دهام حسن
علينا أن نعي بداية من أن تطوّر المجتمعات البشرية عملية طبيعية تاريخية، وما يلاحظ في ضوء ذلك من أن أنظمة المنطقة ومن ضمنها الأنظمة العربية الاستبدادية عموما، الجمهورية أو الملكية لابدّ لها أن تشهد مرحلة انتقالية أكيدة، مرحلة تحوّل من حالة لأخرى، ثمّة عوامل عديدة ومؤثرة في الواقع السياسي الراكد المعيش لسنوات خلتْ، العوامل الدولية غدت جزءا من الحالة الاجتماعية والسياسية، كل هذا يدفع باتجاه التغيير الحتمي، وهذا ما يقتضي بالتالي مبدأ تداول السلطة بين سائر التيارات السياسية، والأحزاب المختلفة وفق انتخابات عادلة حرة ونزيهة.. الحَكًمُ والحُكْم فيها لصناديق الاقتراع وبالتالي رفض القمع السياسي، حيث يصبح القمع شيئا من الماضي، من تراث أحزاب أحادية الحكم، وفي هذا السياق يأتي نبذ أيّ حكم إذا ما تسوّر برباط دين ما، أو حكومة الحزب الواحد، وطبقا لهذا المسار إذا ما احتدم الصراع بين سائر الأحزاب والمكونات فلا يخرج الصراع أو التنافس عن إطار الطابع السلمي..
ومن المخارج لهذا النهج الجديد، الرؤية العلمانية، أي فصل الدين عن السياسة، ونبذ الرؤية السلفية التي أوجزها حسن البنا في ترنيمته منذ عام 1926 من أن (الإسلام دين ودولة) لدى تأسيسه حركة (الإخوان المسلمون) فإذا كان بعض النصوص الدينية قد آزر بعض المستضعفين، بيد أن المسألة تكمن في التركيز (ليس على ماذا قال الإسلام، ولكن على ماذا فعل المسلمون) والغرب عموما عندما تحرر من سلطان الدين تمسك بحكم العقل في سائر الأمور..
هنا.. وكوني ذا ثقافة ماركسية أؤمن بحتمية حركة التاريخ، وبحركة المجتمعات وتطورها، وبالتالي تجاوز الحالة السياسية والاجتماعية الراهنة، فالثورات قاطرات التاريخ بتعبير ماركس والحالة الأوربية ما زالت ماثلة للعيان في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر فالثورات عمّتْ سائر أرجاء القارة، الثورة البريطانية في عام 1774 الثورة الأمريكية في عام 1776 الثورة الفرنسية عام 1789 التي تعد بحقيقة أم الثورات، ثم ثورات 1848 التي غطتْ سائر بلدان أوربا ثم كانت كومونة باريس 1871 كل هذه الثورات قضت على الإقطاعية وأنهت عهودها الظلامية، كما أقصت الكنيسة لتنزوي في دور العبادة فحسب..
إن انهيار الاتحاد السوفييتي أراه من الجانب الإيجابي، أجزم أن هذا الانهيار مكّن كثيرا من الماركسيين من تجديد رؤيتهم التي كانت أسيرة في الحالة الحزبية، (من تشويه وتحريف وبيروقراطية) فكان لابد من تجاوز الحالة الأحادية المولدة للبيروقراطية، لهذا كان لابد من اقتلاع فكرة حكم الحزب الواحد، لابد من التعددية لابد من الديمقراطية، لابد من حالة متجددة ومتطورة في المسار النضالي، فالعلاقات الاجتماعية لابد أن تشهد تطورا وهي على العموم تنقسم إلى علاقات مادية وأخرى فكرية، وهذه الأخيرة تنبني على الأولى، ولا بد لها أن تشهد شكلا من التغيير والتطور تبعا لسنة الكون فسمته الأساسية هو التغيير كما أسلفنا..
إن الأنظمة العربية ليست بمنأى عن حركة التاريخ، أي عن التغيير، وثورات الربيع العربي لن تقف عند ما شهدناه وما نشهده، أو ما تحقق فالتغيير قادم وأن سنوات القرن الحالي لا بد أن تكون حبلى بالتغيّرات وحتما بالإنجازات، إذ لابد أن ينتفي من القاموس السياسي لفظة أو قانون حكم الحزب الواحد، لابد أن تأخذ الديمقراطية مداها السياسي، لا بد للعلمانية أن تسود بين سائر مكونات الدولة رغم التباين والاختلاف بين الإثنيات والمعتقدات..وعلينا ونحن نناضل هنا وهناك ألا يغرب عن بالنا ولا نتغابى عن سنة الكون وهي التغيير الحتمي والسير إلى أمام، فالديمقراطية كنظام حكم لابد أن تسود سائر الأنظمة في المنطقة شئنا أم أبينا جمهورية كانت أم ملكية هذا هو منطق التاريخ، منطق السيرورة الاجتماعية، وفيض من هذه التحولات شهدناه، لأن الديمقراطية غدت الإكسير الناجع لكل الحالات الاجتماعية المستعصية … وإن غدا لناظره قريب..!