الثورة والانتفاضة

محمود برو
في العلوم السياسية سرد دقيق وواضح لمصطلح الثورة ألا  وهي الخروج عن الوضع الراهن وتغييره باندفاع يحركه عدم الرضا أو التطلع إلى الأفضل أو حتى الغضب أو الاستياء من الاعتداءات المتكررة التي تمس الكرامة الشخصية والقومية والوطنية. عندها يصل الجمع البشري إلى قناعة تامة بأنه لاحول ولا قوة ولا كرامة ولاحياة دون التغيير. كل فرد في المجتمع يشعر  بأنه بلغ السيل الزبى وطفح الكيل.
فإنطلاقا من وصف الفيلسوف الإغريقي أرسطو بانه هناك شكلين من الثورات في سياقات سياسية. الشكل الأول هو التغيير الكامل من دستور لآخر. والشكل الثاني هوالتعديل على دستور موجود، اي الإصلاحات. 
وهنا لابد لنا ان نشير الى نقطة انعطاف تاريخية هامة في تاريخ الحركة التحررية الكردية في غربي كردستان الا وهي إنتفاضة 12 آذار الكردية والتي تعتبر انطلاقة شرارة الثورة السورية بكل المقاييس والمعاني. حيث رفع الكرد صوتهم عاليا في وجه النظام الدموي السادي وقالو له ارحل يا سفاح وعملوا بسرعة البرق في تنظيم صفوف الحركة الثورية وكانت انطلاقة الشباب الكرد المعبئين بروح الثورة والتضحية والفداء. وهذا يعود بنا إلى الشكل الأول للثورة حسب تصنيف آرسطو.
 ومازال دوامة النضال في هذا الإطار تشمل غالبية الكرد في غربي كردستان متمثلة بالمجلس الوطني الكردي كإطار  شامل للكرد وبقية القوى والأطر  السياسية الأخرى ومنظمات المرأة والمجتمع المدني الملتزمين بالنهج القومي والوطني الكردي وحق الشعب الكردي في تقرير مصيرة على قاعدة  الإتحاد الإختياري الطوعي. 
كما انه ضروري أن نشير أيضا إلى المجموعة الثانية والتي طلبت منذ البداية بالإصلاحات الجزئية و تناغم مع السلطة الفاشية في دمشق تحت يافطة الوطنية  ورفض التدخل الخارجي والشعارات الأخرى التى قد ولى زمانها.  وهذه المجموعة كانت متمثلة بهيئة التنسيق اللاوطنية والتي كان حزب الإتحاد الديمقراطي لاعبا أساسيا فيها إضافة إلى بعض مايسمى بالحقوقيين العرب الذين يدعون بأنهم  مناصري حقوق الإنسان، في وقت انهم يحاربون حقوق شعب مظلوم يعيش على أرضه التاريخية وينكرون وجوده وأصالته وتضحياته التاريخية وملاحمه البطولية في طرد الاستعمار من سوريا وإن معركة بياندور ودياري توبي في منطقة تربسبيه خير دليل على ذلك، بالإضافة الى عشرات الضحايا من خيرة شباب الكرد في حرب تشرين.
وهنا يجب أن نكون واقعيين ونتمشى حسب متطلبات الوضع الراهن والظروف المحيطة بنا وعندها نصل إلى فهم وتعريف أقرب من الواقع وأكثر تقبلا في المجتمع.
لذلك فإن الثورة هي التغيير الكامل لجميع المؤسسات والسلطات الحكومية في النظام السابق لتحقيق طموحات التغيير لنظام سياسي نزيه وعادل يتوفر فيه الحقوق الكاملة والحرية والنهضة للمجتمع بجميع فئاته ومجموعاته البشرية دون التمييز بين هذا وذاك. لكي نفهم الفرق الدقيق بين الحديث والقديم لا بد لنا أن نشيرأيضا إلى التعريف التقليدي القديم الذي وضع مع انطلاق الشرارة الأولى للثورة الفرنسية وهو قيام الشعب بقيادة نخب وطلائع من مثقفيه لتغيير نظام الحكم بالقوة. وقد طور الماركسيون هذا المفهوم بتعريفهم للنخب والطلائع المثقفة بطبقة قيادات العمال التي اسماهم البروليتاريا.
لكن المفهوم الدارج أو الشعبي للثورة فهو الانتفاضة ضد الحكم الظالم. 
اعتقد ان غربي كردستان تعرضت لابشع ومختلف أنواع الاضطهاد النفسي والجسدي والقومي. تعرض للتهجير القسري والمجازر الجماعية وسياسة الأرض المحروقة. تعرضت إلى الهجمات البربرية الشرسة . كل ذلك أدت إلى تفريغ المنطقة من سكانها واسكان الغرباء فيها. والذي هو موضع اسف شديد أن القسم الأكبر من ذلك الاضطهاد يتم تنفيذه بيد أبناء جلدتنا الذين يراهنون على سلطة بشار الأسد الدموية والذين ساهموا في تطبيق مشروع محمد طلب الهلال ومنذر موصللي في المنطقة الكردية والذي عجز نظام الأسد في تحقيقه خلال أكثر من أربعة عقود من الزمن. 
لقد أثبت التاريخ انه بعد المآسي والمحن الكبيرة تأتي فرج كبير وإنجازات كبيرة لذلك اعتقد انه لم يبقى أكثر من سنتان لتأتي القوى العظمى إلى قامشلو وتعلن تنفيذ مشروعها التغييري خلال أقصر فترة ممكنة ووقتها سيجبروننا على أن نقبل بعضنا البعض وبالقوة.  والسؤال هو لماذا لانسبقهم لنتحد ونشكل قوة عسكرية موحدة ونعلن مشروعنا السياسي والقومي الرامي إلى الديمقراطية لسوريا والفدرالية لغربي كردستان. هنا تكمن الحكمة والعقلانية والعظمة، فلنتسارع من أجل ذلك.
أوسلو 10.12.2016

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…