أَعطِني وطناً، أُعْطِك كلبَ حراسة، وإلا فانتظرْ ذئباً

ابراهيم محمود
أظهِر لي إمكاناتك يا المأخوذ بعبارة” حب الوطن من الإيمان ” إذا كان ” كلّك ” إيمان فعلي به، وأنت تسخّر كامل جهودك في تعبيد الطريق إليه: الوطن الكردي الذي يُتردد اسمه ليل نهار، دون أن تأتي على ذكر أيٍّ كان من ” غرمائك، خصومك، منافسيك ..”، حسبك أنك تعلم ، كأنك الوحيد الذي يعمل، أعطك كلب حراسة من النوع الذي ” يعجبك “، تعمل بجد، ويثمر جهدك عن جد، ويعدُك الوطن المنتظر بالقدوم، ومعه، بالتوازي معه كلب الحراسة الذي ينبّه إلى الأعداء من الخارج جدّياً: أعداء حقيقيين، وليس من يُسمّون في الداخل، وهم ربما من ” بطن ” أمّك، أو أهلك، أو بني جلدتك، وحينها تستحق أن تكون الكردي الناطق باسمه.
أعطني وطناً لا خلاف عليه، يوحَّد في جهاته، ويكون المعنيون به موحَّدين متوحدين، كما هي اللحظة المنتظَرة، حيث لا يعود ينظُر ” خُدا: نا ” الكردي في شكل أو طول، أو حجم أي منهم وفيهم، إنما فيما تعطيه يداه وقوله وعقله، أعطك كلب حراسة يسير في خطى من ” يلعب بذيله ” إنما يؤانسه، ويدفع به إلى النوم أو يطلب الراحة بعد عمل مضن، وهو مطمئن إلى أن أحداً لن ينال منه، لأن المساحة التي يتحرك فيها هي مساحة وطن كردي تقاس بمئات الألوف من الكيلومترات المربعة، وأنه على قدر التحرك في مساحة هذه، يمكن تقدير حقيقة الشخصية المأخوذة بكرديتها.
أعطني وطناً، يشغِل كل الذين يعتبرون أنفسهم معنيين به، وفي كل منهم ما يمكنه تقديمه لينتقل من التشتت إلى التوحد، من الانقسام إلى الالتحام، أعطك كلب حراسة لا يسمح باقتراب ظل الأعداء، صوتهم، أذاهم من حدودك، وإلا فانتظر ذئباً لا يأتي عبر الحدود وإنما ينبعث من الداخل، بغتة، الذئب الذي لا يحمل اسماً من جهة الأعداء وإنما هو صنيع من ” يلوك ” الكردية.
ليس من ذئب في الخارج، ليس من كلب في الداخل. إنها كلابنا، ذئابنا، كلابنا التي تعنينا، وذئابنا التي تبتكرها أفعالنا وأقوالنا معاً. ففي داخل كل منا كلاب وذئاب، أكثر ضراوة وسفكاً للماء وترويعاً للصغار والكبار من الضواري ” البرّية ” إن تنكّرت لهيئة الإنسان، وما تتطلبه الكردية من مضاعفة الجهود لتكون عمران وطن، وتاريخ حضارة باسمه.
إنها كلابنا التي  تتناسل من أقوالنا وأفعالنا، ولكل منا ما نوى وينوي في موقع يصرَّف على مقياس الكردية، وما إذا كانت صالحة للعمل كنموذج، إلى درجة البطولة والافتخار بها، أم مجلبة للعار، كلابنا الغريبة خلاف الحقيقية، التي يمكنها أن تصبح كلاب حراسة حين يطابق الفعلُ القول، وكلاباً منقادة من ذيلها لصالح الأعداء، أو حتى الكرد الذين لا يتقاعسون في تكثيف قواهم للنيل من بني جلدتهم، والدخول في تعهدات تخدم أعداء الكرد والكردايتي، كلاباً مستكلبة.
ذئابنا التي تستولدها أقوالنا وأفعالنا أيضاً، وهي مستذئبة بدورها، وهي بيننا، على عتبات بيوتنا، أعينها على أبوابنا، وهي تنقضُّ على كل من يفتح الباب، بإيعازات معلومات، وعلى شرفاتنا، وفي زوايا شوارعنا، وحدائقنا البائسة، ومراحيضنا، وخرائبنا ذات الكثرة، ونوادينا المغلوبة على أمر اسمها الفعلي، وساحاتنا المشكوك في صمتها، لأنها متنكرة.
إنها نحن، إن أردنا الترجمة الدقيقة لما نريد، وليس من أحد بقادر على نفي خاصية الكلبية والذئبية عن نفسه، عن داخله، مهما عرَّف بنفسه في موقعه، أو طول ربطة عنقه، أو ماركة عطره، أو نعومة بشرته الشمعية…الخ.
أعطني وطناً، أنَّى تكون، ومن تكون، وأنت في موقع المسئولية، أعطك كلب حراسة لا يُشك في أمره، كلب لديه حاسة شم قوية يمكنه بها التمييز الفوري وبدقة لافتة، بين رائحة الداخل الكردي، والخارج العدو، كلب في مختلف الأمكنة، حيث يتنفس الوطن، أو يتحوَّل إليه، كلب، سليل خططنا ومشاريعنا وأهدافنا، وإلا فانتظر ذئباً يفاجأ به كل كردي، ربما يكون البريء في الواجهة أولاً، لأنه البعيد عن الالتفافات والمناوشات الجانبية، لكنه الذئب الذي تكون حنجرة أي كان في مرمى شدقيه المفتوحين وأنيابه المعقوفة والشبقة نهشاً، وسخونة أعماقه النارية، الذئب يقدّر بغريزته الطبيعية والمدهشة، ما إذا كان الذي ينقض إليه جدير بالبقاء، أو أهل للإفناء، وتحديداً في الراهن العصيب.
دهوك- في 9 تشرين الثاني،2016 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…