هل تحتاج الحركة الكردية والمثقف إلى ردم الهوة فيما بينهما؟

عبد الحليم سليمان عبد الحليم

رغم أن الحركة الكردية في سوريا بدأت منذ نشأتها قبل خمسين عاماً بنخبة من المثقفين و المتنورين والمتعلمين الكورد إلا أنها و بتقادمها و مرور كل هذه السنوات فقدت هذه السمة الإيجابية لسبب  أو لآخر ، فقد تحول كل من كان  يُعتبر أنه مثقف إلى سياسي و إنسان منظم أكثر من أن يكون إنسان مثقف تبعاً للظروف الذاتية والموضوعية للمراحل التي مرت بها الحركة الكردية  في سوريا.
و لكن عدد السياسيين و الأحزاب و الشخصيات السياسية في تزايد مطرد للمثقفين (المتعلمين) في وسطنا الكردي.
وأعداد الشعراء و الكتاب و القصصيين و الجامعيين (المتعلمين) و أصحاب الشهادات العليا يشكلون نسبة لا بأس بها في المجتمع الكردي ، ولكن السؤال :أين دورهم في الحياة السياسية الكردية و ما الذي صدَّروه للشارع الكردي من ثقافة و فكر؟
فبعد 12 آذار 2004 برز ما يشبه ظاهرة بركان ثقافي في المجتمع الكردي و خاصة إعلامياً- عن طريق الإنترنت – هذه الظاهرة التي هي إحدى مفرزات الثاني عشر من آذار لا بل أكثر من ذلك و رغم الخلط الحاصل في التمييز بين المثقفين ؛ بان بأن هناك ثلاثة تصنيفات للمثقفين الكورد في الساحة السورية مع الاحترام الكامل لكل شخص يرى  نفسه مصنفاً تحت أحد التصنيفات الآتية :
أولاً : مثقفون من أبناء القضية الكردية ، وجد هؤلاء أنفسهم ملازمين للقضية الكردية بكل تعقيداتها و عوائقها منذ نشأتهم ظلوا أو مازالوا يعملون سواء أكانوا منظمين أو قريبين من الأطراف الكردية ،هؤلاء عملوا لا بل كرسوا كل طاقاتهم الثقافية و الفكرية مهما كان حجمها من أجل القضية الكردية و تقدم حركته السياسية وينضم إليهم أولئك الذين أُعتبروا مثقفين ولكن انضموا إلى الحراك بعدما أن كانوا بعيدين عنه وهذا التصنيف الأول هو الأفضل للشعب الكردي.
ثانياً : مثقفون أكراد حائزون على شهادات  تعليمية معينة أو ربما غير حائزين لهم نتاج ثقافي ليس بالضرورة يهتم بالقضية الكردية انضموا إلى ركب الحراك السياسي أو الثقافي المعني بالشأن الكردي كأحد مفرزات الثاني عشر من آذار و عدد غير قليل منهم يبحث عن مجد له في زحمة هذا الركام.
ثالثاً : مثقفون محايدون لا يقتربون من هذا الحراك لا من قريب و لا من بعيد و هم مقتنعون بظروفهم و حججهم.
و بالإجمال و بالعودة إلى العلاقة بين الحركة السياسية والمثقفين الكورد يكاد أن يكون هناك طلاق و جفاء بينهما، فكل من السياسي و المثقف ماكث في محيطه الخاص و لا علاقة لأحد منهما بالآخر و كأنهما ينتميان إلى قومين مختلفين ،فالمثقف يبحث عن عاجيته البنفسجية في الحياة و يتناسى واقعه ويريد أن يكون كفلان و فلان من المثقفين المشهورين ، أو يشترط بمشاركته في العراك السياسي ولو لفترة غير طويلة بشروط قد لا تكون متاحة لدى الحركة و الطرف الكردي الذي يريد أن يتعامل معه هذا المثقف.
و بالمقابل بالنظر إلى تاريخ تعامل الحركة الكردية مع المثقفين الكورد باستثناء بعض النادرات في التعامل – هناك تقزيم لكل ما هو مثقف و كأن المثقف إذا أُعطي حقه في المشاركة سينتزع كرسي السكرتارية أو الأمانة العامة في هذا الحزب أو ذاك ،كذلك لا تتيح الأطراف الكردية الفرصة أمام المثقف التواق لنشر أفكاره ونتاجه الفكري و الثقافي و التي تعتبر متواضعة في ظل ظروفنا الكردية الموضوعية والذاتية .

و لكن الحل لهذه المعضلة هو الخروج منها و التصالح فيما بين السياسي و المثقف فكل منهما بحاجة للآخر ولا مكان للمثقف بدون حركة سياسية قوية و لا حركة سياسية قوية دون فكر نير و كم ونوع جيد من المثقفين و على كل من المثقف و السياسي أن يكون جريئاً و مبادراً لإعادة الثقة فيما بينهما و إعادة الروح للحركة السياسية الكردية التي هي الممثل الوحيد للكورد هنا دون مبالغة أو تلميع.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

بوتان زيباري   في دهاليز السلطة، حيث تتهامس الأقدار وتتصارع الإرادات، تُحاك خيوط اللعبة السياسية ببراعة الحكّاء الذي يعيد سرد المأساة ذاتها بلغة جديدة. تُشبه تركيا اليوم مسرحًا تراجيديًا تُعاد كتابة فصوله بأقلام القوة الغاشمة، حيث تُختزل الديمقراطية إلى مجرد ظلٍّ يلوح في خطابٍ مُزيّف، بينما تُحضَر في الخفاء عُدّة القمع بأدواتٍ قانونيةٍ مُتقَنة. إنها سردية قديمة جديدة، تتناسخ…

خالد بهلوي بعد ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى وإرساء أسس بناء الاشتراكية وظهور المعسكر الاشتراكي كقوة اقتصادية وعسكرية تنافس الدول الرأسمالية ومعسكر الحلف الأطلسي، انعكس هذا التوازن على العديد من الدول، فحصلت على استقلالها، ومن بينها الدول العربية. كما خلقت هذه التحولات قاعدة جماهيرية تنادي بضرورة الاشتراكية، وأصبحت بعض هذه الدول، وحتى الأحزاب القومية التي تشكلت فيها، تدّعي…

شكري بكر لا يزال موقف حزب العمال الكوردستاني غير واضح تماما من فحوى نداء أوجلان في تسليم السلاح وحل نفسه. هنا سؤال يطرح نفسه: هل رسالة أوجلان وجهها لحزب الاتحاد الديمقراطي في تسليم السلاح وحل نفسه؟الصفقات التي يقوم بها الـ PYD مع الشرع هنا وهناك دلالة للسير بهذا الاتجاه.أعتقد أن الـ PYD سيسلم سلاحه وحل نفسه عبر الإقدام على عقد…

صلاح بدرالدين   زكي الارسوزي من مواليد – اللاذقية – انتقل الى الاسكندرون لفترة طويلة ، ثم عاد يمتهن التدريس في دير الزور وحلب وغيرهما ، وله الدور الأبرز في انبثاق حزب البعث ، ومعلم الرواد الأوائل في هذا الحزب ، وقد طبع كتابه الموسوم ( الجمهورية المثلى ) في دار اليقظة العربية عام ١٩٦٥ ، وتضمن آراء ، وأفكار…