مروان سليمان
يبدو أن المفاوضات في جنيف سوف تبدأ قريباً بين الأطراف السورية سعياً لإنهاء الأزمة المتفاقمة و محاولة التوصل إلى إتفاق حول الوضع السياسي و العسكري و وقف إطلاق النار و وقف نزيف الدم و قتل الأبرياء و بما أن الحوار مطلب أساسي و ضروري لوضع حد للقتال الدائر منذ حوالي ست سنوات حاول فيها كل طرف فرض إرادته و سيطرته على الآخر بالقوة تم فيها تدمير البشر و الحجر و الهجرات الجماعية و تفريغ المدن و القرى و البلدات من سكانها و التلاعب بالوضع الديمغرافي لكل منطقة أصبحت سمة المقاتلين و خاصة النظام الذي يسعى إلى فرض تركيبته السكانية الإيرانية الجديدة على الأرض السورية
و إن ما يؤمل من جنيف هو النظر إلى المستقبل و وضع الخلافات جانباً و وضع البلاد نصب أعينهم إن كانوا فعلاً حريصين على الوطن و المواطن كما يدعون، و قد لا تنجح جنيف في وقف الحرب الدائرة في سوريا و لكن جميع الأطراف سيسعون إلى السلام الذي يمكن تحقيقه و هذا ما سوف تثبته رغبة المحاورين أولاً و الإعتراف بشراكة الجميع بهذا الوطن و القدرة على التنازل الذي يعتبر شرطاً أساسياً للحوار و الإبتعاد عن التجييش الطائفي و العرقي ضد الآخر من قبل أمراء الحرب لأن المتحاربين لا يعرفون بعضهم و لكنهم يتحركون حسب رغبة اللاعبين و يجب أن تكون هناك أولويات المهجرين و المفقودين و المعتقلين و وصول المساعدات إلى المناطق التي تحتاج إلى المساعدة و كذلك على الأطراف أن تعمل على استثمار الإعلام و اللقاءات السياسية و حتى الدينية و وضعها في خدمة المصالحة و التسامح و لذلك يجب أن يكون جميع المتحاورين على قدر عال من المسؤولية حتى يستطيع المفاوضون الخروج من الأزمة و الأهم من كل شئ هو الإقتناع بالحوار و ترسيخ فكرته في ذهن جميع المتحاورين و من كافة الأطراف.
على الأطراف الدولية الفاعلة في الأزمة السورية أن تكون داعمة للحوار الذي يحتاجه السوريون و واضحة في معايير إختيار المفاوضين لأن الغموض في مثل هذه المعايير قد تجعل الحوارات و نجاحها محل شك لدى كافة الأطراف و من الصعب توقع نتائج و لكن ربما يؤدي للإستماع إلى لغة العقل المفقودة في الصراع السوري و خاصة إن الأوضاع الإقتصادية و المعيشية الصعبة للشعب سوف تشكل ضغطاً حقيقياً في استمرارية التفكير بلغة العقل و لا يجب النظر فقط إلى الأماكن التي تتواجد فيه السلاح أو الفصائل المسلحة لأن أغلب هذه الفصائل فرضت إرادتها على المجتمع بقوة السلاح الذي تملكه و إذا ما فقدت تلك القوى سلاحها سوف تتبخر و لم تعد لها وجود و مثل هذه الأطراف سوف تحاول وضع العصي في عجلة الحل لأنها تجد ضالتها و مصالحها في استمرار الأزمة بغض النظر عن الدمار و الخراب و القتل.
إن النتائج الكارثية للحرب التي يعيشها السوريون و حجم الدمار و الخراب الذي حل بالوطن بسبب الإقتتال بين السوريين أنفسهم و من الممكن أن يكون مؤتمر جنيف الرابع وسيلة لرأب الصدع بين الأطراف المتحاربة و وحدة الكلمة من أجل العمل ضد من يقف في وجه طموحات الشعب و لكن في الوقت نفسه يجب أن يحافظ الحوار على حقوق الشعب السوري كافة و من جميع المكونات و العمل على إزالة الآثار التي لحقت به جراء السياسات الشوفينية البعثية و القرارات التعسفية و خاصة بحق الشعب الكوردي في سوريا و لذلك على الجميع أن يرفض أي حوار قد يؤدي إلى إرغام المتحاورين على قبول أي شكل أو أيديولوجية أو جماعة معينة و فرضه على طاولة المفاوضات لأن نتائجه سوف تكون كارثية أكثر من الحرب الطاحنة المستمرة و هذا يبقى على مدى الوعي و المسؤولية الملقاة على عاتق المفاوضين و شعورهم بالحس الوطني و أولوية المصلحة العليا على المصلحة الشخصية و لا يجب أن يكون المؤتمر مثل صفقة لتوزيع غنائم الحرب.
يجب على السوريين إدراك إن السلام و التوافق نحو الحل لا يمكن وضعه في جلسة واحدة بسبب تشابك الأطراف المتحاربة و التدخلات من الدول الأقليمية و من السهولة أن تعمل تلك الدول إلى صناعة الحرب في سوريا بإدخال السلاح و المقاتلين و إشعال فتيلها و لكن يجب علينا أن نعي و ندرك بصعوبة الوصول إلى السلام الذي يرضي جميع الأطراف لأن الحوار هو التزام جاد للوصول إلى التوافقات و من خلال المؤتمرات سوف يتم بناء الثقة للبحث عن الحلول الممكنة و هو وضع بديل لاستمرار الحرب و الصراع المسلح و هذا يؤدي لإتخاذ طريق الصواب لإستكمال المشوار الأول و البحث في إنتقال السلطة و وضع دستور دائم للبلاد الذي يؤدي إلى حالة الإستقرار في البلاد.
مدرس في المدارس المهنية بالمانيا- سالتزغيتر
18.02.2017