زوبعة العلم الكردستاني في مطار استانبول

توفيق عبد المجيد
خطوة جرئية أقدمت عليها السلطات التركية مؤخراً عندما تجاوزت التقاليد والأعراف الدبلوماسية التي كانت تتبعها سابقاً وعلى نطاقات ضيقة خلال زيارات الرئيس البارزاني ، خطوة جريئة وشجاعة وواقعية تجلت بوضوح في الزيارة الأخيرة للرئيس مسعود بارزاني إلى أنقرة ، حيث خرجت السلطات التركية على الترتيبات المألوفة والمتبعة لديها ، وأوعزت إلى رفع العلم الكردستاني في مطار استنبول مع العلمين العراقي والتركي .
لا يهمنا هنا استعراض الردود السطحية والتعليقات الكثيرة السلبية والإيجابية ،والتي صدرت من هنا وهناك ، ولم يلامس أكثرها جوهر الموضوع والظروف المستجدة والواقع المختلف ، وكانت الردود السلبية منها لا تخرج عن دائرة ردود الأفعال ، حيث ظهرت بكثرةعلى صفحات الفيسبوك ، ولا يلام قائلوها فهم ينطلقون من دهشتهم واستغرابهم لهذا البروتوكول غير المعهود من السلطات التركية ، وهي تتجاوز مخلفات الماضي المؤلم والمغروس في العقل الجمعي التركي الذي لازال يستحضر ويقرأ تلك الثقافة وهي تصف أبناء الشعب الكردي بـ ” أتراك الجبال ” دون أن تعير اهتماماً لهم ، ولهم نواب كثر في البرلمان التركي ، وبهذه الانعطافة غير المتوقعة خاصة للشعب التركي ، جاءت الردود عليها قوية وحادة ، مبنية على الثقافة التي دعائمها إلغاء الآخر المختلف ، وإنكار وجوده ، وعدم الاعتراف به ، رغم أنه مشارك في البرلمان التركي ، وحائز على أصوات تقارب ما حاز عليه حزب الحركة القومية .
حزب الحركة القومية لا يتحمل ” رؤية علم كردستان في غرفة رئيس الوزراء التركي ” ورفع علم كردستان في استقبال البارزاني ” يمثل إهانة للشعب التركي ” ومن العار والخزي ” رفع علم البيشمركة في مطار أتاتورك ” ونحن لا نلوم حزب الحركة القومية لأنه لا يعترف بقومية أخرى أنكروجودها منذ ثلاثينات القرن الماضي ، ولا يستسيغ التطرق إليها بهذه الاستدارة التي كانت مفاجئة له – وهذه مشكلته – لكن من حقنا أن نذكّرهم بأن هذا العلم هو لشعب عريق وأصيل في المنطقة ، وليس علم البيشمركة الذين قهروا داعش جرثومة العصر ، ويحاربها معظم العالم بمن فيهم الجيش التركي ، ولا أعتقد أن الشعب التركي يهان عندما يرفع العلم الكردستاني لأنه مثل الشعب الكردي ينشد الأخوة ، ويرنو إلى السلام ، وينبذ القتال ومنظر الدماء ، ويصبو إلى العيش الكريم في أمان واستقرار .
لم يتأخر الرد الرسمي التركي فقد جاء على لسان السيد بينالي يلدريم رئيس الوزاء في صحيفة ” جمهوريت ” التركية مستنداً إلى الدستور العراقي الذي اعتبر كردستان ” إقليماً مستقلاً ومعترفاً به ” ماضياً في القول إنه ” شبه دولة ويوجد له برلمان ووزارات ورئيس يشرّف ويمثل هذه الدولة ، ويوجد له علم خاص به ، ومعترف به دولياً ،  – للعلم ، للجمهورية التركية تمثيل قنصلي في هولير عاصمة إقليم كردستان – فلماذا هذه الضجة التي حدثت بخصوص رفع العلم ” مستمراً في قوله وبصريح العبارة ” نقولها مراراً وتكراراً مع أخوتنا الكرد لا يوجد بيننا وبينهم خلاف ومشاكل ، وكل كردي موجود بتركيا هو أخ لنا وتاج على رأسنا “
نثمّن ونقدّر عالياً هذه التصريحات الإيجابية الواقعية ، وهي تصدر من أعلى المستويات في تركيا ، ونؤكد للسيد بينالي رئيس الوزراء التركي على أخوة الشعبين الكردي والتركي ، ونأمل أن تستأنف مسيرة السلام التي بدأت وتعطلت ، كما نأمل أن تقوم السلطات التركية بخطوات عملية لتعزز مسيرة السلام التي يترقبها الترك والكرد ليعيش الجميع مواطنين متساوين في الحقوق والواجبات .
1/3/2017

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

د. محمود عباس تدور عجلة الزمن في سوريا بعكس اتجاه الحضارة والرقي، رغم القضاء على أحد أكثر الأنظمة المجرمة قسوة في العالم. يُساق الشعب، بمكوناته الثقافية والدينية المتنوعة ومراكزه الثقافية، نحو التخلف والجمود الفكري الممنهج، في ظل صدور قوانين وممارسات سياسية متناقضة وعلاقات دبلوماسية متضاربة. فمن جهة، هناك نشاطات وحديث نظري عن الانفتاح على العالم الحضاري واحترام جميع مكونات سوريا…

إبراهيم اليوسف بدهيّ ٌ أن ما يجري- الآن- في الوطن أمرٌ غريب ومثير للتساؤل. إذ هناك من يحاول تحويل البلد إلى سجن كبير من خلال فرض نمط تربية صارم، وكأننا أمام فتح جديد يتطلب جر الناس قسرًا إلى حظيرة مرسومة. وكلنا يعلم أنه على مدى مائة عام، فقد اعتاد السوريون على نمط حياتي معين لم يستطع حتى النظام…

عبدالعزيز قاسم بعد كفاح طويل ومرير ومتشعب من الصراع خاضه السوريون، وإثر ما عرفت بالثورات “الربيع العربي” والتي لا تزال إرتداداتها مستمرة كما هي الزلازل الطبيعية؛ لاحقاً فقد تمت الإطاحة بنظام الحكم في سوريا ٠٠٠ وبما انه لا بد من ملئ الفراغ الذي خلفته الإطاحة العسكرية تلك وتداعياتها في عموم الساحات السورية والكردية خصوصاً؛ فقد بادر اصحاب الفكر الإستباقي…

درويش محما من كان يصدق أن يسقط بشار الأسد فجأة خلال بضعة أيام وعلى النحو الذي رأيناه؟ لو جاءني أحدهم قبل أن تتحرر دمشق، وقال: إنَّ الأسد ساقط، لقلت له: كلام فارغ ومحض هراء. وأقصد بالساقط هنا الساقط من الحكم والقيادة، لا الساقط الدنيء الشاذ في السلوك والتصرفة؛ للتوضيح أقولها ولتجنب السهو واللغط، لأن بشار الأسد لم يعد اليوم ساقطًا…