتمثل باستبعاد الوحدة ، خلق بدوره ردات فعل غير مبررة ، لدى قلة من أعضائه ، أفرزت نتائج سلبية على مسيرة الحزب ومصداقيته لدى جماهيره ، لعل من أهمها ظهور مجموعة صغيرة داخل الحزب ،ت قمصت شخصية حزبية مزدوجة ، واقتنعت تماماً أن هذا هو النهج الحقيقي الجديد للحزب ، فبدأ بالترويج والدفاع عن حزب الاتحاد الديمقراطي وسياساته ، والهجوم الدائم والمستمر على المجلس ، لا بل لجأ البعض إلى تصرفات لا تختلف عن تصرفات و ممارسات بعض المتطرفين والمتشددين من رفاق ومؤيدي الاتحاد الديمقراطي ، حين وصل بهم الأمر إلى التعرض إلى إقليم كوردستان والإساءة إلى شخص الرئيس مسعود البارزاني ، وحسب معلوماتي تم اتخاذ إجراءات تنظيمية بحقهم ، من بينها رفع صفة العضوية الحزبية عنهم .
إن من يقرأ بتمعن ، سياسة ونهج وفكر حزب الوحدة ، وبالأخص ما جاء في البرنامج السياسي ووثائق الحزب ،ي درك تماماً ، مدى الاختلاف الشاسع والواسع بين فكر ونهج هذا الحزب ، مقارنةً مع فكر ونهج الاتحاد الديمقراطي (الفرع السوري لحزب العمال الكوردستاني ) ، ولعل أشد أوجه هذا الاختلاف يتمثل بالفكر القومي الذي ينتهجه حزب الوحدة ، المعاكس تماماً للفكر والنهج الأممي اليساري الذي يستند عليه الإتحاد الديمقراطي والمتمثل بفلسفة الأمم أو الشعوب الديمقراطية ، كما يمكن أيضاً من خلال تلك القراءة ، الاستنتاج بأنه ربما يكون التشابه الوحيد بين هذين الحزبين هو التشابه في الأحرف الثلاثة للكلمات الأولى لكل منهما ( PYD ) ، باستثناء كلمة الكردي الغير موجودة في اسم حزب الاتحاد الديمقراطي ، ولا ننسى في هذا السياق الإشارة إلى نقطة في غاية الأهمية والمتمثلة في أن حزب الوحدة صادق في مؤتمره الاعتيادي السابع والأخير على إقرار واعتماد العلم الكردي رمزاً قومياً ( الفقرة العاشرة – المادة الرابعة من البرنامج السياسي ) ، هذا العلم المعترف به من قبل غالبية الشعب الكوردي وحركته السياسية باستثناء حزب العمال الكوردستاني وبالتالي حزب الإتحاد الديمقراطي ، الذي يرفض هذا العلم رفضاً قاطعاً ، و قام أنصاره في أكثر من واقعة بإحراقه وإهانته ، من أجل فرض أعلامهم ورموزهم الحزبية على الشعب الكوردي .
إذاً فرضية تقارب فكري ومنهجي ، على المدى القريب أو حتى البعيد ، يُعد أمراً مستبعداً ، من وجهة نظري ، استناداً إلى كل ما ذكرناه ، وفي نفس الوقت فأن فرضية التعاون و التنسيق وعلى أعلى المستويات بات أمراً واقعاً ، ومن غير الممكن إطلاقاً نفيه ، مهما حاول البعض إنكاره ، و ربما الإجابة على هذين التساؤلين الآتيين تكون كفيلة على صحة هذه الفرضية :
– ما هي دلائل هذا التعاون و التنسيق ؟
– وهل يملك عوامل ومقومات الاستمرارية والديمومة ؟
من المعلوم أن حزب الوحدة يشكل العمود الفقري للتحالف الوطني الكردي ، وأن مشاركة هذا التحالف في جميع مؤتمرات ونشاطات وفعاليات حزب الاتحاد الديمقراطي إلى جانب التوقيع على أكثر من مشروع جاهز ، حتى ربما دون المشاركة في صياغته ، أو التشاور معه في بعض الأحيان ، ليس إلا إحدى أهم دلائل وركائز هذا التعاون ، إلى جانب وجود الحزب في الهيئة السياسية لمجلس سوريا الديمقراطي ، التي تعتبر بمثابة الجناح السياسي لقوات سورية الديمقراطية ، على الرغم من أن حزب الوحدة لا يتبنى أي نهج أو نشاط عسكري في وثائقه وبرنامجه السياسي ، يضاف إلى ذلك الترخيص الذي منحته له الإدارة الذاتية بعدما تقدم به الحزب ، والذي يشكل اعتراف خطي من الحزب بهذه الإدارة التي أنشأها حزب الإتحاد الديمقراطي ، والذي ترك باب الانضمام إليها وليس المشاركة معها مفتوحاً ، أمام جميع القوى السياسية ،ب ما فيها المجلس الوطني الكردي ، إذا وافق الأخير على الانضمام فقط دون أية شروط ، لا ننسى أيضاً أن حزب الوحدة أكد التزامه المطلق بالقوانين والقرارات الصادرة عن هذه الإدارة ، وقد أعلن هذا في أكثر من بيان وتصريح علني .
ولا يخفى على أحد ، محاولة فئة قليلة جداً من داخل الحزب ، في تعميق ، وزيادة هذا التعاون إلى مستويات ترقى إلى تقارب فكري ومنهجي ، وحتى ربما أبعد من ذلك ، و لكن باعتقادي هذا الإصرار أو التوجه ، سوف يفسح المجال أمام موجة جديدة من الانشقاقات ، تختلف تماماً عن سابقاتها ، لأنها ستكون في هذه المرة بمثابة الضربة القاضية و النهائية لهذا الحزب ، ولعل هذا ما يشكل رادع قوي وعائق كبير أمام تلك الفئة للسير في هذا المنحى أو الاتجاه المخالف للخط السياسي العام ، ويعارض كلياً فكر ونهج هذا الحزب ، كما أسلفنا .
أما بالنسبة إلى مستقبل هذه العلاقة من التعاون والتنسيق ، باعتقادي أنه لا يملك أية مقومات للاستمرارية ، وليس سوى تعاون وتنسيق مرحلي ، مهما كان عميقاً في البعض من محطاته ، وسوف يتلاشى في الأيام القليلة المقبلة ، وهذه الحقيقة في تصوري ، يدركها و يعلمها جيداً حتى حزب الاتحاد الديمقراطي نفسه ، وهذا ما نلاحظه وبوضوح ، من طريقة تعامله مع حزب الوحدة بحذر شديد تماماً بعكس بقية الأحزاب الصغيرة داخل إدارته و دائرته السياسية الضيقة ، من خلال منحها ثقتها الكاملة ، وفسح المجال أمامها لفرص ومزايا ، لا تقارن مع ما تقدمه لحزب الوحدة ، ولا تتناسب بتاتاً مع مكانته وحجم قاعدته الجماهيرية ، التي على ما يبدو ، خلقت هاجس دائم من القلق لدى قيادة الاتحاد الديمقراطي .
كل هذا إلى جانب التغييرات الحتمية المتوقعة ، التي سوف تطرأ على الساحة السورية ، والتي تتضمن ملامح سوريا الجديدة ، بعد فرض حلول دولية على جميع أطراف الصراع ، كفيلة بخلق توازنات وتحالفات جديدة بين كافة القوى السياسية السورية بما فيها الكوردية ، ستكون أقوى وأمتن ، وسوف تمتلك أرضية للبقاء والاستمرارية لفترات أطول مما عليه الآن .