لِمَ انحرفت الثّور السورية عن مسارها؟

صبري رسول
حاول النّظام السوري بكلّ طاقاته الاستخباراتية، حرْف الثّورة السورية عن مسارها الطبيعي، وقام بخلط الأوراق كلّها، لتتماهى الثورة والإرهاب في شكلٍ واحد، وتضيع جوهر الحقيقة أمام المجتمع الدّولي في ضباب الدّمار.
خرج ملايين الناس إلى ساحات المدن والبلدات السورية في مظاهرات جماهيرية مطالبين بحريتهم المسلوبة وكرامتهم المهدورة؛ وعندما وجّه النظام بنادقه إلى صدورهم العارية، انتفض الشعب السّوري عن بكرة أبيه، مما شكّل خطراً حقيقياً على النظام ووجوده. هنا دقّ ناقوس الخطر وبدأ النظام يبحث عن طرقٍ لحرف الثورة عن مسارها لطبيعي، فما هي العوامل التي ساهمت في انحراف الثّورة؟
 توقّع الباحثون من الثورة السورية ما وجدوه في الثورة الفرنسية، فانتصارها سيشكّل تحولاً هائلاً في البنى الاجتماعية والسياسية في الشرق الأوسط، وتكون نقطة مفصلية في تاريخه، قد تؤدي إلى انهيار دولٍ قائمة وإلى إقامة دولٍ غير موجودة، فكان لا بدّ من العمل لحرْف الثورة، وبناء ثورة مضادة، فكان تسليحها إحدى الطرق، فقد قام النّظام بدسّ عملائه بين صفوفها، وركّز القصف فترة على الجوامع ودور العبادة لجذب الإرهابيين المسلحين من كلّ أصقاع العالم. وانتعش الفكر المتطرف الذي وجد لدى شرائح واسعة من الشباب حاضنةً له، فانتعش الشعور الطائفي على حساب شعورهم بالانتماء الوطني، مما ضرب تفجير الفكر الطائفي بنية المجتمع السوري.
كما لايمكن الاستهانة بعوامل أخرى (غير التسليح والإذكاء الطائفي) شكّلت أرضية قوية للنظام لينجح في ضرب الثورة منها: غياب رؤية استراتيجية واضحة للمعارضة تلبي طموحات السوريين القومية والدينية، وفشلها في استقطاب جميع التيارات والقوى.
عدم وضوح موقفها من القضية الكردية، رغم الاتفاقية الموقعة مع المجلس الوطني الكردي، وبروز أصوات شوفينية من أعلى هيئات المعارضة تعادي الشعب الكردي أكثر من النظام، مما دفع بكثير من فئات المجتمع الكردي إلى الابتعاد عنها، وسحب ثقتها من مشروع المعارضة. يضاف إلى كل ما ذكر غياب الإرادة السياسية لدى المجتمع الدولي، خاصة بعد تحويل سوريا إلى ساحة مفتوحة لتصفية الحسابات بين الدول الإقليمية والدولية، والعاملُ الذي جعل سوريا مستنقعاً للإرهاب التّدخلُ السّافر لميليشيات حزب الله والحرس الثوري الإيراني، وبقايا مجارير التلوث الفكري في أفغانستان ودول أخرى، والعبث بأمن سوريا وشعبها لتحقيق مصالحها الطائفية.
كلّ هذه العوامل أوصلت سوريا إلى ما وصلت إليه الآن، وأجهضت الثورة السورية التي لم تكن سوى ثورة الحرية والكرامة قام بها السوريون وحاربها غير السوريين. 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف يبدو التدوين، في زمن باتت الضوضاء تتكاثر فيه، وتتراكم الأقنعة فوق الوجوه- لا كحرفة أو هواية- بل كحالة أخلاقية، كصرخة كائن حرّ قرّر أن يكون شاهداً لا شريكاً في المذبحة. التدوين هنا ليس مجرد حبرٍ يسيل، بل ضمير يوجّه نفسه ضد القبح، حتى وإن كان القبح قريباً، حميماً، أو نابعاً من ذات يُفترض أنها شقيقة. لقد كنتُ- وما…

عبد الجابر حبيب ـ ذاكرة التهميش ومسار التغيير بعد عقدين من اندلاع الأزمة السورية، وتحوّلها من انتفاضة مطلبية إلى صراع إقليمي ودولي، ما زال السوريون يتأرجحون بين الحلم بوطن حر تعددي عادل، وبين واقع تمزقه الانقسامات، وتثقله التدخلات الأجنبية والمصالح المتضاربة. سوريا اليوم لم تعد كما كانت، لكن السؤال يبقى: إلى أين تسير؟ وهل ثمة أمل في التحول نحو…

حوران حم في زوايا الحديث السوري اليومي، في المنشورات السريعة على مواقع التواصل، في تصريحات بعض “القيادات” ومواقف فصائل تدّعي تمثيل الثورة أو الدولة، يتسلل الخطاب الطائفي كسمّ بطيء، يتغلغل في الروح قبل أن يظهر في العلن. لم تعد العبارات الجارحة التي تطال الطوائف والأقليات، والمناطق، والمذاهب، تُقال همساً أو تُلقى في لحظة غضب، بل باتت تُصرّح جهاراً، وتُرفع على…

إبراهيم اليوسف لم يكن، في لحظة وطنية بلغت ذروة الانسداد، وتحت وطأة أفق سياسي وأخلاقي مغلق، أمام الشيخ حكمت الهجري، شيخ عقل الطائفة الدرزية في السويداء، كما يبدو الأمر، سوى أن يطلق مكرهاً صرخة تهديد أو يدق طبول حرب، حين ألمح- بمسؤوليته التاريخية والدينية- إلى احتمال طلب الحماية الدولية. بل كان يعبّر عن واحدة من أكثر المعضلات إلحاحاً في واقعنا…