شيركوه حسن
بداية لا بد أن نؤكد على أن التفاوض هو حوار يهدف إلى فض النزاعات والتوصل إلى اتفاق مسارات العمل, للمساومة من اجل ميزة فردية كانت أم جماعية أو لصياغة النتائج التي ترضي مختلف الأطراف, والتفاوض بصورة عامة هي عملية تهدف الوصول إلى حلول مقبولة أو اتفاق يسهم في تحقيق مصلحة طرفين أو أكثر وهي في العلاقات الدولية عملية غايتها الوصول إلى تسوية سياسية.
وبالرغم من مجازية التعبير فإن مصطلح نظرية التفاوض في الأصل لا يعكس وجود نظرية واحدة ومحكمة تسمى نظرية التفاوض بالمعنى الدقيق, بل هي مجموعة اجتهادات فكرية وافتراضات سببية أو قراءات تفسيرية لربط السبب بالمسبب وهي في مجال العلاقات الدولية تستهدف دراسة الأبعاد والمحددات التي من خلالها يمكن حسم المواقف الخلافية, وهي تعني بتفسير أو تحليل كيفية التوصل إلى قرارات توفيقية أو حلول وسط للمواقف الصراعيه في صيغة تسويات سياسية, لذا يعتمد كأساس لحل تلك النزاعات.
ففي الحالة السورية يتضح ولأي متتبع أو مهتم وانطلاقا من المقدمات الثورية للحالة المجتمعية والتي هي النتيجة الطبيعية للممارسات الفوضوية لسلطة الاستبداد, بغض النظر عن المؤثرات المباشرة لحالة الحراك في الشارع العربي عموماً والمتشابهة أصلاً في المسببات والدوافع, فهي تبقى مهماً كانت الانعكاسات السلبية لدلالات الفعل وردات الفعل نتيجة حتمية لحركة التطور الطبيعي في المجتمع الهادف إلى التغيير نحو الأفضل انطلاقاً من حاجاته الذاتية والموضوعية أو الحفاظ على مرتكزاته الأساسية استعداداً للانطلاق واستغلالاً للحظة تاريخية, والتي تتعاكس ومصلحة الفئات الحاكمة والمتسلطة على مقدرات ذات المجتمع والمستغلة لها لتحقيق غايته وأهدافه النفعية والجاهدة على الإبقاء على اللحظة بالضد من حركة التاريخ والمجتمع, انطلاقاً من تدمير الرافعة الأخلاقية كقيمة جمعية مستندة على الموروث الفكري والثقافي وتأنيب المجتمع على ذاته بالاعتماد على مرتكزات فئوية غير جمعية اثنيه ومذهبية لتذكية الصراع بغية تسهيل السيطرة واستغلال المجتمع.
هذا إضافة إلى العامل الأهم المتحكم في طبيعة الصراع السوري وهو الموقع الجيوسياسي لسوريا والذي ساهم في تداخل العاملين الإقليمي والدولي والذين استمدا نفوذهما من إطالة أمد الصراع ذات الطبيعة العنفية نتيجة عسكرة الحالة حيث أنهكت القوى المتصارعة واستنزفت قواها الأساسية وباتت أكثر حاجة للمساعدات الخارجية وتشكيل تحالفات نفعية لقوى ذات أهداف وغايات مشتركة مما أتاحت الفرصة للقوى الخارجية للاستثمار في الحالة بغية تحقيق أهداف مستقبلية وان كان ذلك على حساب ما سمي بالوطن والمجتمع السوري بمختلف مكوناته وانتماءاته, بعد كل تلك الصولات والجولات وكل تلك الانكسارات والانحسارات في المجالين العسكري والسياسي لازال الكل المتصارع يتشبث بثوابته النفعية, تلك الثوابت الناتجة عن احتدام الصراع بمسمياته المختلفة, الأول أي أنصار السلطة والمتحالفين معهم يسعون لتثبيت الواقع بمفاهيم رجعية أي العودة بالوضع إلى ما قبل انطلاق الحالة مبررين مواقفهم بتخوفهم من مستقبل مجهول أو الدخول في أنفاق مظلمة قد يصعب الخروج منها, طبعاً مع تأكيدهم على ثابتهم المتجسدة لمختزل الولاء والانتماء والتي يخشون الخروج عليها لخشيتهم من مقاربتهم ومصطلح الخيانة, والثاني أي المعارضة فلهم ثوابتهم المختلفة فهم يجهرون التزامهم “بخط الثورة” رغم انحرافاتها والإصرار على التغيير وفق مقتضيات حركة التاريخ وان كانوا في غالبيتهم الغالبة من نتاج فلسفة السلطة وثقافته وان خرجوا عليها بعمليات قيصرية, وبالتالي هم بدورهم يخشون من خيانتهم لمبادئ “الثورة” ومنطلقاتها رغم قناعة الكل في طرفي الصراع إن ما نتج حتى الآن من الأرقام المرعبة من حالات القتل والتدمير والتهجير تستحق منهم الخروج على تلك الثوابت مع تيقنهم إنه لا ثابت في السياسة, إلا إنهم يخشون الخروج عليها لا لقناعتهم بها كثابت موجب الالتزام وإنما إضافة لما ذكرت هناك اسباب وحسابات أخرى ذات طبيعة نفعية وان كانت على حساب المجتمع كصيغة جمعية تدخل في سياقات المعادلة فتزيدها تعقيداً وتنحسر امامها فرص الحلول المنطقية, تحت هذه اليافطات وبهذه العقلية يحضر المتحاورون مؤتمرات الحل.
على ما تقدم نلاحظ تلاشي فرص الاتفاق كون ضلعا المعادلة المرتكزان على قاعدة الاستهلاك لوهن المثلث لم يعتمدا بعد المقدمات الضرورية للحل المنشود لذا نلاحظ تتالي الإخفاقات سورياً وان عقد ألف جنيف, وان كان جنيف عنواناً لدالات رمزية مع تحقيق الأطراف الإقليمية والدولية نجاحات ومكاسب مستفيدةً من تلك الإخفاقات وهنا تكمن دلالات النجاح والفشل لأن كل جنيف تؤسس على سابقتها مرتكزاً للانطلاق إن كنا نرغب أو لا نرغب وإن كانت على حساب آلام ودماء السوريين كل السوريين بمختلف انتماءاتهم.