ثقافة القبيلة..

أحمد اسماعيل
تصور لا يفسد الود:
لم تبن النخب الكردية في سوريا بيتاً سياسياً لها، يحمي الشعب ويلم شملهم، وحين نصب الرواد الأوائل: نورالدين ظاظا ورشيد حمو وعثمان صبري وآخرون، خيمة كبيرة، على أمل، أن يأتي الجيل الذي يليهم ويحول هذه الخيمة إلى بيت طيني، ثم يأتي الجيل الذي يلي الجيل الثاني ويصنع من البيت الطيني بيتاً من الإسمنت والحديد، ولسان حالهم يقول :
سقف بيتي حديد ركن بيتي حجر فاعصفي يارياح… واقصفي يارعود لست أخشى خطر.
ولكن ذلك لم يحدث، إذ أن الجيل الذي جاء بعد الرواد لم يسر في طريق التطور الحضاري، ويبني بيتاً، لا من طين ولا من حجر، بل اقتطع من الخيمة إياها قطعة أو مزقة ونصب له خيمة بعيدة عن الخيمة الكبيرة، ثم جاء جيل آخر، وبدل أن يصحح ويتجاوز الخطأ السابق، فيسارع إلى بناء البيت، اقتطع هو الآخر قطعة من الخيمة الكبيرة ونصب خيمة له غير بعيدة عن الأولى..ثم راحت كل ثلة تكرر الفعل ذاته، خيمة عن خيمة عن خيمة.. حتى امتلأت الساحة السياسية بخيام كثيرة، صغيرة الحجم، يتربع تحت كل واحدة منها شيخ وحوله وجهاؤه.
وأصبحت الخيام قبيلة، قبيلة بتزعمها شيوخ كثر، وذلك بخلاف كل عرف وتقليد، وكي يواكب هؤلاء العصر أطلق صاحب كل خيمة في هذه القبيلة على خيمته اسم حزب، وعلى نفسه صفة سكرتير.
غير أن ذلك لم يغير من حقيقة الواقع شيئاً، فثقافة القبيلة سادت: سلوكيات وسياسات وممارسات وعادات…إذ أن لكل نمط من المعيشة نمط من التفكير.. كما قال لينين ذات يوم، وفي الشتاءات القاسية.، وما أكثرها، كانت العواصف تلعب بالخيام وقد حولتها إلى ما يشبه طائرات من ورق.
وما يقال عن النخبة السياسية ينطبق على النخبة (الثقافية) أيضاً، 
وأما الشعب الذي سكن حلمه وهو في العراء، فقد أصبح ضحية لقبيلة من الذئاب. 
وبس.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…