الحلّ السّوري في مهبّ الرّيح

صبري رسول
فشلت الإدارة الأميركية في إسقاط النظام السوري الدموي كما فشل في احتوائه طوال ست سنواتٍ من طاحونة الحرب والدمار في سوريا، لا بترحيله عبر عملية سياسية ولا على يد الشعب السوري، ولا بلجمه عن الحرائق الكثيفة. 
انطلقتْ جنيف4 والولايات المتحدة في غيبوبة سياسية لاستكمال الملفات التي تراكمت في عهدة أوباما، فالإدارة الأميركية السابقة لم تكن جادة منذ البداية للتعامل مع الثورة السورية وفق حجمها وتأثيراتها على الدول وشعوب الشرق الأوسط وأوربا بهذا المستوى، ولا بما يحافظ على الأمن الإقليمي والدولي، ناهيك عن الاهتمام بمصلحة الشعب السوري. اهتمام إدارة أوباما مع هذا الحدث الضخم لم يتناسب مع كلّ ما ذكرناه، وتنصّلَت من مسؤولياتها كقوة عظمى في الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين.
فلا استطاعتْ إدارة أوباما «السيئة الصيت» احتواء الأزمة وتداعياتها ولا في إسقاط النظام الذي يجسّد الإرهاب الحقيقي في المنطقة، ويوفّر المناخ الطبيعي لإنعاشه وانتشاره. النظام استوعب اللعبة مع الولايات المتحدة، ومع حاميته روسيا، ولذلك استعان بالعنف والعنجهية واستخدام القوة النَّارية المفرطة مع الشّعب السوري الأعزل، وتغيير أنظار العالم إلى مقولة ((الإرهاب الذي يضرب سوريا)) ومن الطبيعي أنْ يصدّقه رجلٌ ببرودة أوباما، ليحيل الملفّ كله إلى عهدة بوتين الذي مازال جسمه ندياً من «اغتصاب أوكرانيا» ومن الطبيعي أنْ يتّفق رجل الاستخباريّ السابق مع «خليف الله» على الأرض صاحب دستور «ولاية الفقيه» لاستكمال قضمِ سوريا وضمّها إلى هلاله النّاقص ليستوي الانحناءُ الهلاليّ مع طموحاتِ خامنئي لبناء القوة «السّداسية» والاستيلاء على المشرق.
الآن، مع جنيف4 يُدرك النّظام السّوري أنّ الولايات المتحدة غائبة عن الأحداث الساخنة، وتُدركُ أكثر أنّ روسيا لن تضغط عليه أكثر من أجل إيجاد حلٍ سلمي استناداً إلى بيان جنيف2012 والقرارات الدولية ذات الصلة، لذلك لا يتوقّع المراقب السياسي أي تحوّلٍ في مسار الأحداث، وجنيف4 ليست سوى إحدى مراحل تدمير سوريا وشعبها، بل إحدى الشهود الموثوقين لدفن السلام، فالنّظام يجيدُ فنّ المراوغة بشكلٍ كبير، ويعرفُ أنّ حلفاءه راضون عن أدائه في القتل والتدمير، والمجتمع الدّولي لا يملك الإرادة السّياسية لإنهاء المحنة الإنسانية كمرحلة تمهيدية لإيقاف شلال الدم المراق، فكيف به يضعُ حدَّاً لعنف النظام والميليشيات التي صنعها لمهام متعددة.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

د. محمود عباس تدور عجلة الزمن في سوريا بعكس اتجاه الحضارة والرقي، رغم القضاء على أحد أكثر الأنظمة المجرمة قسوة في العالم. يُساق الشعب، بمكوناته الثقافية والدينية المتنوعة ومراكزه الثقافية، نحو التخلف والجمود الفكري الممنهج، في ظل صدور قوانين وممارسات سياسية متناقضة وعلاقات دبلوماسية متضاربة. فمن جهة، هناك نشاطات وحديث نظري عن الانفتاح على العالم الحضاري واحترام جميع مكونات سوريا…

إبراهيم اليوسف بدهيّ ٌ أن ما يجري- الآن- في الوطن أمرٌ غريب ومثير للتساؤل. إذ هناك من يحاول تحويل البلد إلى سجن كبير من خلال فرض نمط تربية صارم، وكأننا أمام فتح جديد يتطلب جر الناس قسرًا إلى حظيرة مرسومة. وكلنا يعلم أنه على مدى مائة عام، فقد اعتاد السوريون على نمط حياتي معين لم يستطع حتى النظام…

عبدالعزيز قاسم بعد كفاح طويل ومرير ومتشعب من الصراع خاضه السوريون، وإثر ما عرفت بالثورات “الربيع العربي” والتي لا تزال إرتداداتها مستمرة كما هي الزلازل الطبيعية؛ لاحقاً فقد تمت الإطاحة بنظام الحكم في سوريا ٠٠٠ وبما انه لا بد من ملئ الفراغ الذي خلفته الإطاحة العسكرية تلك وتداعياتها في عموم الساحات السورية والكردية خصوصاً؛ فقد بادر اصحاب الفكر الإستباقي…

درويش محما من كان يصدق أن يسقط بشار الأسد فجأة خلال بضعة أيام وعلى النحو الذي رأيناه؟ لو جاءني أحدهم قبل أن تتحرر دمشق، وقال: إنَّ الأسد ساقط، لقلت له: كلام فارغ ومحض هراء. وأقصد بالساقط هنا الساقط من الحكم والقيادة، لا الساقط الدنيء الشاذ في السلوك والتصرفة؛ للتوضيح أقولها ولتجنب السهو واللغط، لأن بشار الأسد لم يعد اليوم ساقطًا…