شفان إبراهيم
رافق انهيار جمهورية كوردستان في مهاباد, انهيارٌ للشعور القومي الكوردستاني في الأجزاء الأربعة لكوردستان. لما كانت تمثله من رمزية قومية مقدسة في عمق الوجدان والشعور الكوردي.
ما أشبه اليوم بالأمس. كوردستان سوريا على صفيح ساخن, والاتحاد الديمقراطي يستمر في لعبة عض الأصابع على أمل أن يحظى بكسر عظام المجلس الكوردي. التركيبة السياسية لجميع مشاريع الاتحاد الديمقراطي تضع مستقبل الكيان القومي الجغرافي للكورد في سوريا على صفيح ساخن جداً, خاصة وأن قسم من التيارات التي تغلغلت ضمن الإدارة الذاتية أو مشروع الفدرالية أو حتى قوات سوريا الديمقراطية تنتمي إلى أرومة سياسية إيديولوجيا تتناقض جذرياً مع حقيقة الوجود القومي الكوردستاني في سوريا.
على الطرف الأخر من المعادلة الكوردية السورية فإن نوعية العلاقة بين المجلس الكوردي والائتلاف وعلى الرغم من أن الوثيقة الموقعة بينهما هي أفضل صيغة تم التوصل إليها بين الكورد والمعارضة منذ بدايات الحركة السياسية الكوردية والى اليوم, لكنها لا ترتقي إلى مستوى التطلعات القومية الكوردية, عدا عن أمكانية التنصل من الوثيقة المبرمة بين الطرفين, مع تواجد أطراف تُدين بالولاء إلى تركيا ضمن المعارضة السورية.
الاتفاقيات الإقليمية- الدولية, المبرمة مؤخراً تزيد من أمكانية تضحية الافرقاء السياسيين وعلى اختلاف توجهاتهم بالاتحاد الديمقراطي. تركيا التي قدمت أوراق اعتمادها كممثل عن الحدث السوري باعت كل سوريا على أمل أن لا ترى راية الاتحاد الديمقراطي على حدود كوردستان سوريا. ربما يكون شغف الاتحاد الديمقراطي محصوراً في الزهوّ بما أقدمت عليه تركيا من خيانة للسوريين جمعاء بسبب تواجد الاتحاد الديمقراطي على حدودها, بهجة تستجلب المصاعب والمتاعب للكورد, وروسيا كانت حتى الأمس أشد المدافعين والمنظرين عن الـ( ب ي د), بل كانت روسيا متصدرة لائحة الاتحاد الديمقراطي كحلفاء استراتيجيين, فشلت في فرض حليفهم الــ( ب ي د) في أروقة أي مؤتمراً حول الحل السوري. اليوم روسيا نفسها أضحت تُكرر سيناريو جمهورية مهاباد في كوردستان سوريا, الفرق بين الأمس واليوم أن المهاباديين ضحوا بكل شيء تحت العلم والنشيد القومي الكوردستاني, وأسسوا دولة ما كان لها أن تنهار لولا الخيانات الدولية في تلك الحقبة, والفرق الأعظم أن الكورد لم يعودوا مادة للمساومة على طاولة المفاوضات الدولية, لكن سؤال الوجود الكوردي هو: لماذا بقي الكورد في سوريا سلعة للمساومة على الرغم من نقل الملف الكوردي من زاوية حقوق الإنسان إلى سدّة القضايا السياسية.
اليوم تعيش كوردستان سوريا وقع التنازل عن جُلّ أركانها, فمصطلح روج افا أثار جدل واسع بين المكونات السياسية الكوردية, ثم عاد المصطلح من جديد ليخلق جدلية أخرى بعد أزالته من الفدرالية المُعلن عنها من طرف الاتحاد الديمقراطي مؤخراً. ومن الممكن إعادة سطوة وهيبة وتواجد النظام السوري في عموم كوردستان سوريا.
منذ بداية الحدث السوري والدول الإقليمية تحاول جاهدة خلق جالديران جديدة سواء في الموصل أو عبر توجيه داعش إلى دهوك وما حولها أو عبر بعض أزرعتها في مناطق محددة من كوردستان العراق, لكنها فشلت جميعاً على صخرة حنكة الدبلوماسية الكوردستانية في شطره الجنوبي.
ربما تكون حجم المؤامرة الإقليمية اكبر بكثير من حجم الاتحاد الديمقراطي وجميع مشاريعه, في المقابل فإن حجم المؤامرة يتعدى حجم كوردستان سوريا الغير مُعلن لاسياسياًولاقانونيا حتى اللحظة. الخيوط الدولية والإقليمية متشابكة ومعقدة جداً, لكن الوضوح الأكثر لفتاً للانتباه هو حجم التقارب الإقليمي بالضد من المشروع القومي الكوردستاني في الإعلان عن الدولة الكوردية, تآمراً يفرز الواقع الكوردي بين السريالة والسفسطة من جهة, ومن جهة ثانية الوقوع في الفخاخ الإقليمية, فتركيا تخلت عن جميع خطوطها الحمراء, ومصالحها وتعهداتها والتزاماتها الأخلاقية تجاه الحدث والعمق والداخل السوري نكاية بالتواجد الكوردي, وتعمل جاهدة على تحسين نوعية العلاقة مع إقليم كوردستان العراق لجملة من الأسباب إحداها إيجاد موطئ قدم في الخلافات الكورديةالكوردية, صورة تتضح عبر ازدواجية الموقف التركي من رفضها القاطع لتواجد قوات الــ(YPG) في غرب الفرات, وعدم الاكتراث لتواجد قوات حزب العمال الكوردستاني في شنكال. فتركيا ربما تجعل من تواجد قوات العمال الكوردستاني في جبل شنكال ذريعة للتدخل في كوردستان العراق, بعد أن نجحت في لجّمِ قوات الحماية الشعبية من التوجه صوب عفرين.
الأيام القادمة حُبلى بتواتر وتسارع الأحداث, ويبقى التقارب الكوردي – الكوردي أشبه بجدلية أخيل والسلحفاة. ثمة من ينشد الحوار الكوردي الكوردي إنقاذاً لنفسه من الغرق, لكنه يتعلق بأخر قشة عله يقصم ظهر خصمه, وثمة من فقد الأمل في الحوار مع الأخر بعد الانهيار المدوي في الاتفاقيات الأربعة, فبادت الضمانات الدولية عنوانه العريض لأي تقارب جديد, ضمانات لن تكون في متناول اليد بعدّ, لأسباب تتعلق برغبات أمريكيا, على الرغم من علاقاتها الكبيرة مع مختلف الأطراف الكوردية والكوردستانية في كل من سوريا والعراق, إلا أنه لم يدر في فلكها بعدّ رغبة تقارب الكوردي الكوردي, عل غرار ما حصل في كوردستان العراق في التسعينيات.