عبدو خليل
لا يختلف الوضع الكردي براهنه عن مجمل الوضع السوري المتهالك، و تأتي الخصوصية الكردية كقضية عالقة منذ تشكل الدولة السورية الحديثة. قضية أرض وشعب، تكاد لا تميزها عن باقي استعصاءات الحل السوري . رغم محاولات البعض النأي بالقضية الكردية عن المستنقع السوري. وهذا ليس انتقاصاً من عدالتها. انما لبروز جملة من المشكلات التي تمضي نحو تفاقمها وتأزمها نتيجة الخلافات البينية بين المكونات السياسية الكردية. شأنها في ذلك شأن كل القوى السياسية والعسكرية المتصارعة عندما تضع قضاياها جانباً و تدخل في سباق السلطة والنفوذ.
بادئ ذي بدء لابد من الاعتراف ان خلافات البيت الداخلي الكردي السوري في واقع الحال هي ضريبة تراكمية نتيجة التبعية التي فرضت علينا منذ عقود من قبل الأطراف الكردية الشقيقة . أربيل وقنديل . تماماً كما فعلت الشعوب السورية مؤخراً عندما ارتهنت لأجندات بعض الدول تحت مبررات طائفية او عرقية، حتى النظام السوري الذي طالما تبجح بالسيادة الوطنية لم يسلم من هذه المعادلة، لكن المؤسف ان تبعية كرد سوريا خلال العقود المنصرمة تكلفهم اليوم الغالي والنفيس، حيث استنزفت منهم كل مقدراتهم البشرية والمادية لصالح كل من كرد تركيا بالدرجة الاولى وكرد العراق بدرجة أقل. هناك من زرع فكرة الأولويات. تأجيل ظروف انضاج القضية الكردية في سوريا والدفع نحو تصعيد نضالات كرد تركيا والعراق. تحت حجج كثيرة. من قبيل ان نجاح المشروع الكردي في أي من تلك الدولتين سينعكس بالضرورة على كرد سوريا. من حيث المبدأ قد تكون الفكرة معقولة و منطقية في حال وجود استراتيجيات كردية عميقة مع تنسيق رفيع المستوى بين مجموع الاطراف الكردستانية، ولكن للواقع و الوقائع كلام أخر. حيث اثبت التاريخ ان ثمة تفكك عميق في عموم المنظومة الكردية مع غياب تام للمفهوم المؤسساتي وتبادل وتوزيع الادوار. ظهر ذلك جلياً في شراسة المعارك بين الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني في كردستان العراق منذ اكثر من عقدين ونيف ، ومازالت تبعات تلك المرحلة تلقي بظلالها على راهن كرد العراق. تلت تلك المرحلة حروب الكر والفر بين العمال الكردستاني والاتحاد الوطني، و مؤخراً المناوشات بين بيشمركة الديمقراطي الايراني و العمال الكردستاني الذي يحاول التمدد حتى في سنجار وكركوك ومنافسة باقي المشاريع الكردية، ومازالت السماء ملبدة بغيوم الصراع الكردي الكردي فوق أكثر من منطقة كردستانية.
ضمن هذا التعقيد والتواكل و الارتهان والفوضى يدفع اليوم كرد سوريا فاتورة باهظة الثمن. هي بالنهاية حصيلة سياسات طويلة تمتد لعقود. الاف الشباب الكرد السوريين قتلوا لتحقيق مشاريع كردية خارج مناطقهم مع استجرار الموارد المادية لدعم تلك المشاريع، رغم حالة الفقر المدقع التي يعاني منها كرد سوريا. بالإضافة الى خلق طابور من السياسيين والمثقفين مخصي عن اتخاذ اي موقف حيال الوضع الكردي الكارثي، لم يعد باستطاعتهم الفكاك عن تلك التبعية، وهذا ما يفسر حالة العجز السياسي الكردي من ايجاد بدائل او حلول، تعودنا ان تأتي الحلول جاهزة من اربيل او قنديل، وربما لن يجد البعض أفضل من حماقات سلطات الأمر الواقع التي تحكم المناطق الكردية للتهرب من استحقاقات المرحلة. تلك هي حجة المهزومين. البحث دائما عن الذرائع والدخول في تفاصيل لامعنى لها للتغاضي أو التنصل من مواجهة الحقيقة.
تلك الحقائق التي يمكن إيجازها واختصارها الى معادلة بسيطة نقف امامها اليوم بخجل وصمت مخافة ان يتهمنا البعض بالخيانة. اليوم هناك مليون وربع المليون كردي سوري مهجر. هل يستطيع العشرون مليون كردي تركي تدبر امور هؤلاء ليوم واحد؟. هل يستطيع حزب العمال الكردستاني بكل عنجهيته و صلافته ان يوفر لهم كل يوم قطعة ekmek بمبلغ نصف ليرة تركية. ألم يتحول أغلب هؤلاء الى عمال وخدم في فنادق ومطاعم اربيل والسليمانية رغم ان الكثير من هؤلاء اكاديميين ومن ذوي المهارات والحرف. هل يستطيع احد التنكر لمظاهر البذخ الواضحة في اقليم يحاول التشبه او الاقتداء بالإمارات العربية المتحدة، هل استطاع هذا الاقليم ان يوفر لكل لاجئ خيمة دونما وساطات ورشاوى. اسألوا سكان المخيم. بكم تباع الخيمة ؟.
المطلوب اليوم من عموم الحراك السياسي والثقافي الكردي السوري هو الموقف. ليس فقط حيال تلك الحفنة المارقة التي تتسلط على رقاب من تبقى في المناطق الكردية السورية. انما التحرر من ربقة التبعية التي كلفتنا باهظاً. ليست خيانة إن فتش الكردي السوري عن مصالحه. ألم يعقد اوجالان صفقته المشبوهة مع النظام السوري؟ لم نقم الدنيا ونقعدها. لم نقل انها خيانة. اوجدنا له المخارج مع اننا كنا وما نزال نعاني الويلات من قذارة نظام البعث. لم نفتش في دفاتر مكتب الاتحاد الوطني الكردستاني بدمشق. مازال مكتبه تحت حماية رجال الامن السوري. لم نقل انها جريمة عظمى. هذا شأنهم. ومن حقهم البحث عن مصالحهم. تلك هي السياسة بالنهاية. جملة من المصالح، وكما انه ليس من حقنا ان نقول لهم كفى تدخلاً في شؤوننا. لأننا بالنهاية لن نستطيع ان نحد هذا الاخر من بلوغ مصالحه وطموحاته السياسية. لكننا بالتأكيد نستطيع ان نخاطب انفسنا. ان نسأل عن مكمن مصالحنا، و الانطلاقة تكون من اعادة الموقف حيال كل ما يحيط بنا بمعزل عن السذاجة السياسية. تلك السذاجة المقيتة التي تشكلت لدينا بفعل فياغرا العواطف الكردية الجياشة .