لامعى للدستور بدون مرحلة انتقالية

تيار مواطنة
“لا يمكن، تحت أي مبرر، قبول مشروع الدستورالذي قدمته روسيا، ولا حتى مناقشته ” هكذا سارع البعض بالتعبيرعن رأيه فيما يتعلق “بمسودة الدستور” التي قدمتها روسيا في استانة للسلطة والمعارضة على حد سواء، من حيث المبدأ هذا الكلام صحيح إلى حد بعيد، فلم يحدث أن بلداً أجنبياً قام بإعداد دستور لبلد آخر، ولأن الدستورعادة يضعه أبناء البلد وفق الطريقة التي تناسبهم فإن طريقة طرح الدستور من قبل موسكو تبدو وقحة وخارج السياق المألوف في العلاقات الدولية، إلا أنها تعكس طبيعة الدور الروسي في سوريا الذي تنامى مع التكويعة التركية، ومع تراجع الدور الأوربي والأمريكي الذي فشل في استقطاب المعارضة العسكرية ذات الطبيعة الإسلامية رغم كل محاولاتها المستميتة لتشكيل قوة عسكرية معتدلة في مواجهة النظام والقوة المتطرفة .
ليس المهم الآن طريقة عرض مسودة الدستور ولا مضمونه، بالرغم من أن ذلك لا يخلو من الأهمية، وإنما الخوف يكمن في قضم مخرجات جنيف 1و2، وأيضا القرار الأممي 2254 الذي يدعو إلى الانتقال السياسي عبر مرحلة إنتقالية تنتهي بانتخابات ودستور جديد للبلاد، وهنا يكمن بالضبط “مربط الفرس”، كما يقال، الذي تسعى إليه المعارضة السورية.
يبدو أن إزالة صفة العربية عن الدولة السورية، وإلغاء الفقه الاسلامي بوصفه مصدراً للتشريع، وعدم تحديد ديانة رئيس الجمهورية، وجعل اللغتين العربية والكردية رسميتين في مناطق الحكم الذاتي الثقافي الكردي، شكلت صدمة للوفد المعارض جعلته ينسى عبارة “أن الصراع يمكن حله فقط من خلال عملية سياسية” ( وهي الفقرة التي وردت في بيان إستانة )، التي هي أخطر وأوقح بكثير من طريقة عرض روسيا للمسودة ، لأنها تعني، في أحد أوجهها الأساسية، وفق التصور الروسي، بقاء الأسد في السلطة، وفي أحسن الاحوال، تشكيل حكومة تشمل المعارضة والسلطة بدون المرحلة الأنتقالية واستحقاقاتها، بدون العدالة الإنتقالية وما تتضمنه من ملاحقة قضائية للمجرمين وإنصافٍ للضحايا ومتطلبات التحول الديمقراطي وإعداد دستور جديد…….الخ، ولهذا بالضبط خرجت السلطة منتشيةً من الأستانة وسارعت لوضع ملاحظاتها على مسودة الدستور، وهي تدرك تماماً أن هذا الذي طرح ليس إلا تضييعاً للوقت.
لم يكن طرح الدستور من قبل الروس مفاجئاً ولم يكن خارج السياق العام الذي تعمل عليه موسكو منذ عام تقريباً، فقد صرحت روسيا  في أيار/ مايو من العام الماضي:” أنها تعد لمسودة دستور لسورية، انطلاقاً من نتائج مشاوراتها مع أطراف النزاع السوري ودول المنطقة”، بهذا المعنى لا توجد مفاجأة، وبالتالي فإن الإعتراضات تخلو من المبدئية والنزاهة الوطنية.
يشكل الدستور، دون شك أهمية مركزية في حياة السوريين وقد تجلى ذلك مبكراً في مطالبات ودعوات المتظاهرين إلى تغييره، قبل أن تبدأ مسيرة الدماء والعنف، نقول رغم هذه الأهمية فإن ما يحتاجه السوريون الآن هو أهم من الدستور أي التوصل الى اتفاق مستدام لوقف العنف والقتل ووضع إطار زمني للمرحلة الانتقالية التي لابد أن تنتهي بدستور جديد.
في الوقت ذاته، لابد من القول أن ما طرح من مسودات (سورية أو غير سورية) وأفكار وإعلانات دستورية، هي بالعام، أشياء غير نافلة، ويمكن الاستئناس بها، رغم افتقادها إلى الكثير من المقومات الأساسية، والأكثر أهمية، رغم عدم طرحها في البيئة الصحية المناسبة، أي مناقشتها وقبولها من قبل السوريين.
لكن الأمر لا يحتاج إلى هذا الكم الهائل من العصبية والصبيانية، فما دمنا نبحث عن حلول ونسعى إلى دولة مواطنة ونظام ديمقراطي، يجب أن نبحث في كل مكان عن مقصدنا ونتحلى بروح المناقشة والتفاعل مع الأفكار الجديدة والمفيدة أياً كان مصدرها.
يتضح في حمى الجدل، الذي ثارته مسودة الدستور الروسي، أن البعض لم يستفد من تجربة السنوات الستة الدامية، وما زال  يدور في حلقة تكاد تكون أقرب الى العدمية السياسية، التي ترفض كل الحلول والمقترحات، لكن هؤلاء يعودون مكرهين إلى قبول ما رفضوه على قاعدة الفشل والضعف، بعد أن يكون قد فاتهم القطار.
في جميع الأحوال، إن الحل الروسي ليس عادلاً، وغير منسجمٍ مع تطلعات وتضحيات الشعب السوري، وطرح مسودة الدستور ليس إلا محاولة للقفزعلى استحقاقات المرحلة الإنتقالية التي يجب ألا تغيب عن ذهن أي مواطن.
  06.02.2017

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي المرء لا يذهب إلى طاولة المفاوضات وهو خالي الوفاض وإنما يذهب وهو متمكن وقادر والمفاوض يكشف أوراقه تدريجياً تبعاً لسير العملية التفاوضية فعند كل منعطف صعب وشاق يقدم المفاوض بطريقة أو بأخرى معلومة ولو صغيرة حول قدراته على إيقاع الأذى بالطرف الآخر من أجل أن يكون مقنعاً فعليه أن يسأل عن مقومات الندية والتي تتركز على مسألة القوة…

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…