ماجد ع محمد
“لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ”
سورة البقرة
من عادة الشركات الإنتاجية اللجوء في نهاية كل عام إلى المراجعة والجرد السنوي لمعرفة الأرباح والخسائر والصادر والوارد والمدخلات والمخرجات، على أمل تصحيح وضعها ومسارها في العام الجديد، وهذا الجرد من المفروض أن تلجأ إليه كافة المنظمات الاجتماعية والمدنية ومجمل الأحزاب السياسية مثلها مثل الشركات المنتجة، وذلك لمعرفة مكامن الخلل أو مواطن النجاح، أو أسباب الإخفاق والتقهقر في الكثير من جوانب المؤسسة،
أما سبب لجوئنا إلى هذه المقدمة هو بكون أن بعض الأحزاب حالها حال التاجر الفاشل، فما من مشروعٍ يقوم به إلا ويكون الإرتكاس حليفه، ومع ذلك يظل مستمراً في مقامرته بأمواله وجهد عائلته من غير أن يكلف نفسه عناء البحث عن المشكلة التي يعانيها هو ذاتياً وليس السوق، إذ ثمة شخصيات وتنظيمات سياسية قد تكون غير فالحة في شيء، ولكنها لا تقر بقصورها البنيوي، بل وتحاول أن تفرض ذاتها على الآخرين من زاوية إمتلاكها لكتلة بشرية ما، أو تحشر أيديولجيتها في كل شيء بما فيه عيد النوروز، حيث تقوم الأنا القائمة على المزاحمة لدى المؤسسات الحزبية بإبعاد ثقافة الإيثار في مجمل الأعمال والفعاليات المجتمعية، خاصةً إذا ما تعلّق الأمر بالحضور والبروز وهواجس الاستعراض.
ولأن الجالية الكردية في الإمارات العربية المتحدة لم تخضع هذه السنة لمزاودات التنظيمات، لذا فبخلاف السنوات الماضية نجحت الجالية بإقامة حفلة نوروز نجاحاً باهراً ملفتاً للأنظار، والسبب الرئيسي لنجاحها عائدٌ لتخلصها من المنافسات الحزبية والمناطحات العقائدية فيما بينهم كالعادة كل سنةٍ على المناسبات التي يتزاحمون للقيام بها، حيث تم الاحتفال معاً بوجود صور مختلف الزعماء الذين لم ينفر الحفل والمحتفلون من رسم أحدٍ منهم، وكذلك حضرت الأعلام التي لكلٍ منها محبوها وجمهورها في المجتمع الكردي، إذ لم تحدث أية مناوشات بين الجمهور المحتفل، ولم يلجأ أي طرفٍ سياسي ما على إلغاء الطرف الآخر، أو مزاحمة حزبٍ ما ليتصدر هو المشاهد على حساب من أزيح من الساحة، وقد أثبتت تجربة الجالية الكردية في الإمارات أن نوروز ليس حكر على الأحزاب، وأن نوروز قد ينجح أكثر عندما تتراجع التنظيمات الحزبية قليلاً وتسلّم زمام المبادرة لمن كان أهلاً لإتمام وإتقان العمل بنجاح، حيث أن من قام بالاحتفالية هم عموم أبناء الجالية مع بعض رجال الأعمال من بينهم علي عيسى ومحمد حمو، وحسب مَن كان حاضراً في الحفلِ أنها المرة الأولى التي يمر فيها نوروز الإمارات بسلامٍ وأمان من دون حدوث أية مشاحناتٍ أو مشاجرات بين المدعوين أو القائمين عليها، وذلك على خلاف السنوات السابقة والتي غالباً ما كانت تحدث فيها المخاصمات والشروخ بين جمهور نوروز بسبب الخلافات الحزبية، أما علة المنازعات بين المنظّمين فهي ظاهرة عامة وذلك سواءً أكانت في الإمارات أم خارجها.
لذا فالتجربة المميزة لهذا العام في الإمارات نتمنى لها الاستمرار والنجاح في السنوات القادمة أيضاً، وفي مناسبات أخرى غير نوروز، بل وأن تعمم هذه الظاهرة في عموم المناطق الكردية أو بين مختلف الجاليات الكردية المنتشرة في العالم، وأن تكف التنظيمات السياسية عن احتكار المناسبة أو التحكم بها، بما أن نوروز عيد قومي يخص مجمل الكرد وليس عيداً خاصاً بتنظيمٍ سياسيٍّ معين.
عموماً ففكرة الموازنة والمراجعة السنوية النقدية التي تتجاهلها الأحزاب السياسية، تذكرنا بالفشل الدائم في أغلب السنوات الماضية في سوريا عند إقامتها لحفلات نوروز في مدينة حلب خاصةً أو في المناطق الكردية بوجهٍ عام، حيث ظلت تقوم بها مجموع الأحزاب الكردية التي غالباً ما كانت تحرق طبخة نوروز كل سنة بسبب كثرة طباخيها، إذ كانت تتواجد بين التنظيمات السياسية أحزاب لا يتجاوز عدد أنفارها رُكاب أوتوبيسٍ صغير، ومع ذلك كان الحُزيبُ يتصرف كالديك الذي يشعر بعظمة وجوده فيحشر انفه بكل شاردة ووارد متعلقة بنوروز، بل ومن كثر صغر قدرات بعضهم مقابل حبهم الكبير للظهور أمام الناس، كانوا يؤلفون على وجه السرعة قبيل نوروز بشهرٍ واحدٍ فقط فرقة موسيقية أو غنائية أو كروباً للرقص، حتى يظهروا على مسرح نوروز من باب إثبات الوجود أمام الجماهير ليس إلا، بينما طوال السنة كانوا يقضونها في سباتٍ عميق، وكانت المشاحنات والمساجلات تطول أياماً وليالي قبل العيد وبعده، لمن ستكون أو من كانت حصته أكثر أو اقل من الحزب الآخر في فترة الظهور على المسرح.
وللإنصاف نقول ففي هذا المجال كانت مسارح حزب العمال الكردستاني تنجح أيما نجاح في أغلب المناسبات في سوريا، وذلك لأن فكرة الإلتزام فكرة جوهرية لدى تلك المنظومة وكوادرها بخلاف الأحزاب الأخرى التي عادةً ما يتهرب منتسبوها وبالأخص قادتها ومثقفوها من الإلتزام، وإفتقار أكثرهم لفضيلة الشعور بالمسؤولية، كما أن جماعة العمال الكردستاني لم تكن تحدث بين مطربيهم أو فرقهم المنافسات السمجة على ساعات الظهور أمام الناس، لأن روح التضحية أولاً موجود لديهم بكون أن أنصار الحزب أناسٌ عقائديون، وثانياً يكون القرار لديهم من الأعلى إلى الأسفل، أي أن الإقتراح أو القرار غير قابل للتسويفات والمناقشات والمجادلات العقيمة التي كثيراُ ما كانت تفضي إلى الفشل في إقامة الفعاليات لدى باقي الأحزاب.
لذا نرى بأن ما جرى في نوروز الإمارات هذا العام جديرٌ بالتقدير والثناء ومن المستحسن تعميمه، والإلتفات إلى قضية التخصص في توزيع الأعمال، والتخلص من فكرة الشمولية التي ورثتها معظم الأحزاب الكردية، إما من الثقافة الستالينية التي تدَّعي بأنها معنية بكل صغيرةٍ وكبيرة في المجتمع، أو من الثقافة الدينية التي تتدخل بكل شيء، بينما الأصح أن تعمل الأحزاب على فكرة التخصص، وتعمل على رأي المثل اللبناني(اعطي خبزك للخباز ولو أكل نصه) والتخلص من ثقافة حشر الأنف في كل كبيرةٍ وصغيرة، وترك المواضيع الفنية أو الثقافية والبروتوكولية لأهل العلم والإدارة والاختصاص، الذين سينجحون ويُنجحون الحزب أو المؤسسة معهم، على العكس مما تفعله التنظيمات السياسية التي كثيراً ما تساهم في إخفاق أو عرقلة أغلب المناسبات والمبادرات بسبب تدخلها السافر في كل شيء، مع إدراكها ضمناً بعدم إمتلاكها ربما لأدنى مقومات النجاح.
وفي هذا الإطار يعرف أهل التخصص بأن الخطوة الأولى للنجاح والتميّز والتطوير نحو الأفضل وتحقيق الهدف المنشود في أي نشاط أو فعالية أو مناسبة، تتمثل في معرفة قدرات الذات ومدى إمكانية المرء على إنجاز المهام الموكلة إليه للقيام بها على أكمل وجه، أو إنسحابه الطوعي من أي مجالٍ لا يكون فالحاً فيه، وذلك عملاً بعبارة “رحم الله امرأً عرف قدر نفسه” باعتبار أن التخصص يُسهّل عملية النجاح في المجال الذي سيتم العمل فيه، ويستطيع المرء أن يبدع ويتطور في العمل المطلوب إنجازه، والتعويل على أهل التخصص حسب العارفين يعني بأن تحسين الأداء وتنفيذ المهام سيتم بشكلٍ بهيٍّ وسلسٍ وأرحب.
ختاماً وبما أننا في صدد الاحتفاء بالتجربة الناجحة لنوروز الجالية الكردية في الإمارات العربية المتحدة هذا العام، فبودنا تعريف القارئ بهذه الجالية وما تقوم به في الأيام العادية غير نوروز، وللتذكير فإن الوجود الكردي في دولة الامارات العربية المتحدة يعود إلى حقبة الثمانينيات، ويقطن فيها أكثر من 2000 شخص توزعوا في مجالات عمل شتى كالتدريس والهندسة والتجارة والمقاولات والمعمارية والحرف الفنية الأخرى، وتقوم الجالية في الإمارات بالتعريف بقضيتهم للإماراتيين، وقيادة الجالية تسعى دوماً إلى تعريف القضية الكردية من خلال الحوارات الصحفية والندوات التلفزيونية، ومن خلال مشاركة الفرق الفلكلورية في المهرجانات التي تقام في الإمارات، وكذلك تقوم إدارة الجالية بالمشاركة في أفراح وأتراح الإماراتيين معنوياً وإعلامياً من خلال الجرائد المحلية، وحض المغتربين الكرد على أن يكونوا بمثابة السفراء لبلدهم بكافة سلوكياتهم وممارساتهم، كون الجالية عبارة عن مرآةٍ تعكس هوية وحضارة شعبهم ووطنهم الأم، كما يتمثل دور قيادة الجالية في توعية أبنائها والاهتمام باللغة الكردية بين الأطفال، خاصة وأن العائلات الكردية لا تبخل على أولادها في هذا المجال، إذ وخلال السنوات الماضية أثبتت العوائل حسها القومي الرفيع من خلال تمسكها بتراثها وعاداتها وتقاليدها، لذا فكم سيكون جميلاً لو تقتدي الجاليات الكردية في أوروبا بتنظيم وإخلاص واستجابة أبناء الجالية الكردية في الإمارات العربية المتحدة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ملاحظة: حفلة عيد النوروز في الإمارات العربية أحياها هذا العام كوكبة من الفنانين وهم (ديار ديرسم ـ خيرو عباس ـ شيرو منان ـ أمين نادر) في إمارة عجمان ـ فندق رمادا.