البـــاص الكـوردي: يرجـى من السادة الركاب الألتزام بمقاعـدهم

ديـــار ســـليمان
17.06.2007

 يحكـى أنه في احـدى البلـدات الكوردية اشـترى أحدهم باصـآ لنقـل المسافرين، و لكن واجهتــه مـشكلة نظـرآ لاصـرار جميع معارفه و أقاربه في كل مـرة على حجــز المقعدين الأمامــيين لهم، وقد كان يواجه احتجاج و توبيخ كل من يحرم منهما، لذلك و بعد طــــول تأمـل وتفكـير توصل الى حل لهذه المشكلة العويصـة
كانت فكرتــه تقوم على إخــتراع باص بالعــرض بحـيث لا يكـون فيه سـوى مقعـد واحـد عرضـي يجلـس عليه الجميع جنبآ الى جنب فيكون الجميع في الأمـام، كتفآ لكتف، لكنه لا زال بانتظار مثل هذا الاختراع حتى يرضي الجميع و يرتاح.
و نحـن نتابع كل يوم لعبة المنشــار الكوردية في خروج و دخول، دخـول و خروج المثقفين و السياسيين الكورد من و الى التشكيلات التي ينتمــون اليها، يثـور التسـاؤل فيما إذا أمكـن وضع بـراءة الأخـتراع أعـلاه بتصـرف القائمـين على هذه التشكيلات عسـى أن يرضـي ذلك نجـوم هذه الظاهـرة، فيتوقـفون عن إصــدار (البيــان كليب) الذين يبـدؤون به حياة النجـومية حيث الأغنيـــة ذاتها بكلماتها و ألحانها في شكل (فيديــو كليب)  ضـارب يمـلأ السـوق زعيقـآ و صـراخآ لعـدة أيـام ثم لا يلبث أن يخبـو شـيئآ فشـيئآ الى أن يتلاشى فلا يعـود يتذكره أحـد الى حين اصـداره أغنية هابطة من المستوى ذاته.
فعند إنتسـاب الفـرد الى حزب ما فأنه يقـوم بكيل المـدائح له و لنهجـه، فيرفـع خطه البياني الى أعلـى الدرجات و لكن هذا الخـط ينحدر الى أقصى الدرجات عند قرار الأنسحاب، ليعود الى الأرتفاع ثانية عند العودة..

و هكذا دواليك، و قد يكون الفاصل الزمني بين معلقـات المـدح و الهجـاء قصـيرآ،  فيحتـار المـرء و يتساءل فيما اذا كان الحزب أو الجمعية قد غير نهجه بهذه السرعة أم أن الأمر يتعلق بالشخص ذاته، الـذي أكتشف أنه قد بخـس نفسه قدرها عندما أرتضـى أن يكون واحدآ من (الواحدات) دون أية مـيزات، و يكتشف أن جيناتـه الوراثية هي من النـوع السائد و أن المجـال الذي أختـاره غير صحـي لعملهـا، لذلك يعـود الى الوسـط الذي يكون فيه متفوقـآ ألا و هو المكان الذي يكون فيه متقابلآ مع المـرآة حيث تـستجيب صـورته المنعكسة لما يريده، فيستعرض مواهبـه الخطابية و يصفق لنفسه تصفيقـآ حـادآ.
 لذلك فظـاهرة قيام المـرء بتغيير جلـده أصبحـت شـيئآ عاديـآ لا يبعث على الأستغراب، و كذلك اختيـار المـبررات التي تناسـب الموقف الجديد و أذواق المستمعين، و المـبرر الصالـح لكـل زمـان و مكـان، لكل دخـول و خـروج هو نهـج البارزاني الخالـد الذي هو الخلفية لكل مشاهد الذهاب و الأياب.

 حيث  يقـوم نجـوم هذه الظاهـرة بعـزف لحـن الوفـاء لهـذا النهـج وعـرض اكتشافهم المفاجـأ بخيانة الآخـرين له.

و يضعون هذا النهج نصب أعينهم في خطواتـهم المتعاكسة هذه، فيجـدون فيه  ضالتـهم لتبرير كل خطـوة يقـومون بها حتى و ان كانت عرجـاء، حتى و ان لم يفهموا ماهية هذا النهج.
و المـبرر الآخر الأكـثر تداولآ هو عدم توافـر الاجـواء الصحـية التي تسمـح بخدمة القضية، و كأن خدمـة القضية لا يكون إلا باعتـلاء الكراسي و الأكتـاف، و كأن أحدهم منعهم من خدمتهـا، و كأن الأعضـاء في المرتبـة الدنيا في هذه المنظمـات لا يخدمـون سوى أنفسـم، ثم هنـاك أمـرآ آخـر الا و هـو  شكـر (الناخـبين) الذين قد انتخبـوهم ربما بناء على ( برنامـج انتخابي) يتم عرقلـة تنفيـذه من الآخـرين، و الأعتـذار من الناخب كـون نجمنـا لا يمتلك إمـكانيات (حمسـاوية تحريرية) لتنفيذ برنامجـه الذي عمل عليه طويلآ مـستعينآ بكل امكاناته و طاقاته العظيمة، و الذي كان قد حصـل على وعود من الآخرين في سـبيل ذلك، لكن تم التراجع عنها فتعطلت بذلك حركـة التاريخ الكوردي و توقفت بـوأد هذا البرنامج السري في مـهده.
هذه الظاهـرة المـثيرة للغثيـان أصبحـت بحاجة الى وقفـة مع الضمـير اذا كان له من بقيـة، فهـذه اللعبـة لم تعد تنطـلي على أحـد، و على من لم يعد يجـد في نفسـه الأمكانيـات في الأسـتمرار في العمل الجماعـي ان يتحلـى بالشـجاعة و ليعلـن ذلك صـراحة أو ليجلس في زاوية و سـيكون موضع تقديـر الآخرين، أكـثر من الحالة التي يقوم فيها بعقابنـا و ذلك باجبـارنا على سـماع صوته (الجميـل).

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

خالد جميل محمد جسّدت مؤسسة البارزاني الخيرية تلك القاعدة التي تنصّ على أن العمل هو ما يَمنحُ الأقوالَ قيمتَها لا العكس؛ فقد أثبتت للكُرد وغير الكُرد أنها خيرُ حضن للمحتاجين إلى المساعدات والمعونات والرعاية المادية والمعنوية، ومن ذلك أنها كانت في مقدمة الجهات التي استقبلَت كُرْدَ رۆژاڤایێ کُردستان (كُردستان سوريا)، فعلاً وقولاً، وقدّمت لهم الكثير مما كانوا يحتاجونه في أحلك…

ريزان شيخموس بعد سقوط نظام بشار الأسد، تدخل سوريا فصلًا جديدًا من تاريخها المعاصر، عنوانه الانتقال نحو دولة عادلة تتّسع لكلّ مكوّناتها، وتؤسّس لعقد اجتماعي جديد يعكس تطلعات السوريين وآلامهم وتضحياتهم. ومع تشكيل إدارة انتقالية، يُفتح الباب أمام كتابة دستور يُعبّر عن التعدد القومي والديني والثقافي في سوريا، ويضمن مشاركة الجميع في صياغة مستقبل البلاد، لا كضيوف على مائدة الوطن،…

كلستان بشير الرسول شهدت مدينة قامشلو، في السادس والعشرين من نيسان 2025، حدثا تاريخيا هاما، وهو انعقاد الكونفرانس الوطني الكوردي الذي انتظره الشعب الكوردي بفارغ الصبر، والذي كان يرى فيه “سفينة النجاة” التي سترسو به إلى برّ الأمان. إن هذا الشعب شعبٌ مضحٍّ ومتفانٍ من أجل قضيته الكردية، وقد عانى من أجلها، ولعقود من الزمن، الكثير الكثير من أصناف الظلم…

إبراهيم اليوسف ما إن بدأ وهج الثورة السورية يخفت، بل ما إن بدأت هذه الثورة تُحرَف، وتُسرق، وتُستخدم أداة لسرقة وطن، حتى تكشّف الخيط الرفيع بين الحلم والانكسار، بين نشيد الكرامة ورصاص التناحر. إذ لم يُجهَض مشروع الدولة فحسب، بل تم وأده تحت ركام الفصائل والرايات المتعددة، التي استبدلت مفردة “الوطن” بـ”الحيّ”، و”الهوية الوطنية” بـ”الطائفة”، و”الشعب” بـ”المكوّن”. لقد تحولت الطائفة…