في باب أعياد الميلاد الجريح

ابراهيم محمود
” إلى أصدقائي الأرمن والسريان وآشوريين، وأنتم تتحدثون بلغات عالمية إلا لغاتكم “
لو أن لدي القدرة الجسدية الكافية، لمددتُ يدي إلى كل منكم، أيها الأصدقاء الأحبة من أرمن وسريان وآشوريين، أنَّى كنتم، أبعد من حدود ” جغرافيتنا ” القامشلاوية، لأقول لكم بقلب لا يخطىء في فصاحة الألم لمشترك: كل عيد وأنتم أقل بعثرة، أقل وجعاً، أقل حمولة مصائب !
كنت أطلت بناظري على جهاتكم الأربع، وقابلتكم في صمت مفعم بالذكريات التي شهدت لقاءات تلو لقاءات، وأطلقت صوتي الجريح كصوتكم في الجهات الأربع، ذاهلاً عما يجري.
لو أن الريح سايرتني لبعض الوقت، لامتطيت بساطاً ريحياً، وطرقت باب كل منكم، بخفة الريح، وتعانقنا كما هو الشقيق الأصغر للريح: الهواء العليل، علّ سطوة التباعد، النأي عن أرض حملتنا معاً، وفضاء كلَّلنا بأزرقه معاً، تخف قليلاً قليلاً.
أسمّيكم وأحييّكم، وأصبحكم، أو أمسّيكم بخير رغم جنوحه، وابتسامة رغم كربها، كما أنتم وحيثما كنتم: باسيل، أنطوان، ماروكي، طانيوس، فرات، سليمان، كبرو، كبرو، كبرو، جوزيف، جوزيف، متَّى، سعيد، زهير، لحدو، لحدو، بشير،عزيز…الخ، وكلكم في مرتبة واحدة في الاعتبار ونقاوة الصورة والصوت..
كل منا بعيد عن الآخر، وما أرهب هذا البعد الذي لا يحتمَل، هذا البعد الذي يطعن في نظراتنا، خيالاتنا، أحلامنا، مخادعنا، طرقنا المعتادة، هواءنا، سماءنا ذات الألفة ذات يوم، شاينا الذي كنا نشربه من الإبريق نفسه، طاولتنا التي دخلت حداد الوحشة، قائمة المكاتب والزوايا التي كانت تنتعش بأيد تتصافح وتتفهم ما وراء الملامس، حيث حرارة التشارك في المكان.
كل عام وأنتم في أعيادكم الجريحة بكرب أخف، ونزف روحي عابر أخف، وقلق أهدأ أخف، ونار أكثر سلاماً على القلب أخف، وفراق أقصر أخف.
أيها الأصدقاء الأحبة حيث تتقاسمون الجهات الأربع مرغمين دونما صك ملكية لأي زاوية، لأي شبر أرض، لأي هواء يخص سواكم، إنما تتقاسمكم مناخات لم تدخلوها إلا مضطرين، وبيوت لم تقيموا فيها إلا اضطراراً أيضاً، وحالات تكيُّف لم يكن لكم من مهرب فيها، وقواعد تصرف مع الوجوه الغريبة، وكما تريدها الوجوه الغريبة عليكم، لتكونوا أقل مكابدة.
سنوات معدودات مرّت، صارت عقوداً من الزمن، بحجم الصحارى الموحشة، مهما أفصحت أرض الآخرين عن روحها الضيافية، لأن ثمة أرضاً واحدة، تعرَف بنا، ونُعرَف بها.
وها هو عام آخر يطل بقرنيه الرمحيين، ولا ندري هل سيسلّمنا بدوره كسابقه للاحقه ؟
فهل سيسعفنا زمن قريب للقاء قريب، لنعقّم أنفسنا  معاً في ” عيادة ” هذه الأرض، من أدواء الغربة القاهرة ؟ هل.. هل… ؟
دهوك، في 24، 12، 2016 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

كفاح محمود حينما كان الرئيس الراحل عبد السلام عارف يُنعى في أرجاء العراق منتصف ستينيات القرن الماضي، أُقيمت في بلدتي النائية عن بغداد مجالسُ عزاءٍ رسمية، شارك فيها الوجهاء ورجال الدين ورؤساء العشائر، في مشهدٍ يغلب عليه طابع المجاملة والنفاق أكثر من الحزن الحقيقي، كان الناس يبكون “الرئيس المؤمن”، بينما كانت السلطة تستعدّ لتوريث “إيمانها” إلى رئيسٍ مؤمنٍ جديد! كنّا…

نظام مير محمدي *   عند النظر في الأوضاع الحالية الدائرة في إيران، فإن من أبرز ملامحها ترکيز ملفت للنظر في القمع المفرط الذي يقوم به النظام الإيراني مع حذر شديد وغير مسبوق في القيام بنشاطات وعمليات إرهابية خارج إيران، وهذا لا يعني إطلاقاً تخلي النظام عن الإرهاب، وإنما وبسبب من أوضاعه الصعبة وعزلته الدولية والخوف من النتائج التي قد…

خالد حسو تعود جذور الأزمة السورية في جوهرها إلى خللٍ بنيوي عميق في مفهوم الدولة كما تجلّى في الدستور السوري منذ تأسيسه، إذ لم يُبنَ على أساس عقدٍ اجتماعي جامع يعبّر عن إرادة جميع مكونات المجتمع، بل فُرض كإطار قانوني يعكس هيمنة هوية واحدة على حساب التنوع الديني والقومي والثقافي الذي ميّز سوريا تاريخيًا. فالعقد الاجتماعي الجامع هو التوافق الوطني…

تصريح صحفي يعرب “تيار مستقبل كردستان سوريا” عن إدانته واستنكاره الشديدين للعملية الإرهابية الجبانة التي استهدفت دورية مشتركة للقوات السورية والأمريكية بالقرب من مدينة تدمر، والتي أسفرت عن سقوط عدد من الضحايا بين قتلى وجرحى. إن هذا الفعل الإجرامي يستهدف زعزعة الأمن والاستقرار، ويؤكد على خطورة الإرهاب الذي يتهدد الجميع دون تمييز، مما يتطلب تكاتفاً دولياً جاداً لاستئصاله. كما يُعلن…