عزاء صائد الدواعش

ماجد ع  محمد
يورد الشاعر الهندي الكبير رابندرانات طاغور في يراعاته هذه الجملة: “إننا لا نظفر بالحرية إلا بعد أن نسدّد تماماً حقنا بالحياة” لذا وكأن الإنشغال بفايكنج العصر(داعش الأنظمة الغاصبة) والسعي الدؤوب لتخليص الإقليم من شرورهم وشرور من أرسلوهم كان الضريبة هي حياة اللواء الذي كان أسمى هدف لديه هو الانتصار على الطواغيت وتحقيق شروط الحرية والسلام والإباء والكرامة لبني جلدته خاصة وسكان الإقليم بوجهٍ عام. 
ووفق ما صرح به المقدم محمد درويش لوسائل الإعلام أن قائد قوات مكافحة الإرهاب وحيد كوفلي توفي صباح يوم أمس في منزله بمدينة دهوك بإقليم كردستان جراء إصابته بجلطة دماغية، 
 وكوفلي حسب مقاطع الفيديو المنتشرة له في موقع اليوتيوب لا يعد فقط  من أبرز القادة في قوات البيشمركة، ولا تكمن أهميته بكونه كان يشغل منصب قائد قوات مكافحة الإرهاب في محافظة دهوك فحسب، بل لأنه شارك بنفسه في العديد من المعارك التي خاضتها قوات البيشمركة ضد تنظيم داعش في كثير من المناطق، وأهم ما كان يتميز به الراحل الذي عُرف بشجاعته في ساحات القتال وسعادته في التصدي لأعداء البشرية داعش، أنه في معظم مقاطعه المنتشرة على النت أولاً حاول أن يُظهر للأعداء ويلمّح للأصدقاء وجوب الالتزام بآداب القتال، فيما ثاني رسالة له كانت كامنة في إفهام الآخر الذي يتمنى في دخيلة نفسه انتصار داعش بأن الكرد لديهم قضية مقدسة يموتون لأجلها وهي كردستان، فما هي قضيتكم يا طُلاب الحواري والفجور والملذات؟ كما أنه وفي كل حواراته مع الدواعش عبر القبضات اللاسلكية كان حريصاً على أن يُظهر لهم ولمن يمولونهم بأنه صاحب مدرسة أخلاقية اسمها البارزانية، وظل مثابراً في مجمل حواراته وهو يقول لهم:” نحن لا نتعدى على شرف أحد ولا نتعدى على أرض أحد إنما ندافع عن أرضنا وعرضنا، بينما أنتم تفعلون كل المقابح” فكيف لا يصب الدواعش إذن جام أحقادهم على الكرد متى ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا وهم مَن تدربوا وتغذوا مِن أردأ مناهل الفكر كالبعث والخمينية.
فيما ظل كوفلي وفياً للفكر الذي يحمله والنهج الذي يسير عليه، حيث كان يخاطب الدواعش مرارا وتكرارا بقوله”نحن نحترم الأسير ونعامله وفقاً للأعراف والقوانين لأن نهجنا البارزاني يحتّم علينا التعامل برفق مع الأسرى، مؤكداً بأن المسلم هو من سلم الناس من أذاه وضرره وليس المسلم من يجز الرؤوس كما هي فلسفة الدواعش ومن يؤمن بنهجهم الهمجي. 
إن موت اللواء كوفلي يذكرنا بموت أحد أبطال المسلمين ألا وهو خالد بن الوليد، إذ بالرغم من مآخذنا على غزوات المسلمين لأراضي ومدن الآخرين إلا أنه بخصوص مقاربتنا فإن كتب التاريخ تشير بأن ابن الوليد خاض مثل كوفلي المعارك والحروب وفتح المدائن والأمصار وقضى جل حياته في ساحات القتال ولكنه في آخر عمره مات على فراشه حيث تنسب إليه المقولة المشهورة: “لقد حضرت كذا وكذا زحفًا، وما في جسدي شبر إلا وفيه ضربة بسيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم، وها أنا أموت على فراشي حتف أنفي كما يموت البعير، فلا نامت أعين الجبناء” وقد خذل قابض الأرواح الكثير من الأبطال عبر التاريخ فلم يزرهم في ساحات الوغى، إنما وللأسف باغتهم في المخادع، وحقيقةً لا أتصور البتة بأن شهماً مثل كوفلي كان يتمنى هذه النهاية له، وهو الذي كان يزرع الرعب في نفوس الدواعش حيث كان يسمى في الإقليم بصائد الدواعش،  كما كان وجوده في ساحات الوغى يدب الحماس في صفوف البيشمركة، كيف لا يكون ذلك وهو الذي كان برتبة لواء يقاتل بجانبهم كأي عنصر منهم، بينما وبخلاف ذلك لدينا أمثلة  مخجلة عن ضباط النظام السوري حيث أن صاحب أدنى رتبة عسكرية منهم كان يدفع بعناصره الى جبهات الموت ليبقى هو في البلوكوز أو في الملجأ، وإن وجد في الميادين مصادفةً كان يجعل من أجساد العناصر دروعاً بشرية لحماية شخصه، في حين أن كوفلي الذي سبق له أن أصيب في إحدى المعارك ربما كان يطيب له لو أنه استشهد بتلك الطلقة ولم يمت على فراشه كما يموت أي إنسان آخر فقد خذله رسول الردى في اختيار طريقة موته. 
ولكن يبقى الذي سيعزي كوفلي في رحلته الأخيرة هو أن لا تبخل كردستان بولادة عشرات القادة من  أمثاله، وألا يهدأ لهم بال ولا يثنيهم أي شيء عن العمل المتواصل لتحرير كامل تراب كردستان من رجس الأنظمة، وتخليص البشرية من هذه الآفة التي اسمها داعش، وأخيراً سيكون عربون وفاءٍ لروحه الطاهرة وأرواح من ساروا على نهجه هو تحقيق حلمهم أجمعين بكردستان حرة، أبية، مستقلة يرفرف علمها إلى جانب رايات شعوب المعمورة.
 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…