الإلتزام لايعني الإنتقاص من حرية الرأي

أحمـــــــد قاســـــــم
لاشك, أن حرية الرأي قبل أن تكون حقاً من حقوق الفرد, فهي جوهر الإلتزام بالقضايا الإنسانية بصورة فردية أو ضمن مجموعة شكلت لنفسها إطار سياسي أو إجتماعي له نهج وتنظيم يهدف إلى تحقيق أهداف محددة: ( أحزاب أو تيارات أو جمعيات ومنظمات… ). وبالتالي, فإن تلك الأطر في صورتها العامة لاتُنَقِص من حرية أعضائها في إبداء آرائهم بحرية, وذلك خدمة لإغناء الفكر ورفده بما هو الأهم خدمة لتحقيق الهدف الذي يجتمع عليه الأعضاء من أجل تحقيقه.
حيث أن حرية الرأي هي من أهم وأسمى الحقوق لدى الإنسان, كونها السبيل نحو تطوير الفهم الإنساني لطبيعة الأشياء, وإخضاعة لخدمة البشرية في مجال العلوم كافة. وبالتالي, كانوا الفلاسفة منذ بداية المعرفة للإنسان يبحثون عن الحقيقة من خلال الخوض في معمعان تناقضات الفكر حول الرؤية للأشياء من حوله, وعلاقاتها مع الوجود. ومن خلال كشف نظرية الأضضاد, ( السالب والموجب, الخير والشر, الليل والنهار, الحرارة والبرودة, القساوة والطراوة…. ) تبين للإنسان الثوابت نحو الأشياء في وجهيها, وبالتالي, تبين أيضاً الخلاف في الرؤية إلى واحدة من الأشياء, استوجبت إستقرائها وتفكيك عناصرها وفقاً للرؤيتين المختلفتين لبيان الحقيقة التي تجتمع نسبياً بين تلك الرؤيتين لشيء واحد… وعلى هذه القاعدة تم قوننة الرأي في قائمة الحريات وعدم قمعها خدمة للبشرية واستمرارية للحياة بأبهى صورها.
مع هذه المقدمة الموجزة لأهمية الرأي وإبدائه بحرية, يتم التأكيد على أن حرية الرأي جزء أساسي لكمال الإنسان وفهمه للأشياء وتطويره خدمة لمعاني الوجود وأساسياته التي لايمكن سلبها بأي حال من الأحوال.
فإن العالم, والباحث, والكاتب, والإعلامي, والشاعر, ومن هم في تلك الدرجات من العلوم الذين يعملون بشكل منفرد من دون الإلتزام بأي أطر جماعي, فهم أحرارٌشكلاً, لكنهم في الجوهر ملتزمون بقضايا الإنسانية كلٌ حسب تخصصه, وبالتالي, فهم يشكلون إطاراً جامعاً في دفع المعرفة نحو التطور خدمة لقضية الإنسان وحاجاته المعرفية. حيث أن أبحاثهم ونتاجاتهم تجتمع في المكتبات العامة وتُدرس في المدارس والجامعات لما لها من قوة في دفع المعرفة نحو التطور.. إذاً, نفهم من ذلك بأن هؤلاء حتى وإن كانوا يعملون في مجال المعرفة بصورة مستقلة شكلاً, إلا أنهم ينتمون بصورة غير مباشرة لإطار يتم تسميته وفقاً لإدارة المجتمعات وتنظيمها ضمن دولة واحدة.
أستنتج من ذلك كله, أن الأفراد المنتمون إلى الأحزاب, وهم ملتزمون بنهج لتحقيق أهداف محددة, فإن سُلِب منه حريته الفكرية, وإخضاعه إلى الإلتزام بفكر ورؤية واحدة صادر من قيادته أو قائده, يعني ذلك هي محاولة سلب أهم جزء من حقوقه كإنسان, وبالتالي, يتم توقيف حركة الإستقراء والتمييز بين المختلف لديه, وصولاً إلى نقص فهمه للأشياء, والتخبط في معالجة الأمور لوحده, وسيحتاج إلى فكر وطرح ورؤية جاهزة يلقنه الآخر الذي إلتزم به. فيتحول إلى جندي ينتظر أوامر التحرك في كل لحظة من دون أن يتدخل بماهية القرار سلباً أو إيجاباً.. وهذا ما نراه بشكل عام لدى الأحزاب ذوات المنهج الإيديولوجي الصادر كفكر من قائدٍ كاريزمي يمارس حتى أبشع أنواع الدكتاتوريات تجاه قواعده الحزبية.
لذلك, لكي نكون عناصر فاعلين وأفراداً منتجين, أصحاب مبادرات خلاقة في صفوف أحزابنا, علينا قبل كل شيء أن نحتفظ بحرية الفكر وإبداء الرأي. وهذا لايعني أننا نخرج من النسق العام للحزب, بل بعكس ذلك, عندما نكون قد فهمنا نهج وأهداف الحزب بعد المناقشة المستفيضة, نستطيع أن نميز القرارات الصادرة من القيادة ” من هي في صالح النهج وخدمة لتحقيق الأهداف عن تلك التي قد تهدم ما يتم بنائه ” وبالتالي يتم الرد على القيادة إما سلباً أو إيجاباً وفقاً لمصلحة الحزب وتحقيق أهدافه التي تحقق أهداف وآمال شعب بأكمله.
إذاً, من أولى واجبات الحزب, عليه الحرص الشديد تجاه الحريات وإبداء الرأي بحرية كاملة.. وتشجيع عناصره على مناقشة الآراء وقراءة الأضضاد, لترويضه على كيفية إستقراء الأفكار وتفكيك رموزها ومن ثم الوصول إلى الإستنتاجات الصحيحة ليحصل على النسبة الأكبر والأعلى من الحقائق, وذلك خدمة لتطوير فكر الحزب ونهجه بما يتلائم مع الظروف والمرحلة.. وبهذه الطريقة يمكن الحصول على كوادر ذات كفاءات عالية يكملون بعضهم البعض, مثلهم مثل من ينتمون إلى مدارس العلوم المختلفة خدمة لتطوير الإنسان وتحقيق غاياته.
13/3/2017

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

بوتان زيباري   في قلب الأناضول، حيث تلتقي رياح التاريخ بنسمات الحداثة، يقف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على مفترق طرق مصيري. ليست هذه المرة الأولى التي يواجه فيها العاصفة، لكنها قد تكون الأخيرة التي يمتلك فيها زمام المبادرة قبل أن تتحول العاصفة إلى إعصار يكتسح ما تبقى من مشروعه السياسي، بل ويهدد استقرار تركيا ككل، ويمتد تأثيره إلى…

تمرُ علينا اليوم، الذكرى السنوية الثانية عشرة لاختطاف الضباط الكورد المنشقين عن نظام الأسد البائد ومرافقهم المدني، من قبل حزب الاتحاد الديمقراطي PYD أثناء توجههم إلى إقليم كوردستان عبر الحدود السورية – العراقية، ولا يزال مصيرهم مجهولاً منذ لحظة اختطافهم إلى تاريخ كتابة هذا البيان. وفي الوقت الذي من المرتقب عقد مؤتمر بُغية توحيد الموقف السياسي الكوردي، نجدد دعوتنا للمؤتمر…

د. محمود عباس   باسم الضمير الكوردي، وبحسّ المسؤولية التاريخية التي لا تتكرر إلا نادرًا، نوجّه نداءنا هذا إلى كافة الأحزاب والقوى والمستقلين المشاركين في المؤتمر الوطني الكوردي المزمع عقده في مدينة قامشلو، أن يكونوا على مستوى اللحظة، وحجم الأمل، وثقل التحدي. إن ترسيخ النظام الفيدرالي اللامركزي في صلب الدستور السوري القادم، ليس مطلبًا سياسيًا عابرًا، بل ركيزة مصيرية لمستقبل…

ماهين شيخاني   تُمثل القضية الكوردية إحدى أقدم وأعمق قضايا الشعوب في منطقة الشرق الأوسط، حيث يرتكز الصراع الكوردي على حق تقرير المصير والحفاظ على الهوية القومية والثقافية. في هذا البحث، نسلط الضوء على العلاقة التاريخية بين الكورد والقبائل العربية الأصيلة، ونناقش محاولات الإنكار والإقصاء، لا سيما في سياق الحرب السورية الحديثة، مع إبراز الدور المركزي للثقافة والأدب الكوردي في…