كرد سوريون وكردستانيون ..!

اكرم حسين
كتب  احمد الجربا رئيس تيار الغد السوري في «القدس العربي» بتاريخ  25-11-2015  مقالة  بعنوان كرد سوريون ام كردستانيون ؟ أكد فيها على أن بعض مواقف المعارضة السورية من القضية الكردية في سوريا هي السبب في عدم انخراط الكرد والعمل في صفوفها لأنها تنكرت لحقوقهم ، وسلكت بعض رموزها نهجا عدائيا حيالهم، كما رفضت الاعتراف الدستوري بهم واصطدمت كل محاولات التنسيق بين الأطراف الكردية وأطرالمعارضة بحائط صد مسنود على تحالف مريب بين الاخوان المسلمين وبعض مجموعات المعارضة التقليدية ، حتى كان دخولنا كديمقراطيين سوريين….
ورداً على تساؤله نقول ان الكرد في سوريا هم سوريون بقدر ما هم كردستانيون ، لأن الهوية الطبيعية تتكون من تمازج عدد من الهويات الفرعية وتفاعلها ،فالمرء في هذا العالم لا يمكن ان يعرف بهوية بسيطة لأن التمترس خلف هوية فرعية والانحياز المتعصب لها تجعلها« قاتلة » حسب تعبير امين معلوف وتصبح عنصرية واقصائية ، فالكردي السوري يمكن ان يكون سورياً وكردستانيا ً، اسلامياً او مسيحياً او ازيدياً ، او اوربياً حسب جنسية الدولة التي يحملها ، فالكردستانية لا تلغي السورية بتاتا لا بل تدعمها وتعززها بدعم الكرد في الاجزاء الاخرى حتى لو كان الحلم الكردي بحجم كردستان الموحدة ، فليس من حق احد ان يصادر الافكار والاحلام والمشاعر او يقف في وجهها ، لأن كردستان قسمت على مرحلتين ،الاولى في معاهدة قصر شيرين عام 1639 بين الشاه اسماعيل الصفوي وعباس العثماني والثاني في مؤتمر سان ريمو عام 1921 واصبحت بالشكل الذي نحن عليه اليوم والحقت بكل من سوريا والعراق وتركيا وايران .
لم يسمح النظام بتشكل الهوية الوطنية السورية بسبب بنيته الاستبدادية ولانغلاقه على ذاته واعتماده على بطانة فاسدة واعتبار الشعب عبارة عن «قطيع» يستطيع ان يأخذه الى المسلخ متى يشاء ، فلا وطن ولا وطنية سورية ولا مواطنة وحقوق، وبالتالي لم يسمح للكرد بالاندماج في بنية المجتمع السوري الا بتخليهم عن كرديتهم ، حيث طبقت بحقهم عشرات المشاريع والقوانين الاستثنائية ، مثل مشروع محمد طلب هلال القاضي بتغيير التركيب الديمغرافي للمنطقة ، والاحصاء الاستثنائي ، ومنع التكلم باللغة الكردية ، وسد الوظائف الحساسة في وجوههم وخاصة الكليات العسكرية والجيش ،وعندما رفعوا شعار الاخوة العربية الكردية في السبعينات من القرن الماضي في سينما دمشق بالقامشلي  تم سجن العشرات منهم .
وخلال الثورة السورية لم تستطع الخطوات الاخيرة للنظام باستمالة الكرد وادراجهم في صفوفها ، رغم اعادة الجنسية لمن حرم منها بموجب احصاء 1962،  كما ان موقف وسلوك المعارضة السورية التي سلكت مسلكا عدائيا كما اشار اليه الجربا نفسه برفض الاعتراف الدستوري بحقوق الكرد وازالة العروبة من اسم الدولة ومن هويتها بالإضافة الى فصل الدين عن الدولة ، ساهمت هي الاخرى بازدياد الهوة بين الكرد والمعارضة وعدم انخراطهم بالشكل المطلوب في صفوفها فانقسموا الى تيارين الاول عسكري اختار الطريق الثالث – كما ادعى- وحاول ان يبقى على الحياد تحت ذريعة الدفاع وحماية المنطقة الكردية وعدم تعريضها لخطر القصف والدمار، والثاني سياسي انضم مؤخراً الى الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة دون ان يحسم خياراته او يلتزم بموافقه  تحت زعم خصوصية المنطقة الكردية ،لذلك تمايزت مواقفه في كثير من الاحيان عن مواقف الائتلاف وبقي حضوره ضعيفاً في تلك المناطق  . 
يطرح الجربا عددا من الاسئلة المهمة دون ان يدخل في تفاصيلها ، هل القضية الكردية السورية مطروحة كقضية سورية فقط؟ ام هي قضية عابرة للحدود الاقليمية ؟ تتعلق بالدول المتقاسمة للوجود الكردي منذ تأسيس الدولة القومية في المشرق ؟ هل يتعلق الامر بالكرد السوريين فقط ام بمجمل الشعب الكردي في المنطقة والعالم رغم انه يؤكد بشكل واضح ومتقدم بأن حل القضية الكردية السورية مطروح في الزمن الحالي كقضية سورية يجب حلها حلا واقعيا كقضية شعب يعيش على ارضه ، وليس كاقلية مهاجرة كما يحاول البعض من المعارضة تصويره في ادبياتها ، وتكون هذه القضية قضية كردستانية عندما يأتي الزمن التاريخي الذي يجعل من كردستان دولة موحدة كما كانت- منذ مئات السنيين – والى ان يأتي ذلك الزمن ليس لدى الكرد السوريون سوى العيش والانخراط في اطار الدولة السورية والعمل جنبا مع جنب مع كل القوى الوطنية والديمقراطية لتحقيق دولة المواطنة المتساوية بإطلاق بغض النظر عن العرق او الدين او الجنس .
ان وضع الكرد بين مطرقة الوطنية السورية وسندان الكردستانية ، غير واقعي على الاطلاق ، لان الكرد السوريون وطنيون بقدر ما هم كردستانيون ولا يوجد أي خلاف او تضاد بين الاثنتين لا بل تكمل احداها الاخرى، فالنظم العربية فشلت في تحقيق الاندماج العميق في المجتمع السوري لكل مكوناته وساهمت في تذريره وتطييفه ، لا بل نظرت الى المكونات «كقطعان» والى تاريخهم نظرة عنصرية وحاولت صهرهم لذلك فشلت في بناء وطن سوري ،أي امة في طور التكون كما يقول ارنست رينان نتيجة الانصهار الاجتماعي المتحقق بين المجموعات البشرية المختلفة ، فالعربي والكردي والسرياني والارمني والجركسي والدرزي والعلوي ..الخ  بقوا متمايزين عن بعضهم البعض كما كانوا ،وسكنوا جغرافيا محددة لها طابع قومي او ديني محدد، أي بعبارة اوضح  يمكن القول بان سوريا فشلت في انتاج امة سورية محددة بحدود الدولة نفسها وبدلالتها لان جميع مكوناتها  بقيت تنظرالى اقرانها في الخارج وارتبطت معها ، هذا اذا قبلنا بأن الامة هي مجموع الناس المتجمعين في دولة تعبرعن تجمعهم .
ان ما حصل في السنوات الماضية وظهور سلطات ما قبل وطنية عابرة للحدود والدول ، دون ان تمتلك أي اساس او اعتراف قانوي بها ينذر بتفكك  وحدة المجتمع السوري  ويهدد تماسك الدولة وانهيارها بمعناها العام ، فالقضية الكردية هي داخلية –سورية- بقدر ما هي خارجية – عابرة للحدود- وهو ما يبان في طريقة التعامل الدولي معها من خلال تقديم الدعم وبناء قواعد وادارة المناطق بعيدا عن أعين السوريين اومعرفتهم ؟
نشرت في صحيفة بوير برس العدد60 تاريخ 1-3-2017 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

د. محمود عباس   إن حملة وحماة القومية النيرة والمبنية على المفاهيم الحضارية والتنويرية لا يمكن أن يكونوا دعاة إلغاء الآخر أو كراهيته. على العكس، فإن القومية المتناغمة مع مبادئ التنوير تتجسد في احترام التنوع والتعددية، وفي تبني سياسات تعزز حقوق الإنسان والمساواة. ما أشرت (هذا المقال هو بمثابة حوار ورد على ما أورده القارئ الكريم ‘سجاد تقي كاظم’ من…

لوركا بيراني   صرخة مسؤولية في لحظة فارقة. تمر منطقتنا بمرحلة تاريخية دقيقة ومعقدة يختلط فيها الألم الإنساني بالعجز الجماعي عن توفير حلول حقيقية لمعاناة النازحين والمهجرين قسراً من مناطقهم، وخاصة أهلنا الكورد الذين ذاقوا مرارة النزوح لمرات عدة منذ كارثة عفرين عام 2018 وحتى الأحداث الأخيرة التي طالت مناطق تل رفعت والشهباء والشيخ مقصود وغيرها. إن ما يجري…

المهندس باسل قس نصر الله ونعمٌ .. بأنني لم أقل أن كل شيء ممتاز وأن لا أحداً سيدخل حلب .. فكانوا هم أول من خَرَج ونعم .. بأنني كنتُ مستشاراً لمفتي سورية من ٢٠٠٦ حتى الغاء المنصب في عام ٢٠٢١ واستُبدل ذلك بلجان إفتاء في كل محافظة وهناك رئيس لجان افتاء لسائر المحافظات السورية. ونعم أخرى .. بأنني مسيحي وأكون…

إبراهيم اليوسف بعد الفضائح التي ارتكبها غير الطيب رجب أردوغان في احتلاله لعفرين- من أجل ديمومة كرسيه وليس لأجل مصلحة تركيا- واستعانته بقطاع طرق مرتزقة مجرمين يعيثون قتلاً وفسادًا في عفرين، حاول هذه المرة أن يعدل عن خطته السابقة. يبدو أن هناك ضوءًا أخضر من جهات دولية لتنفيذ المخطط وطرد إيران من سوريا، والإجهاز على حزب الله. لكن، وكل هذا…