حين تضطر لتوضيح ما هو واضح*

صالح بوزان
قرأت تعليقات وغمزات على بوست لي نشرته على صفحتي في الفيسبوك. وفي هذه المقالة أتوجه إلى كل أصحابي هذه التعليقات والغمزات مع احترامي لآرائهم ولو أنني لا أتفق مع أغلب التعليقات. (يرجى قراءة البوست في الأسفل قبل متابعة المقالة).
اولاً- حول استخدامي لحكاية ستالين. إذا انتبه القراء فأنا استخدمت كلمة “يُحكى” والذين لهم علاقة بالأدب يعرفون أن استخدام هذه الكلمة في ذكر خبر ما لا يدخل في باب التوثيق. فهي مجرد حكاية. شخصياً سمعت هذه القصة في الاتحاد السوفييتي من بعض الناس ولم أقرأها في وثيقة أو كتاب. ومن ناحية ثانية فتوظيفك لرمزية حكاية ما لا يعني أنك تتبناها. نحن كثيراً ما نستخدم جملاً من الأساطير لرمزيتها من أجل دعم فكرة ما، ولكن هل يعني ذلك أننا نؤمن بالأساطير وننظّر لها. 
هؤلاء الذين حرفوا رمزية الحكاية، هم فعلوها عن دراية بهدف نسف محتوى البوست. الرمزية التي قصدتها أن الوضع في سوريا اليوم لقوة السلاح. ولا مكان للكلمة. ومادامت الادارة الذاتية بيدها السلطة وتملك السلاح فلماذا الخوف من الأحزاب الكردية الأخرى وقمع تظاهراتها واعتقال قياداتها؟ ليتظاهروا كما يشاؤون، وينتقدوا بالكلمات التي يريدونها، لأن كل ذلك لا تأثير له على الأرض. الكلمة في سوريا وفي كل العالم الثالث لا تأثير لها على الجماهير. التأثير يأتي من القوة والمصالح فقط. ومن ناحية أخرى نجد أن أصحابي الكلمة يخونون الكلمة قبل الطغاة. من قرأ تراث مفكر مثل برهان غليون سيجد أنه كتب الكثير عن الديمقراطية والحرية والعدالة والمساواة والعلمانية..الخ. لكنه قذف كل هذا التراث في المذبلة وذهب ليتفق مع الاخوان والسعودية ويعتبر الكتائب الاسلامية الجهادية كتائب ثورية، ناهيك عما كتبه عن الكرد. وكل هؤلاء لا علاقة لهم بما كتبه برهان غليون طيلة عمره. 
ثانياً- حول موقفي من أنكسي وبقية الأحزاب الكردية (سأفرد لحزب الاتحاد الديمقراطي بنداً خاصاً). لست معادياً لأنكسي ولا للأحزاب الكردية عامة، بل مجرد منتقد. لم أتطرق في بوستي السابق لتاريخ الحركة الكردية السورية ولا لتاريخ الأحزاب الكردية. مجرد قيمت وضع هذه الأحزاب في الوقت الراهن. لدي قناعة أن هذه الأحزاب من الضعف لدرجة أنها انهارت أمام حزب الاتحاد الديمقراطي بسهولة. كما أن هذه الأحزاب غير صادقة بما يتعلق بالديمقراطية وحرية التعبير واحترام الرأي المخالف. من جلس على حزبه نصف قرن وطرد من طرد ليبقى سكرتيراً أبدياً، ومن انشق من حزبه ليفتح له دكاناً يصبح فيه سكرتيراً، ومن كان يتخذ موقف الترقب بداية الثورة السورية عندما كانت تطلق شعار الحرية والكرامة، وأصبح مع الثورة عندما انحرفت هذه الثورة باتجاه الأسلمة والعروبوية والكفاح الجهادي من أجل دستور إسلامي، هؤلاء لا علاقة لهم لا بالديمقراطية ولا بحرية الرأي، ولا باحترام الرأي المخالف. 
ثالثاً- حول حزب الاتحاد الديمقراطي. هذا الحزب لا يختلف عن بقية الأحزاب الكردية السورية بما يتعلق بالديمقراطية وحرية الرأي والموقف من الرأي المخالف لا من الناحية الفكرية ولا من الناحية السياسية. لكنه حزب كردي دون شك. ويعمل من أجل حقوق الكرد بطريقته. كلنا يعلم أن هذا الحزب استلم بعض المدن الكردية من النظام، ولم يقم بأية ثورة كما يدعي. لكنه عزز سلطته في هذه المناطق ووسع نفوذه على مناطق واسعة جديدة، وشكل قوة عسكرية وقفت ببطولة ضد داعش. هذا الحزب هو الذي أخرج القضية الكردية من الدوائر المغلقة إلى كامل الساحة السورية والإقليمية والعالمية، وعداء الائتلاف والاتجاه العروبوي والإسلامي في سوريا بهذه الشراسة ضده دليل على هذه الحقيقة. في المانيا يتحدث المواطن الألماني العادي عن المقاتلات والمقاتلين الكرد بإعجاب يصل إلى مستوى القداسة. هل لحزب الاتحاد الديمقراطي علاقة مع النظام؟ بخلاف كل ما يقولوه قادة هذا الحزب أقول نعم هناك علاقة قوية. لكن هذه العلاقة ليست عمالة كما يدعي البعض، بل كل طرف لديه هدف خاص به يختلف عن هدف الآخر. النظام السوري يفكر أنه بمجرد أن ينتصر عسكرياً سيعيد الوضع في المناطق الكردية إلى سابق عهده. وحزب الاتحاد الديمقراطي يفكر أنه سيفرض واقعاً جديداً على الأرض لن يستطيع النظام قلعه، واستعجاله في فرض التعليم الكردي يدخل ضمن هذا المخطط. ومن ناحية أخرى فالقضية السورية، والكردية منها أصبحت قضية دولية، ولم تعد المسألة تنحصر في حزب الاتحاد الديمقراطي والنظام السوري والائتلاف. 
رابعاً- يفهم البعض أن الحيادية تعني أن تقف على مسافة واحدة من الاتجاهين الكرديين المتصارعين في سوريا. أنا أفهم الحيادية بشكل مختلف. وهو أن يكون لك أنت بالذات هدف محدد ينبثق من تفكيرك، وعلى ضوء هذا الهدف ممكن أن تنقد موقفاً سياسياً أو فكردياً لهذا الطرف أو ذاك مادام يخالف هدفك، أو تؤيد موقفاً سياسياً أو فكرياً لهذا الطرف أو ذاك ما دام يصب في تحقيق هدفك. قلت سابقاً لست من داخل الحركة الكردية. لكنني أرغب وأتمنى أن يتحقق شيء من الحقوق للشعب الكردي السوري، وعلى ضوء هذا الهدف أؤيد هذا الموقف لهذا الاتجاه الكردي أو ذاك أو أخالفه. ومن يغمز على أنني أقترب من حزب الاتحاد الديمقراطي، هو الذي لا يستطيع استيعاب العقل خارج الولاءات، وهذه مشكلته وليست مشكلتي.
خامساً- من يريد أن يسيء إليّ بماضي الشيوعي، فأنا لا أعتبر أن هذا الماضي كان كله سلبياً. خلال وجودي في الحزب الشيوعي تعرفت على الفكر البشري، وعلى تاريخ نضال الفقراء وكفاحهم من أجل حقوقهم. تعرفت على تاريخ الثورات في معظم بقاع العالم، اطلعت على فكر مفكرين عملاقين في الفكر البشري وهما ماركس وانجلز. لقد انهارت الاشتراكية من الداخل، وبرهن هذا الانهيار خطأ الفكر اللينيني. كان لينين يهاجم منتقديه على أنهم “طفولة يسارية”، وتبين أنه هو أيضاً كان كذلك. لكن ماركس وانجلز قدما لنا فلسفة لم تتجاوزها بعد أية نظرية فلسفية، ومازلت مقتنعاً بنسبة كبيرة بفكر ماركس وانجلز وبفلسفتهما. وأكتب في الفكر والسياسة بالاعتماد على منهجهما. كان تشخيص ماركس لرأسمالية القرن التاسع عشر تشخيصاً علمياً صحيحاً. لكن الرأسمالية اليوم تجاوزت أفكار ماركس عنها. أعترف أن الحزب الشيوعي السوري تجاهل القضية الكردية السورية، بل حارب الأحزاب الكردية في المناطق الكردية. ومنذ دخوله إلى الجبهة الوطنية التقدمية انحاز للنظام بشتى المجالات تحت ضغط السوفييت، وأكرر تحت ضغط السوفييت. من ينتقدني لكوني كنت عضواً في هذا الحزب بما يتعلق بالقضية الكردية له الحق في ذلك. لا أبرئ نفسي من هذه المسؤولية. منذ تركت هذا الحزب قبل 16 سنة لم أكتب عنه. لأنني أكره أولئك الذين يدّعون البطولة بعد الخروج من حزبهم. أشعر اليوم أنني مذنب أمام الفقراء والكادحين في سوريا، لأنني لم أستطع أن أحقق لهم شيئاً. وأشعر أنني مذنب أمام الشعب الكردي السوري لأنني لم ألتفت لقضيته إلا مؤخراً. لكني، ومازلت بجانب الفقراء والكادحين، وأقف اليوم مع حقوق الشعب الكردي السوري في إطار سوريا فدرالية موحدة. طبعاً للشعب الكردي كل الحق في خياراته، لكنني لا أرى أية واقعية في تشكيل دولة كردية مستقلة في كردستان سوريا.
——–  
*. كتبت البوست المعني بتاريخ 2/12/2016  فجاءت التعليقات والغمزات، أغلبها هجوم غير عقلاني على فكرة البوست وعليّ شخصياً. وهذا نص البوست ” رسالة لن تصل مع كل أسف
يحكى أن المخابرات السوفيتية KGB قدمت مرة تقريراً لستالين يتضمن هجوم الفاتيكان على الاتحاد السوفييتي. فسأل ستالين مقدم التقرير كم دبابة يملكها ألفاتيكان؟ فابتسم عنصر المخابرات وقال له : ولا دبابة. فقال ستالين: دعوا الفاتيكان يقول ما يشاء.
باعتقادي هناك جهل سياسي أعمى لدى قيادة الادارة الذاتية في كردستان روجافا. فاعتقال المعارضين ولا سيما عناصر أنكسي ومؤيديه وقمع تظاهراتهم لا يعزز سلطة هذه الإدارة، وعلى العكس من ذلك يعطي شحنة من الحياة لهذه المعارضة. فلو نظرنا إلى كل تصريحات أنكسي ومؤيديه نجد أنه ليس في دماغهم السياسي غير الادارة الذاتية وحزب الاتحاد الديمقراطي. والإدارة الذاتية من جهتها تمارس سياسة طفولية باعتقال بعضهم وقمع تظاهراتهم، مما يعطيهم مبرراً للبقاء والاستمرارية. أحزاب أنكسي، وبقية الأحزاب الكردية التي تعادي الادارة الذاتية انتهت تاريخياً. انتهت تنظيمياً، وانتهت سياسياً، وانتهت جماهيرياً. هذه الأحزاب في الغالب واقفة بإسناد ظهرها للائتلاف السوري ولتركيا ولإقليم كردستان. 
فيا قادة الادارة الذاتية… مادام تعود جذوركم إلى الماركسية اللينينية، فاستفيدوا من تجربة ستالين أهم قائد لينيني بارز في تاريخ الحركة الشيوعية العالمية”.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية ومع مناصري ثقافة التسامح واحترام حقوق الانسان ومع أنصار السلم والحرية، نقف مع السوريين ضد الانتهاكات الجسيمة والاعتداءات الصريحة والمستترة على حقوق الانسان الفردية والجماعية، وسياسات التمييز ضد المرأة والطفل، وضد الأقليات، وضد الحرب وضد العنف والتعصب وثقافة الغاء الاخر وتهميشه، وتدمير المختلف، والقيام بكل ما…

نحن، المنظمات الحقوقية الكردية في سوريا، نهنئ الشعب السوري، بجميع مكوناته وأطيافه، على إسقاط نظام الاستبداد، إذ تمثل هذه الخطوة التاريخية ثمرة نضال طويل وتكاتف الشعب السوري ضد آلة القمع، وهي بلا شك نقطة انطلاق نحو بناء سوريا المنشودة. إن سوريا الجديدة، بعد إسقاط النظام البائد، تدخل مرحلة حاسمة، وهي مرحلة البناء والسلام والصفح. لذا، ينبغي أن تسود فيها العدالة…

خليل مصطفى بتاريخ 22/2/1958 (شهر شباط) تم التوقيع على اتفاقية الوحدة (بين مصر وسوريا)، حينها تنازل رئيس الجمهورية السُّورية شكري القوتلي عن الرئاسة (حكم سوريا) للرئيس المصري جمال عبد الناصر (طوعاً)، وقال لـ (جمال عبدالناصر): (مبروك عليك السُّوريون، يعتقد كل واحد منهُم نفسهُ سياسياً، وواحد من اثنين يعتبر نفسهُ قائداً وطنياً، وواحد من أربعة يعتقد بأنهُ نبي، وواحد من عشرة…