الخطاب السياسي الكردي بين براثن التشرذم ومتطلبات المرحلة الراهنة

زهرة أحمد

منذ تأسيس أول حزب كردي في سوريا عام 1957
والانقسامات تنال من جسدها الفتي في ولادات حزبية قيصرية أنهكت قواها عبر التاريخ ،لتبدو لوحة الخطاب السياسي كئيبة متعرجة الألوان ومتشابكة الخطوط وغامضة الملامح التي بدأت تتغير بتغير التوازنات السياسية والعسكرية وتشابك المصالح الاقليمية والدولية .
ومن جهة أخرى ساهمت الاساليب الدكتاتورية من قبل الحكومات المتعاقبة على سدة الحكم في تمزيق هذا الجسد الكردي وتفتيت شعاراتها القومية وطمس معالمها الوطنية ،ولم تتوانى في اتباع اي اسلوب شوفيني من شأنه تعريب كل ماهو كردي واغتياله في المهد .
حاولت بكل قوانينها اللاشرعية واجراءاتها الشوفينية اقتلاع نبض الحياة في حياة الكرد المتأصلة منذ الأزل ،نسجت من أبجديات البعث نسيج التعريب على تفاصيل الوجود .
لكن الارادة الكردية النابعة من عشق الكردايتي للحرية والحياة الكريمة بقيت شامخة كجبال كردستان ،قاومت عواصف الشوفينية الهوجاء .
ولم تتوقف الحركة الكردية عن النضال السياسي حافظت على الهوية القومية بالرغم من الانقسامات في بنبتها الداخلية من جهة وقمع الحكومات الدكتاتورية من جهة اخرى.
وثمة تجارب متعددة في الحركة الكردية باتجاه توحيد صفوفها وخطابها السياسي ،حيث اجتمعت في أطر نضالية ووحدات اندماجية وشكلت بعضها نموذجا للعلاقات التحالفية النضالية وحاولت بعضها أن تشكل مركزا لوحدة النضال الكردي في سوريا إلا إنها لم تصمد طويلا . بالرغم من انها لم تكن بالمستوى المطلوب في تلبية تطلعات جماهيرنا الكردية إلا انها كانت خطوة جريئة وصحيحة باتجاه ترسيخ أسس البناء لمقومات النجاح في الخطاب السياسي في ظل أشرس الأنظمة الدكتاتورية وأكثرها قمعا للحركة الكردية ،ولعبت دورا ولو بشكل متواضع في نقل آلام الشعب الكردي وطموحاته الى الجهات المحلية والعالمية وساهمت في توجيه الرأي العام الكردي في سوريا الى ضرورة الالتزام بقضاياه القومية وحقوقه المشروعة .
تعمل الدول الغاصبة لكردستان باستمرار واستنادا لمصالحها الاستعمارية على تشويه ديمغرافية كردستان وبث سموم المؤامرات على حساب حقوق الشعب الكردي وقضيته العادلة ،ومع بدء التغييرات الدولية والتحولات الكبيرة في المواقف والمصالح نالت القضية الكردية اهتماما وتأييد دوليين كممثل لمعارضة حقيقية للأنظمة الاستبدادية عبر التاريخ ومشروعية حقوقها في تقرير مصيرها بنفسها وفق العهود والمواثيق الدولية وخاصة بعد أن أبدى الكرد شجاعة لا مثيل لها في محاربة أخطر قوى الارهاب في العالم ” داعش ” وتحطيم اسطورتها الارهابية دفاعا عن الحرية والقيم الانسانية في التعايش والديمقراطية والكرامة الانسانية ،مسطرين بدمائهم الطاهرة حدودا حقيقية مجسدة لتطلعاتهم وتمهيدا لاتفاقيات دولية عادلة للشعب الكردي بالرغم من محاولة الدول الغاصبة بطريقة أو بأخرى حجب النور عن انتصارات الكرد وحقوقهم وتمسكها باتفاقيات غير عادلة انتهت مفعولها قانونيا وتسير بطريقها الى التلاشي محاولة لتجديدها واعادة الروح إليها ، وتعمل جاهدة على طمس الهوية القومية للشعب الكردي بالتعريب والتتريك والتفريس ،تزامنا مع نسج خيوط خارطة الشرق الاوسط الجديد مع حق تقرير المصير للشعوب المظلومة .
مع هذه الضرورات المصيرية والمسؤولية الملقاة على عاتقنا لتوحيد الخطاب والصف الكرديبن ومع التغييرات الاقليمية والدولية واتفاقيات سرية او علنية ،تمر مئة يوم على اعتقال قيادات وكوادر ومؤيدي المجلس الوطني الكردي وأحزابه السياسية في سجون حزب الاتحاد الديمقراطي بسبب مشاركتهم في مراسيم جنازة الشهيد البيشمركة حبيب قدري ،ولا تزال الكلمة الحرة قيد الاعتقال وقول الحق بحاجة الى ترخيص والنضال السياسي محظور بكافة اشكاله ،ولاتزال الحركة الكردية ترقع تمزقات التشرذم في جسدها بالرغم من أن المجلس الوطني الكردي منذ تأسيسه وحتى في مؤتمره الثالث يؤكد على سعيه الدائم الى وحدة الصف والخطاب السياسي والتزامه بأي اتفاقية تحقق الشراكة الحقيقية بعيدا عن التفرد والهيمنة .
هذا التشرذم اللامنطقي والمستمر أضعف الخطاب السياسي الكردي وفكك سطوره وأنهكت قواه بخلافات ثانوية منافية لروح الكوردايتي ستمهد الطريق أمام اتفاقيات اخرى يتم بها اغتيال الحلم الكردي وستبقى الورقة الكردية كسابق عهدها في أرشيف النسيان والتناسي .
أمام هذا الواقع المتألم ألا يجدر أن نناضل معا لنكون جزءا من المعادلة السياسية في منطقة التغييرات المصيرية كشعب أصيل يعيش على أرضه وطبقت بحقه كل أساليب القهر والحرمان وانهاء الوجود .
ألا يجدر أن تكتب دماؤنا الكردية أبجدية كردستان تحت مظلة مرجعية سياسية ؟
لنتعلم كيف نتعلم ونتعامل بمسؤولية تجاه عدالة قضيتنا ومشروعية حقوقنا ؟لتكن ثقافة تقبلنا لبعضنا وللأخرين ضمن أولوياتنا حتى نملك استراتيجية واضحة ترسم خطوط النضال الواعي لقضيتنا وبذلك يصل صدى صوتنا الى فضاءات العالم وأبجدياتها وعلى طاولات المفاوضات والحلول .
فالشعب الكردي لم ولن يرحم
والتاريخ ليس بغافل عما يجري
كردستان ” 549 “

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية ومع مناصري ثقافة التسامح واحترام حقوق الانسان ومع أنصار السلم والحرية، نقف مع السوريين ضد الانتهاكات الجسيمة والاعتداءات الصريحة والمستترة على حقوق الانسان الفردية والجماعية، وسياسات التمييز ضد المرأة والطفل، وضد الأقليات، وضد الحرب وضد العنف والتعصب وثقافة الغاء الاخر وتهميشه، وتدمير المختلف، والقيام بكل ما…

نحن، المنظمات الحقوقية الكردية في سوريا، نهنئ الشعب السوري، بجميع مكوناته وأطيافه، على إسقاط نظام الاستبداد، إذ تمثل هذه الخطوة التاريخية ثمرة نضال طويل وتكاتف الشعب السوري ضد آلة القمع، وهي بلا شك نقطة انطلاق نحو بناء سوريا المنشودة. إن سوريا الجديدة، بعد إسقاط النظام البائد، تدخل مرحلة حاسمة، وهي مرحلة البناء والسلام والصفح. لذا، ينبغي أن تسود فيها العدالة…

خليل مصطفى بتاريخ 22/2/1958 (شهر شباط) تم التوقيع على اتفاقية الوحدة (بين مصر وسوريا)، حينها تنازل رئيس الجمهورية السُّورية شكري القوتلي عن الرئاسة (حكم سوريا) للرئيس المصري جمال عبد الناصر (طوعاً)، وقال لـ (جمال عبدالناصر): (مبروك عليك السُّوريون، يعتقد كل واحد منهُم نفسهُ سياسياً، وواحد من اثنين يعتبر نفسهُ قائداً وطنياً، وواحد من أربعة يعتقد بأنهُ نبي، وواحد من عشرة…