الكورد بين الأستانة وجنيف

جان كورد
في المعارضة كما في النظام، كل من يظهر من الزعماء السوريين في الإعلام، يجد أن من واجبه التنديد ب”المحاولات الانفصالية الكوردية!” وأن عليه التهديد والوعيد للحركة السياسية الكوردية بأن لا مجال لمناقشة الملف الكوردي، إلا على أساس اعتبار “الأكراد جزءاً من النسيج العربي السوري في البلاد، وليس كقومية متميزة لها حق تقرير المصير”، فالمعارض السوري، الديموقراطي والوطني لا يعترف بهذا الحق للشعب الكوردي في ذات الوقت الذي يطالب بحق تأسيس الدولة الفلسطينية المستقلة في الضفة الغربية وقطاع غزة البعيدين عن بعضهما جغرافيا، على الرغم من أن الحجم السكاني للكورد في سوريا لا يقل عن الحجم السكاني الفلسطيني، فللأول لا حق له في حكم ذاتي أو فيدرالية سوى القبول بالسيادة العربية المطلقة على كامل الأرض السورية وللثاني حق تأسيس “دولة” مستقلة ذات سيادة كاملة،
وهذا السلوك أو الخلق من شهامة وكرامة السياسة السورية التي عاشت عقوداً من الزمن في أحضان حزب البعث العربي العنصري الفاسد، إذ حتى المناقشة بهذا الصدد غير مجدية كما يبدو، سواء قبل انعقاد مؤتمر الأستانة مؤخراً في كازاخستان وما بعده على الطريق إلى الحوار السياسي في جنيف بسويسرا التي فيها يتمتع المكون الروماني (1% من مجموع السكان) بحقه القومي في إدارة نفسه. 
وليس هؤلاء  الأعراب، الذين جاؤوا من براري الحجاز ونجد واليمن، عن طريق ما سموه بالفتوحات الإسلامية، لم يجدوا طوال تاريخهم نظام حكم ديموقراطي، وحدهم ضد أي حقٍ قومي واضحٍ وجلي للشعب الكوردي، فالأتراك الذين جاؤوا من صحارى آسيا وتركستان واحتلوا أرض الكورد والأرمن واليونان والبلغار والقبارصة، وصاروا يتصرفون كالأسياد وينصبون السلاطين على سائر المنطقة، هم أيضاً ضد أي حقٍ للكورد، الذين يعيشون على أرضهم التاريخية حسب اعتراف قوى سياسية ودينية سورية وعربية، بل إنهم ضد أي إدارة خاصة بالكورد في أدنى أشكالها، حتى على سطح المريخ. وتركيا دولة “علمانية، ديموقراطية!!!” منذ إعلان الجمهورية على أيدي مصطفى كمال في عام 1923م. 
وهذا يتم نشره في كل الأوساط السياسية والدبلوماسية وفي مجالات التربية والتعليم وكذلك في الإعلام بشكلٍ واسع، في الوقت الذي يتفق الغرب والشرق على أن سوريا يجب أن تكون دولةً لجميع المكونات على أساسٍ من الإدارة اللامركزية وليس على أساس النظام المركزي الذي تتسلط عليه فئة معينة من الشعب السوري. فها هو وزير الخارجية البريطانية يقول بأنه لا بد من نظام فيدرالي في سوريا، بعد أيامٍ قليلة من طرح الروس لمشروع دستورٍ سوري جديد يتضمن فقرة واضحة عن ضرورة منح الشعب الكوردي الفرصة لإدارة ذاته بنفسه ضمن حدود الدولة السورية ذات السيادة التامة. كما يدعو الروس ممثلين عن الكورد إلى موسكو من ضمن وفود المعارضة السورية للمناقشة معها حول المشروع المقدم من قبلها وحول ما سيتم الحديث عنه في جنيف قريباً.
طبعاً لا يمكن إنكار أنه بقدر ما تمتلك من قوة على أرض الواقع يكون لك نصيبك من المساهمة في تقرير مصير سوريا، إلا أنه مع الأسف الشديد، يلجأ بعض زعماء ما يسمى ب”فيدرالية شمال سوريا” ممن يعتبرون أنفسهم “كورداً” إلى استخدام ألفاظٍ غيرلائقة بصدد المجلس الوطني الكوردي في سوريا وبيشمركة الكورد السوريين المتواجدين في جنوب كوردستان، وكأنهم أعداء وليس كمختلفين عنهم سياسياً، وهذا يثير التساؤل عما إذا كان تعاظم قوة الكورد في صالح تأثيرهم السياسي أم على العكس من ذلك، بل لماذا هذا التعنت في موقفٍ لا يختلف في شيء عن مواقف المعادين للأمة الكوردية وحريتها وحقوقها؟ فهل تمت التضحية تماماً بحرية شعبهم في سبيل مصالح حلفهم الإقليمي؟
ليس سراً أن تركيا وإيران والأسد ومن يعارضه علناً وشكلاً في الموضوع الكوردي ويتفق معه في الحقيقة والمضمون، متخوفون من تنامي القوة الكوردية على جزء من الأرض في المنطقة التي يسميها الكورد بغرب كوردستان وهذا الحلف المعادي لطموحهم القومي يسميه ب”شمال سوريا”، فلنسأل شعبنا الكوردي بأسره وأصدقاءه جميعاً عما إذا كان ازدياد هذه القوة الكوردية في صالح “فيدرالية شمال سوريا” أم لإجهاضها؟ 
معلوم أن تركيا لم تعترف بالواقع الذي عليه جنوب كوردستان إلا بعد تشكّل جبهة كوردية  سياسية – عسكرية، عمادها اتفاق عسكري وسياسي بين الحزبين الرئيسيين، الديموقراطي الكوردستاني والوطني الكوردستاني، ولم يعترف العالم بإقليم جنوب كوردستان، إلا بعد أن حقق إنجازات عظيمة في مختلف المجالات، وفي مقدمتها في مجال الحرب على الإرهاب، وها هي (36) قنصلية رسمية تتواجد في عاصمة الإقليم حتى الآن، فلماذا وصل التشدد والتصلب في موقف حزب الاتحاد الديموقراطي، الفرع السوري لحزب العمال الكوردستاني، إلى درجة رفض المجلس الوطني الكوردي في سوريا وبيشمركة الكورد السوريين الذين سيضيفون بقوتهم قوة إلى مقاتلي “فيدرالية شمال سوريا”، وهذا سيعينهم على امتلاك أوراق قوية في مؤتمر جنيف القادم، الذي سيتحدث عن السلام وإعادة برمجة الحياة السياسية في سوريا؟ 
برأيي، إن الحلف الإيراني الذي يضم أحزاباً كوردية في شمال وجنوب وغرب كوردستان، إلى جانب أحزاب عراقية شيعية وحزب الله اللبناني وما تبقى من نظام الأسد الضعيف، ويدغدغ المشاعر القومية التركية بين الحين والحين، هو الذي يفرض نفسه على حزب الاتحاد الديموقراطي الذي لا يستطيع الخروج من قبضة حزبه الأم رغم ما يصرح به زعماؤه في الآونة الأخيرة، والعائق الأكبر أمام هذا الحلف في كوردستان هو قيادة الحزب الديموقراطي الكوردستاني والسيد الرئيس مسعود البارزاني الذي يملك شعبية كبيرة جداً في سائر أجزاء كوردستان، ولذا فإن الهجوم على الرئيس وعلى الحزب الديموقراطي الكوردستاني ومن يؤيده من قوى وأحزاب ومنظمات وشخصيات كوردية، ومنها المجلس الوطني الكوردي في سوريا، يزداد خطورة، وسيخرج للعلن على شكل هجمات مسلحة بهدف تخريب أي محاولة كوردستانية حقيقية للجلوس في مؤتمر جنيف الدولي وفي أيدي قياداتنا أوراق سياسية وعسكرية قوية، لأن أي خطوة في الاتجاه الصحيح صوب انتزاع حقٍ من حقوق شعبنا العادلة ضربة مؤكدة لهذا الحلف الخطير الذي جرف معه أحزاباً وقوى كوردية مهمة.
إن أي انتصارٍ كوردي في مؤتمر جنيف القادم مرهون بوحدة الموقف الكوردي والجبهة القومية الداخلية ووحدة القوة القتالية ليتمكن هذا الشعب من فرض نفسه وحقه وتبيان مطالبه أمام المجتمع الدولي، وليس بتأجيج الصراع الداخلي، ويقيناً، لا يعتبر العقلاء النقد على المواقف من باب الفتنة وتأجيج الخلافات، وإنما النقد لتصحيح المسارات والمواقف والخطط.
ولكن فضح ما يعمله الحلف الإيراني الطائفي على مستوى منطقة الشرق الأوسط لا يكفي، بل على سائر القوى المناهضة له دعم الكورد الذين هم وحدهم يشكلون “عقب أخيل” في المشروع الإيراني، إلا أن العرب في غالبيتهم – مع الأسف- ضد المشروع الإيراني الطائفي إلا في القضية الكوردية، حيث يتفقون مع ملالي الفرس الذين لن يترددوا في تدمير المدن العربية جميعها، بل وعقائدهم وأماكنهم المقدسة كلها، من أجل نشر أفكارهم الضالة والمنحرفة، وبهذا يصرحون علانيةً ولا يترددون في القيام بالتخريب والتدمير في البلدان العربية…
فهل من مجيب لنداءات الكورد، أم أن العنصرية القومية للأعراب من السياسيين الأشد كفراً ونفاقاً قد أعمت القلوب؟  
‏27‏ كانون الثاني‏، 2017

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…