المعارضة العربية السنية في سوريا ….وفوبيا الفدرالية

شاهين أحمد
بداية لابد لنا أن نتعرف  على ” الفوبيا ” والأعراض التي ترافق هذا المرض ، الفوبيا : هو مرض الخوف ” غير الطبيعي ” الذي يصيب الفرد أو الجماعة حيث ينتاب المصاب بهذا النوع من الأمراض نوبات من الهلع والذعرالشديدين وهو  خوف ” كامن ومزمن “وغير مبرر ( منطقيا) . ومن أعراضه قيام المريض بمحاولات واضحة للهروب من مواقف تتطلب المواجهة .ولهذا المرض ” الفوبيا ” أنواع كثيرة تتقاطع جميعها في الخوف من المجهول وضعف الإمكانية في التقييم الصحيح لدرجة الخطورة الممكنة والمحتملة من مصدر الخوف المحتمل .
هل الفوبيا نفسية فردية فقط  ؟ أم أنها قد تكون اجتماعية وسياسية ودينية واقتصادية …؟
إن هذا النوع من الأمراض أو كما يعرف ”  الفوبيا “هو مرض يصيب الأفراد في الأساس، ولكنه قد يصيب الجماعات والمجتمعات والدول أيضا، وقد يؤدي ذلك  إلى اتخاذ إحدى المجتمعات أوالدول نزعة الرفض أوالإلغاء تجاه مجتمعات أو دول أخرى بدون مبررات منطقية ، وهذا النزعة تبدو واضحة بشكل صارخ  في المعارضة السورية بشكل عام والعربية السنية بصورة خاصة وخوفها ” الغير مبرر ” من مناقشة حقوق بقية المكونات السورية غير العربية السنية وفي مقدمة هذه المكونات ” الشعب الكوردي “، ومحاولة الرفض والتهرب والخوف من مناقشة موضوع ” الفدرالية ” كشكل ناجح من أشكال الحكم . ومن المفارقات المحزنة أن تلتقي مواقف من ” يدعي ” تمثيل الملايين الذين خرجوا إلى الشوارع والساحات ورفعوا شعارات تطالب بإسقاط نظام البعث الفاشي والتخلص من الشمولية و الدكتاتورية والمركزية الشديدة  ، وقدموا في سبيل ذلك أكثر من نصف مليون شهيد وضعفي هذا الرقم من المفقودين والمشوهين وملايين المشردين والنازحين داخليا وخارجيا ، مع مواقف نظام البعث الحاكم الذي كان السبب في معاناة السوريين طوال أكثر من نصف قرن ، وكذلك تدميره لسوريا بشرا وشجرا وحجرا .
بتقديري أن مخاوف المعارضة السورية وحساسيتها تجاه النظام الفدرالي كشكل ناجح من أشكال الحكم تعود لجملة من الأسباب من أهمها :
1 – إلغاء الحياة السياسية وسيادة التصحر السياسي الذي فرضه البعث الشوفيني على كامل المساحة السورية ، والتراكم في الثقافة القومية العروبية في ذهنية السوريين والتي عمل عليها النظام الشمولي طوال عقود حكمه .
2 – غياب المؤسسات الإعلامية  لدى الحركة التحررية الكوردية في كوردستان سوريا ، لتوضيح بعض المفاهيم والشعارات التي كانت ترفعها وذلك نتيجة ضعف الإمكانات المادية لدى الحركة أولا، والحصار الذي كانت تفرضه الأجهزة الامنية لنظام البعث الشوفيني على الشعب الكوردي وحركته القومية التحررية ثانيا .
3 –  الأمية السائدة في حقل الثقافة السياسية لدى أغلبية المتصدرين للمشهد السياسي المعارض ، وذلك نتيجة استئثار البعث الحاكم لمختلف المؤسسات ، وكذلك  منع المصادرالثقافية والتاريخية النقية وتزويرها وحصرها في خدمة الأجندة القومية العربية وفق منطق ورؤية حزب البعث الشوفيني .
4 – الأغلبية الساحقة لرموز المعارضة السورية وافدة من مؤسسات النظام البعثي الحاكم وهم خريجوا مدرسة البعث ، وعمر اغلبهم في معارضة النظام ، من نفس عمر الثورة السورية .
5 – الارث الديني الإسلامي والدوافع والمنطلقات الطائفية والمذهبية لدى الكثيرين من هؤلاء الذين انشقوا عن النظام ومؤسساته ، وباتوا اليوم يسيطرون على مؤسسات الثورة ، السياسية وكذلك العسكرية .
  ومن مظاهر ” الفدرلة فوبيا ” التشدد العير مبرر من جانب المعارضة السورية ورموزها في تصريحاتهم في المناسبات وبدونها تجاه اللامركزية السياسية ، والوقوف بشدة – بما في ذلك عند صياغة البرامج والبيانات – ضد أية صيغة قد ترد فيها مصطلح الفدرالية ، وعدم التصريح والتأييد للتخلص من ” المركزية المشددة ” التي عانينا منها طوال عشرات السنين من قمع واعتقال ونفي وتهجير، ونشر التصريحات والمقالات بالصحف ووسائل الاعلام تسيء إلى الفدرالية وتشوه معانيها وجوهرها ، ونشر صورة مخيفة عنها لجهة تحميلها تقسيم وتفتيت البلدان وماشابه ذلك من أوصاف لاتمت إلى حقيقة هذا الشكل الناجح والمتطور للحكم . حتى يمكن وصفه نوعا من أنواع ” العنف السياسي ” نظرا لاقتربه تدريجيا من محاولة ” إلغاء ” الآخر وتوفير كافة مستلزمات استمرارية الشمولية والمركزية المشددة وإن بألوان مختلفة شكلا . وبالتالى فالأمر ليس سهلا وبسيطا ،بل يحتاج لبذل الكثير من الجهد وكذلك لتكاتف القوى العائدة لجميع مكونات الشعب السوري المتنورة نسبيا ، وذلك بإيلاء الاهتمام بجوهرهذا الموضوع لا بتجاهله والتهرب من مواجهة الشركاء به ، ومحاولة طرحه وشرحه كمشروع وطني لبناء سوريا مابعد التخلص من الاستبداد وطي حقبة البعث المظلمة . وبالرغم من أن نموذج الحكم الفدرالي ( أي الاتحادي ) هوالأنجح والأوسع انتشارا على الصعيد العالمي، وثمانية من بين أكبر دول العالم مساحة وأفضلها حكما وإدارة وأقواها اقتصادا هي دول تعتمد الفدرالية في حكمها . وأقرب الدول لتطبيق هذا النموذج على المستوى العربي هي دولة الإمارات العربية المتحدة – التي تعتبر مركزا عالميا للمال والأ عمال –  أما على المستوى العالمي فهناك الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا الاتحادية وألمانيا والنمسا وسويسرا وغالبية الدول الأوربية الأخرى والأرجنتين والبرازيل والمكسيك وكذلك ماليزيا وأندونيسيا والكثير من ولايات الهند وباكستان……..الخ . بالمقابل نلاحظ ان الدول التي حكمت ( بضم الحاء ) ولاتزال من قبل نماذج حكم ” المركزية المشددة ” جميعها أنتجت دكتاتوريات فاسدة وأنظمة قمعية استبدادية ، وتعيش تخلفا وفسادا وفقرا مدقعا على كافة الصعد . مثل ” سوريا والعراق سابقا خلال حقبة البعث الفاشي وإيران وليبيا واليمن والسودان ومعظم بلدان ماكانت تعرف بمنظومة الدول الاشتراكية سابقا ………الخ . والفوبيا هذه أدت بالمعارضة السياسية السورية إلى الخروج من المساحة ” المتزنة ” الضرورية للتفكير بشكل هادىء وموضوعي وبقيت في نفس ” الحقل ” وغاصت في المستنقع ذاته  الذي صنعه نظام البعث الشوفيني طول أكثر من نصف قرن . ولم تتمكن هذه المعارضة من تكوين ذهنية مختلفة عن ذهنية النظام وفشلت في صياغة ” مشروع وطني ”  يأخذ في الاعتبار جميع مكونات الشعب السوري القومية والدينية والطائفية وحقوقها بعين الاعتبار .حتى تكاد لاتشعر بأنك أمام رمز من رموز المعارضة ولاتلاحظ فرقا كبيرا بينه وبين رموز النظام عندما يتعلق الأمر بالفدرالية أو أية صيغة أخرى تنهي ” المركزية ” والاستبداد . ويكاد يكون هناك شبه إجماع بين رموز المعارضة العربية السنية حول رفض فكرة الفدرالية من الأساس ونورد فيمايلي على سبيل المثال لا الحصر أراء البعض من هؤلاء :
مثلا يقول السيد أنس العبدة لصحيفة كوردستان – ويعتبر من الشخصيات المعتدلة – رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة  السورية  حول سؤال عن الفدرالية  ” … من وجهة نظري، لا مكان في العالم اليوم، ولا غداً لمزيد من التفكك، ولمزيد من التشرذم . البعض يحاول الركوب على شعارات قومية وطائفية من أجل جمع الناس خلفه وتعبئتهم لتحقيق مكاسب سياسية ومادية ضيقة، وأنا متفائل أن الشعوب في طريقها لكشف حقيقة هذا النوع من المشاريع التي تستغل حاجات ثقافية واجتماعية حقيقية وإلباسها لبوساً سياسياً لتحقيق أهداف شخصية ومصلحية سواء جرى ذلك عن وعي أو عن جهل……” .
ويرى نصر الحريري، الأمين العام السابق للائتلاف السوري المعارض، في حديثه لـ”العرب”، أن “التقسيم في سوريا هو مشروع قديم، قبل حوالي مئة عام كانت هناك محاولة دولية لتقسيم سوريا، وأنشئت عدة دويلات بالفعل، لكن الشعب السوري قاوم وناضل في سبيل إلغاء هذا التكريس التقسيمي، واستطاع بالفعل الحفاظ على سوريا موحدة طوال الفترة الماضية وهو ما نراهن عليه اليوم”. ويتابع قائلا ” هي أول خطوة على طريق التقسيم وهذا المشروع لا يستهدف سوريا فقط بل كل دول المنطقة خاصة تركيا والسعودية .. إن هذا الموضوع غير مقبول، كما عبرنا عن ذلك أكثر من مرة، والهيئة العليا للتفاوض أعلنت، وهذا موقفنا جميعا، أنه لا يمكن القبول بأي شكل من الأشكال الفيدرالية لأن ذلك يمثل بداية طريق التقسيم، وواضح أن الموضوع ليس كلمة عابرة، بل إن وراءه شيئا خطيرا، من تفاصيل واتفاقات دولية، لكننا نراهن على إرادة الشعب السوري بعدم تمرير هذا المشروع ”.
 عموما الفدرالية هي أفضل نظام للحكم والتنمية والمشاركة العادلة في الحياة العامة، وخاصة لجهة توزيع السلطة والثروة بشكل عادل بين المركز والأقاليم أو الولايات . وقياسا على ماسبق فإن المعارضة السورية بصورة عامة والعربية السنية منها على وجه الخصوص ، مطالبة اليوم أن تضع قلقها الغير مبرر تجاه هذا الشكل الناجح من الحكم جانبا ، ونقل موضوعة الفدرالية من حقل الابتزاز السياسي والمصالح الاقتصادية بين بعض اللاعبين الدوليين والاقليميين ، إلى حقل المصلحة الوطنية السورية ، من أجل التأسيس السليم لسوريا خالية من أية بذرة قد تنتج الاستبداد والشمولية مستقبلا ، سوريا فيدرالية لجميع المكونات السورية القومية والدينية والمذهبية .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…