ماجد ع محمد
من دون شك أن العلاقات الخارجية الواسعة لإقليم كردستان العراق هي السبب الرئيس لامتعاض البعض ممن يقبعون في بغداد ومن ورائهم مَن يتغلغل في جوفه الحنق في طهران التي تقود العراق عن بُعد، والانزعاج إيرانياً هو مضاعف وسيتضاعف كلما تمكنت أربيل من حشد الدعم الدولي لصالحها بعيداً عن سطوة بغداد أو عن الوصاية من الدول المجاورة لها ومن ضمنها إيران، حيث تجسّد ذلك الدعم الدولي للإقليم من خلال كميات الأسلحة التي وصلت الى حكومة كردستان من ضمن المساعدات الدولية المقدمة للإقليم، عدا عن نجاح الإقليم في إقامة العلاقات وتنظيم وعقد المؤتمرات الملفتة لنظر الجيران الممتعضين من حضور شخصيات أجنبية وأطراف دولية فاعلة ومساهمة في دعم الإقليم، حيث شهد كردستان العراق العام المنصرم زيارات لعدد من المسؤولين الغربيين وشخصيات لها وزنها ودورها في الاتحاد الأوروبي،
ويظهر أن اعتراض أحد أعضاء “التحالف الوطني” الحاكم في بغداد على النشاط الدبلوماسي الذي شهدته كردستان لم يجدِ نفعاً حتى تبعه الاعتراض الإيراني على لسان قائد الحرس الثوري في محافظة سنه بإيران محمد حسين رجبي، الذي بكل صفاقة قال إن “وجود أكثر من ثلاثين قنصلية وممثلية أجنبية أمر غير طبيعي”، لافتاً إلى أن “غالبية القنصليات الموجودة تعمل في مجال الاستخبارات” إذ بالنسبة لرجبي تدخل استخبارات إيران الى عمق ومخادع المسؤولين في السليمانية أمرٌلا بأس به ، أما أن يكون للإقليم علاقات دبلوماسية رسمية ومكشوفة فهو ما يزعج الملالي وكل الأنظمة الغاصبة لكردستان، الذين يودون وللأبد حصر علاقتهم بالإقليم من خلال أرجاس المخابرات باعتبارهم يرون في كردستان مجرد سَرية أو أمَة لا أكثر.
ومن المؤكد أن خروج الإقليم من الدائرة القذرة للأفرع الأمنية لاستخبارات الدول المجاورة هو محط غضب، كما أن قدرة الإقليم على صد دواعش المالكي والأسد لم يكن مبعث أملٍ لدى بغداد وطهران، وأن انتشار الصيت الحسن للبيشمركة في العالم قد أزعج الحرس الثوري الإيراني ومن يديرونه، كما يغضبهم عقد الإقليم للاتفاقيات والصداقات مع معظم الدول الغربية وكذلك إلى تحسين علاقتهم مع روسيا والتي طبع فيها في الفترة الماضية كتاب بعنوان( الكورد فرسان الشرق) تعبيراً عن تلك العلاقة الودية بين الإقليم وروسيا، فمن كل بد أن هذا الأمر باعث للنفور لدى الدول التي ترى نفسها وصية على الكرد وكردستان، حيث اُعِد ذلك الكتاب وطبع من قبل شركة كاز بروم نفت الروسية، والذي حوى بين دفتيه ما يتعلق بتاريخ الكورد والثورات والانتفاضات التي شهدها تاريخ الكورد، بالإضافة إلى الحرب ضد الإرهاب المعاصر، مذكراً بالعلاقات التاريخية بين الكورد وروسيا منذ زمن الشيخ عبدالسلام بارزاني، وصولاً لجمهورية كوردستان في مهاباد، ولجوء وبقاء الزعيم مصطفى بارزاني في الاتحاد السوفييتي سابقاً، وصولاً إلى العلاقات الاقتصادية والتجارية في الوقت الحالي بين إقليم كوردستان وروسيا، إذن كيف لا تبدي إيران إنزعاجها وهي بالرغم من أنها دولة نووية وقادرة على مناطحة الدول العظمى من خلال امتلاكها لتلك الترسانة المرعبة، إلا أنها ربما كانت ناسية بأن الدول والشعوب لا تحترمها لذاتها كدولة صاحبة موقف إنساني أو تمثل قيمة ثقافية عالية في العالم المعاصر، إنما تتعامل الدول معها كما يتعامل الحكماءُ عادةً مع أزعرٍ بيده سلاح قادر على أن يؤذي كل من يقترب منه، على رأي المثل الشعبي(السلاح بيد … بيجرح) !!
ففيما يتعلق بصفاقة طهران التي تتجاوز فيها الأعراف الدبلوماسية، فلا مراء أن مرد تلك الثقة التي توليها طهران هي أدواتها الحاضرة كالعَسكر، الأدوات الراضية بأن تبقى رهن إشارتها، منهم مَن يقبع في السليمانية، ومنهم من يهدل ويغرد في قنديل، إذ لولا هذين الجناحين الرخوين من خاصرة كردستان، لما تجرأت إيران وعلى لسان أحد قادة الحرس الثوري الإيراني، ودعت الإقليم إلى إغلاق قنصلية المملكة العربية السعودية في أربيل، وإيران تعرف جيداً وفق رد حكومة الإقليم بأن “وجود القنصليات وممثليات الدول في كردستان أمر يجري وفق القوانين العراقية، وأن أعمالها ونشاطاتها تجري في إطار القوانين نفسها، لافتاً الى أنه ليس من حق أحد الطلب بإغلاق أية قنصلية في الإقليم، وأن هذا الأمر يعد تدخلاً غير مبرر في الشؤون الداخلية العراقية والكردستانية” ذلك كان رد حكومة الإقليم بشأن ما صرّح به محمد حسن رجبي.
أما عن وجع طهران فلا شك بأن السبب الرئيس هو هذا الاهتمام الدولي باقليم صغير بقيت تنظر إليه إيران كجار خُلق رغماً عنها، جار بقيت ولقرونٍ خلت تنظر إليه طهران مجرد تابع، مجرد حديقة خلفية لمؤامرات الدولة الصفوية سابقاً ودولة الملالي لاحقاً في صراعاتها مع الجيران على حساب شعب وأرض كردستان، حيث كان الجار البسيط يتحمل تبعات صراعاتهم السياسية والعسكرية عبر التاريخ، كما أن إيران لو لم تكن تعرف بأن ثمة جهات كردية اعتادت أن تتعامل الدول معها من خلال أجهزة الاستخبارات النتنة التي تحصر علاقاتها معهم في الغرف المغلقة بعيداً عن الإعلام وعن أي تصريحٍ مجاهر به يعترف بشرعية تلك اللقاءات، كما هو حال الأمَة والسَرية وأضعف الايمان الجارية، وإلَّا لمّا تجرأت طهران وصرّحت على لسان محمد حسن رجبي في طلبه الغرائبي كنظامه الحاكم، باعتبار أن تلك الجهة الرخوة من خاصرة كردستان لم تتعود لأن تقيم علاقاتها مع الدول المجاورة بصورةٍ علنية، رسمية، محترمة.