ضجيجٌ وغبارٌ ومصافحة

صبري رسول
ضجيجُ ترامب وتصريحاته بشأن إيران أقربُ إلى مبارزة مراهقٍ أمام فتاته على حلبة المصارعة منها إلى مواجهة سياسة مع إيران، فلا هدف منها سوى الضّجيج.
أثار أوباما منذ توليه في البيت الأبيض ضجيجاً وغباراً مماثلاً مع إيران، وانتهت مبارزته في الصفقة النووية معها، ليتفرّغ بعدها علي خامنئي في ترتيب «رقعة الشطرنج» في الشرق الأوسط على مزاج ومصالح «ولاية الفقيه» دون مراعاة مصالح شعوب ودول المنطقة. فكان تدخُّلها سراً في لبنان وسوريا والعراق واليمن سابقاً، فأصبح علانية وبشكل مباشر، فترتيب القطع والقوات العسكرية على مساحة تلك الدّول يتناسب مع الرؤية الخامنئية سياسياً ودينياً، وتحريكها يتناسب مع الزمن و«الصفقة» المطلوبة.
والآن في بداية عهد ترامب لم نعُدْ نميّز المحاربين في ساحة الوغى من كثرة الضجيج المُثار في تغريدات سيد البيت الأبيض، ويتوقّع المرء أنّ هناك فرساناً تصهلُ خيولُهم وهم يتوجهون إلى إيران. الأمر ليس هكذا كما يبدو، وحتى إن حصلت مشادات كلامية بين واشنطن وطهران، فلن تصل إلى شدّ الشَّعر واللكمات. 
وردّاً على عقوبات واشنطن بحق إيران، بعد اختبارها الصاروخ الباليستي، شدَّد الناطق باسم الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي على أن تجربة الصاروخ الباليستي «لا تحمل أي رسالة إلى الإدارة الأميركية»، وأضاف: «لا حاجة لاختبار ترامب» فإيران تعمل بهدوء في رسم سياساتها التدميرية للمنطقة، وتُدركُ متى تسخّن «اللعبة» ومتى تهدئها، فأطلقَت بيدها اليمنى صاروخَها الباليسيتي في صحراء إيران وباتت تراقبُ ردّ فعل العالم وتغريدات ترامب، لتهدِّئ من لهجة المواجهة مع واشنطن بيدها اليسرى.
إيران اختبرتْ سياسة الولايات المتحدة اتجاهها منذ نهاية حرب الخليج الثانية، وأدركتْ أيضاً أنّ اوربا لم تعد تهتم بقضايا الآخرين، وتكفيها مسألة اللجوء كإحدى نتائج تدمير سوريا، فإذا كانت سياسة «الطيش» في عهد بوش لم تردعْها، وسياسة «المهادنة» في عهد أوباما أبرمت معها الاتفاق النّووي، ومدّتها بخزائن المال، فأنّها ستختبر ترامب وتبني سياسَتها بما يوازي المواجهة والنزال بيد، والمصافحة والتغزّل بيد اخرى. تلك هي إيران التي تحرّك دوائر الصّراع في الشّرق الأوسط، وتغيّر من قواعد اللعبة كما تشاء، فهي تُنتج العنف بمختلف أشكاله في الشرق الأوسط، وتصدّره، والآخرون يتعاملون مع النتائج كما تريدها إيران.
لكنْ، في السياسة هناك مفاجآت، كما في كلّ مجال، ومفاجآت السياسة تغيّر الخرائط كما الأشخاص، وقد تكون هذه المرة أقوى من مفاجأة فوز ترامب في البيت الأبيض.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين   في السنوات الأخيرة، يتصاعد خطاب في أوساط بعض المثقفين والنشطاء الكرد في سوريا يدعو إلى تجاوز الأحزاب الكردية التقليدية، بل والمطالبة بإنهاء دورها نهائياً، وفسح المجال لمنظمات المجتمع المدني لإدارة المجتمع وتمثيله. قد تبدو هذه الدعوات جذابة في ظاهرها، خاصة في ظل التراجع الواضح في أداء معظم الأحزاب، والانقسامات التي أنهكت الحركة الكردية، لكنها في عمقها…

عدنان بدرالدين   بينما تتجه الأنظار اليوم نحو أنطاليا لمتابعة مجريات المنتدى الدبلوماسي السنوي الذي تنظمه تركيا، حيث يجتمع قادة دول ووزراء خارجية وخبراء وأكاديميون تحت شعار ” التمسك بالدبلوماسية في عالم منقسم”، يتبادر إلى الذهن تساؤل أساسي: ما الذي تسعى إليه أنقرة من تنظيم هذا اللقاء، وهي ذاتها طرف فاعل في العديد من التوترات الإقليمية والصراعات الجيوسياسية، خصوصًا…

جليل إبراهيم المندلاوي   في عالمنا المليء بالتحديات الجيوسياسية والأزمات التي تتسارع كالأمواج، هناك قضية كبرى قد تكون أكثر إلهاما من مسرحية هزلية، وهي “ضياع السيادة”، حيث يمكن تلخيص الأخبار اليومية لهذا العالم بجملة واحدة “حدث ما لم نتوقعه، ولكنه تكرّر”، ليقف مفهوم السيادة كضحية مدهوشة في مسرح جريمة لا أحد يريد التحقيق فيه، فهل نحن أمام قضية سياسية؟ أم…

أمجد عثمان   التقيت بالعديد من أبناء الطائفة العلوية خلال عملي السياسي، فعرفتهم عن قرب، اتفقت معهم كما اختلفت، وكان ما يجمع بينهم قناعة راسخة بوحدة سوريا، وحدة لا تقبل الفدرلة، في خيالهم السياسي، فكانت الفدرالية تبدو لبعضهم فكرة دخيلة، واللامركزية خيانة خفية، كان إيمانهم العميق بمركزية الدولة وتماهيها مع السيادة، وفاءً لما نتصوره وطنًا متماسكًا، مكتمل السيادة، لا يقبل…