من لم يفهم رسالة قه ره يلان؟

جان كورد
 
 نوروز سعيد… كل عام وأنتم بخير.
بمناسبة قدوم عيد نوروز خطب السيد مراد قه ره يلان، العضو الشهير في قيادة حزب العمال الكوردستاني، في وقفةٍ صنمية تحت المطر الغزير، أمام كوادر ومقاتلي حزبه في جبل “قنديل” بجنوب كوردستان، هنأ في كلمته الاحتفال بذكرى نوروز، رمز كفاح الأمة الكوردية في سبيل الحرية والحياة الكريمة، وكرر عبارات الدعوة للصلح والسلام الوطني والحوار، حتى ظن الكثيرون بأن حزب العمال يفتح صفحةً جديدة من العلاقات الكوردية – الكوردية، بل إنه استخدم عبارات الوفاء للكفاح القومي الكوردستاني، وكأن شعبنا نسي أن هذا الحزب قد تخلى تماماً، منذ اعتقال واختطاف زعيمه السيد عبد الله أوجلان قبل 17 عاماً، عن فكرة العمل من أجل الحقوق العادلة للأمة الكوردية، وكأن السيد مراد قه ره يلان يسخر بكلامه هذا من برنامج حزبه الذي حذف من قبل كل ما يتعلق بهذه الحقوق، أو أنه يستغبي شعبنا برمته، محاولاً إظهار نفسه مدافعاً عن الأهداف التي استبدلها بكلامٍ عن دولة كونفدرالية وهمية سابقاً.  
وتضمن الجزء الثاني من خطابه عبارات التهكم بالبيشمركة وبسياسة قيادة إقليم جنوب كوردستان التي تطالب بانسحاب مقاتلي حزب العمال الكوردستاني من (شنكال) وتصر على ذلك، لأن بقاءهم هناك يعرقل الجهود التي تبذلها حكومة الإقليم لإعادة سكان المنطقة إليها، الذين اضطروا للهرب منها وإعادة إعمارها بعد العدوان الهمجي الإرهابي لتنظيم (داعش) عليها، بل إن السيد مراد قه ره يلان، الذي بدا في بداية خطابه عقلانياً ووطنياً ومستعداً للمصالحة والحوار، قد جعل من ذلك الكلام المعسول مقدمة لعرض عضلات حزبه والإعلان عن قدراته للقضاء على حكومة الإقليم أو فصل (شنكال) عنه في أقل تقدير، وهو يعلم تماماً أن أي صدام شامل مع بيشمركة كوردستان  سيلحق بحزبه ذات الهزيمة التي تلقاها داعش الإرهابي في هجومه على كوردستان، وهذا قد يشكل ضربة قاصمة لوجود الحزب، ليس في شنكال فحسب، وإنما في جبل “قنديل” أيضاً.
على كل حال، فإن ما قاله السيد جميل بايق، رفيقه في القيادة، عن عدم سعي الحزب للمساس بحدود الدولة التركية، في مقابلته الصحافية الأخيرة، يتعارض تماماً مع مزاعم السيد مراد قه ره يلان عن كفاح حزبه من أجل حرية الشعب الكوردي، فالآخر صريح جداً ولا يستطيع رفاقه أن ينكروا دوره كأحد “الصقور” في الحزب، ولذا يبدو خطاب السيد قه ره يلان مجرّد كلام في الليل يمحوه وضح النهار، إذ لا يمكن اعلان الوفاء لنوروز في جبل “قنديل” ومنع الاحتفال به في غرب كوردستان، والزعم بأن حزب الاتحاد الديموقراطي مستقل عن “قنديل” لا يقنع أحداً في كوردستان أو في العالم. فما يقوم به الآبوجيون في غرب كوردستان حيال الأحزاب الوطنية الكوردية، ومنها المجلس الوطني الكوردي في سوريا، والحزب الديموقراطي الكوردستاني – سوريا، على وجه الخصوص، من سياسة “إرهابية” و “إجرامية”، والحرب الإعلامية الهادرة على رئاسة إقليم جنوب كوردستان، ولغة التهديد والوعيد التي تستخدمها “جمهورية جبل قنديل” ضد سيادة الرئيس البارزاني الذي يعترف به العالم كله كممثل عن أمتنا، ليس إلاّ اثباتاً واضحاً بخروج حزب السيد مراد قه ره يلان عن سكة الكفاح التحرري الكوردستاني، وكل خطبه وأساليبه البسيطة لكسب عطف الأمة الكوردية، ومنها الوقوف لأكثر من ساعة مع مقاتليه في المطر، لإظهار الروح التنظيمية والقتالية، لن تغيّر من الحقيقة التي تقول بأن من يتعاون مع الحشد الشعبي ويأخذ منه الأموال لمحاربة البيشمركة قد خسر محبة الكورد، ومهما زعم بأنه يقاتل من أجل الكورد وكوردستان فلن يستعيد ثقة هذه الأمة التي لم تعد أمةَ من المضطهدين الجاهلين، وإنما هي أمة واعية تكافح من أجل حريتها وتفرّق بوضوح بين المستعدين للموت في سبيلها والذين خرجوا عن طريقها المرسوم من قبل آباء وأجداد هذا الكفاح عبر عقودٍ طويلةٍ من التضحيات والدموع والدماء.
فمن لم يفهم بعد ماذا يريد السيد قه ره يلان؟ إنه بخطابه التهكمي هذا الوجه الأشد خداعاً من سواه في قيادة “جمهورية قنديل”، والوقوف الصنمي في المطر لتقديم التهاني بقدوم نوروز لن يخدع أحداً، فالذي فهمناه جيداً هو تهديده وتهكمه وتناقضه في الخطاب ذاته، بين الدعوة للسلام والصلح والتهديد والوعيد.  
‏22‏ آذار‏، 2017

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…