جان كورد
لا أحد ينكر أن في كوردستان، تياران قويان بينهما بعض القوى المتذبذبة يميناً ويساراً، وهذان التياران في صراعٍ مكشوف، اتضحت صورته بإقدام حزب العمال الأوجلاني على محاولة جعل منطقة شنكال كانتوناً ليس تابعاً لإقليم جنوب كوردستان الذي يسير على مسارٍ مختلف تماماً، وإنما لحكومة الحشد الشعبي والطائفي الإيراني في بغداد. وقد يعتبر بعض الناشطين الكورد هذه المحاولة مجرّد تكتيك للآبوجيين بهدف فرض مطالبهم على حكومة الإقليم ورئاسته وأحزابه، إلاّ أن الذين يعرفون نمط تفكير القادة في هذا الحزب لا يرون ذلك مجرّد تكتيك وقتي لفرض سياسات معينة، بل هي جزء من استراتيجية ابتلاع كوردستان قضمة قضمة، والاستيلاء عليها زنكه زنكه…
بعض الموالين لطهران في كوردستان والمساهمين في محورها الذي لا يجد حرجاً في احتلال كل كوردستان وإخضاعها لمحورهم ينكرون أن في الأمر خطورة على قواهم وتنظيماتهم السياسية، إلاّ أنهم في الحقيقة رضوا بأن يكونوا أداةّ من الأدوات التي تستخدمها مراكز القرار الإيراني الطائفية في مجمل منطقة الشرق الأوسط، وأي محاولة لإنقاذ أحزابهم من الخطأ الذي اقترفوه سيؤدي إلى انشقاقات في تنظيماتهم.
استراتيجية حزب العمال الذي ينكر كونه حزباً كوردياً أو كوردستانياً تم تطبيقها على جبل (قنديل) التابع إدارياً من جهة القانون الدولي وبموجب الدستور العراقي لإقليم جنوب كوردستان، إلاّ أن إدارة الإقليم لا سيطرة لها على الجبل، بل ربما لا تملك الأدوات اللازمة لتحريره من سلطة خارجة عن سلطة الإقليم، كما تم تطبيق هذه الاستراتيجية في (غرب كوردستان) التي شهدت تحولاً عجيباً في سياسة حزب الآبوجيين، من الدعوة إلى تحرير واستقلال كوردستان، إلى (روجافا – غرب) ومن ثم عودة حليمة إلى حضن أمها لتسمى المنطقة من جديد ب”شمال سوريا” حسب النغمة العروبية البعثية، مع إضافة صفة “الديموقراطية” التي ليس فيها من الديموقراطية شيء حتى الآن. ولم يكتف الحزب الأوجلاني بتشويه سمعة واسم وسياسات الحركة الوطنية الكوردية، بل فرض على غرب كوردستان نظام “الكانتونات” الذي يسعى لتطبيقه على (سنجار) وغير (سنجار) أيضاً، أي الاستمرار في كنتنة جنوب وغرب كوردستان، في حين لا يجرأ على إطلاق هذه التسمية على أي منطقة في شرق وشمال كوردستان، ووجوده فيهما ربما يكون أعظم مما هو عليه تنظيمه في الجزأين الآخرين من كوردستان.
فما الذي يجب القيام به لوقف الزحف الإيراني الخطير في كوردستان، بمساهمة حزب أوجلان ذي العمق الاستراتيجي المتعاظم في جنوبها وغربها؟
بالتأكيد، عقلاء وخبراء ومخططو السياسة في كوردستان، يدركون مدى تنامي هذا الخطر، أولاً على مراكزهم القيادية وأحزابهم و بيشمركتهم وعاصمتهم وعلى كل ما بنوه وأنجزوه من انتصارات للشعب الكوردي خلال السنوات الماضية، وهم يعلمون تماماً أن أي تمييع لموقف معارضتهم لمشروع “كنتنة كوردستان” يصب في مصلحة حزب أوجلان الذي تخلى فعلياً عن الكفاح من أجل الشعب الكوردي، وأنه لا يرى أي مستقبلٍ لهذا الشعب في الإطار القومي، فهو أولاً حزب أممي يعتبر الدولة القومية رجعية، وهو ثانياً مستعد لكل التحالفات الإقليمية، حتى مع الدول العميقة التي تتسلط في الخفاء على ثروات وحكومات وجيوش وسياسات الدول المقتسمة لكوردستان.
ولذا، برأينا فإن الإقدام على تنفيذ النقاط التالية سيخدم سياسة رفض مشروع “كنتنة كوردستان” الخطير:
أولاً:
حيث أن اتفاقية سايكس – بيكو قد انهارت فعلياً بعد مائة عامٍ من عقدها بين الدول المستعمرة، وتضررت بها أمتنا قبل شعوب المنطقة، فمن الأجدر ألا يعترف سياسيو الكورد بالحدود المصطنعة، وبخاصة بين جنوب وغرب كوردستان، وعلى هذا الأساس يجب توحيد الأحزاب الكوردستانية للاقليمين التي تتشابه في برامجها وتوجهاتها وعلاقاتها الدولية ولها حاضنة شعبية مؤيدة لهذا الاتجاه. بل يجب توحيد قوى البيشمركة في الاقليمين، وبخاصة بعد أن أثبت الكورد بسالتهم في التصدي للإرهاب والتطرّف وقدرتهم على التصدي للعدوان مهما كان وحشياً.
ثانياً:
منذ أيامٍ قليلة، طرحنا سؤالاً في موقعنا الفيسبوكي المتواضع عما إذا كان أصدقاؤنا في الموقع مع استقلال كوردستان أم لا يريدونه، فصوّت مائة وستة وتسعون صديق من مختلف الانتماءات والشرائح والمستويات العلمية بالإيجاب، في حين كتب واحد منهم فقط بأن السؤال “غبي!”، ولم يبدِ رأيه، لا بالإيجاب ولا بالرفض. ونظن بأنه ممن يرفضون أن يكون للكورد أي شيء من إدارة أو سلطة… وهذا يعني أن الشعب الكوردي لا يمكن أن يكون ضد استقلاله، وعلى أحزابنا أن تنفّذ ما يطلبه منها شعبنا، لا تنفيذ ما يمليه رؤساؤها فقط، إن كانت فعلاً تمثل الشعب وليست أحزاب زعامات. والفرصة التاريخية، دولياً مؤاتية ومناسبة لهذه الخطوة التاريخية، فلا أحد من خارج كوردستان سيأتي ليقول للكورد: هيا بكم لإعلان دولتكم المستقلة!
طبعاً هذه مغامرة كبيرة، إلا أن شاعرنا الكبير أحمدى خانى قد قال لنا قبل قرونٍ من الزمن:
((Bê ceng û cîdal û bê tehewwur vê shuxlî qet mekin tesewwur))
((بدون حربٍ وجدالٍ وتهوّر لا تتصوورا قط أن تنجزوا هذا العمل))
وعلى الرغم من أن لنا تجربة مريرة في تاريخنا في (مهاباد)، إلاّ أن تضحية الرئيس الشهيد قاضي محمد في عام 1947 لم تذهب سدى، وأن مجمل الوضع الكوردي قد تغيرّ منذ ذلك الحين للغاية، سياسياً واجتماعياً وعسكرياً واقتصادياً، إضافةً إلى تغيرات المجتمع الدولي وتعقيداته العظيمة في مجال العلاقات الدولية خاصةً.
ثالثاً:
حيث أن (كنتنة كوردستان) مشروع تتم تغذيته من قبل إيران، قبل أي دولةٍ أخرى، من دون نسيان أن الدول التي تقتسم أرض كوردستان متفقة ضمناً ولربما عملياً أيضاً مع تنفيذ هذا المشروع السيء الصيت، وبعض هذه الدول تظهر رياءً ونفاقاً معارضتها له، فإن من الضروري السعي لكسب أصدقاء ومؤيدين وداعمين للمشروع القومي الكوردي، على صعيد المجتمع الدولي وعلى مستوى الشرق الأوسط أيضاً، وهذا ضروري جداً، وحيثما ننظر، نرى تزايداً واضحاً في عدد السياسيين والمثقفين والإعلاميين من مختلف القوميات، الذين يؤيدون “استقلال كوردستان” صراحةً، وهذا مشجّع لفكرة التنفيذ والجرأة على وضع حدٍ لسياسات العداء السافر لقضيتنا القومية العادلة، داخلياً وخارجياً.
إن التصريحات المعادية لاستقلال كوردستان، على ألسنة بعض من يعتبرون أنفسهم “ثواراً” و”ديموقراطيين!” من الكورد وغير الكورد، يجب ألا تثير في نفوس قادتنا اليأس، بل يجب أن تحثهم على الاستمرار في تحقيق ما هو حق لأمتنا الكوردية التي تريد أن تأخذ مكانها تحت الشمس بين الأمم المجاورة، دون اعتداءٍ على أي منها أو اغتصاب ما هو ملك لها، وكوردستان ملك لأمتنا وليس لأحد غيرها.
هناك من يقول باستمرار بأن إقامة دولة كوردية بمثابة “إسرائيل ثانية!”، ونحن نقول لهم: “معظم رؤسائكم يأتمرون بأوامر إسرائيل الأولى، وقريباً ستتوسلون لافتتاح مراكزكم التجارية في عاصمة إسرائيل الثانية، والتشبيه ضعيف جداً، فالكورد يسيطرون اليوم على مساحةٍ أعظم من إسرائيل الأولى، وشعب الكورد يزداد سكاناً أكثر من شعب إسرائيل، والكورد لم يحتلوا أرضاً ليست لهم، فلن تقدروا على اخضاعه بعد اليوم… لأنه أكبر من أن تقضوا على قواه المتعاظمة، مثلما فعلتم في حلبجة والأنفال سابقاً، كما هو أكبر من “كانتونات الخيال” التي تؤيدونها سراً وتضحكون من خلف ظهر أصحابها علناً.
ولا تعتدوا، إن الله لا يحب المعتدين.
07 شباط، 2017