تركيا : إشكالية الدولة والنزعة التوسعية

قهرمان مرعان آغا 
لم تدرك تركيا بَعد , منذ نشوئها كدولة إشكالية ( من حيث الجغرافيا والسكان وتقلبات نظام الحكم ) وهي تقترب من إكتمال قرن من الزمان , بأن أزماتها الأمنية في الداخل وليست في الخارج  , فلم تسعفها حدودها المحصن بالألغام والأسلاك الشائكة والإنارة الكهربائية ومراصد المراقبة , ناهيك عن جيش كامل من الحرس ( جندرمه ) , فهي مثل باقي دول الشرق الأوسط والأدنى , متعددة الشعوب والأقاليم , ومتلونة بالأجناس والمذاهب , تمتد على رقعة جغرافية مترامية من البحار واليابسة كجسر معلق بين الشرق والغرب , تَئِنُ مِن وَجَعْ تضداتِها المختلفة .
الموروث الثقافي في مواجهة النهضة المدينية و المعاصَرة , الطابع الديني (الطقوسي) بموازاة مظاهرالعلمانية (المتبرِّجة) , حكم العسكر والإنقلابات بالإلتفاف على الديمقراطية وتداول السلطة , الإدعاء بالحرية والمساواة , مقابل قمع الشعوب غير التركية , فلم تزل ترفع شعارها (الأتاتوركي ) أرض واحدة وشعب واحد وعلم واحد , ذو لون أحمر ينتصفه هلال يحتضن نجمة .؟ راية تحمل نقائض الدولة والمجتمع خلال تاريخ موسوم بلون الدم , فهي تبالغ في المجاهدة بنفسها كبلد غير قابل للقسمة ثقافياً وفق خصوصية مكوناتها العرقية وحقوقهم المكتسبة من خلال الإختلاف والتنوع , فالدم الكوردي المسفوح لم يتوقف جريانه منذ الثورة الكبرى 1925 بعد ضم القسم الأعظم من كوردستان للجمهورية التركية بالتآمر مع المنتدبين الأوربيين ( الكفار) ؟! , المنتصرين في الحرب الكونية الأولى , تنصلاً من حقوق الشعوب والأقوام المتعايشة في ظل السلطنة العثمانية  و إخلالاً بكل المعاهدات التي أُبرِمت في هذا الشأن  .
تأسس جيشها على النزعة الفاشية (الكمالية), وبسبب تضخمه الكمّي والكيفّي خلال الحرب الباردة كجزء من الحلف الأطلسي في مواجهة تمدد السوفييت, لم يعد حامي الديمقراطية , كما كان يُوصف في فترة لاحقة , قبل إنقلابه الأخير , تموز/2016 , حتى باتت ظاهرة الإنقلابات الدموية للطغمة العسكرية ال( جونتا) , علامة فارِقة , تُضاف إلى أمجاده في القتل و التدمير والإبادة بحق الشعوب الأخرى غيرالترك , بحيث أصبح وبالاً على نفسه , فمنذ غزوه لجزيرة قبرص(1974) وتجدد نزاع تركيا مع اليونان منذ ما كان يسمى بحرب الإستقلال(1919-1922) , وقبلاً إشتراكه في حرب كوريا (1950) بعد الحرب العالمية الثانية , لم يشمل عملياته سوى كوردستان في الجنوب والشمال , تارةً بقصد ملاحقة قوات البيشمركة , بالتعاون مع حكام بغداد خلال ثورة ايلول(1961-1975) لغاية إنتفاضة (1991) وتارةً لملاحقة قوات حزب العمال الكوردستاني , في حرب مدمرة منذ أكثر من ثلاثة عقود (1984) حيث يأخذ أخبار يوميات القتال مقدمة وأولوية لمختلف نشرات أعلامها , بشكل يساهم في تصاعد وتيرة العنصرية ومفاعيلها السلبية تجاه الشعب الكوردي وقضيته العادلة   . 
الدولة التركية فيما تعتبره محيطها الثقافي وجزء من إرثها الحضاري سواء في شمال القوقاز أو شرق اوروبا , أختارت مصالحها ولم تنتصر لهم فيما تعرضوا له من حروب ونزاعات , بل خذلتهم , فيما كانت الظروف الدولية مهيئة لمساعدتهم , خذلت الثوار الشيشان في حربهم من أجل الإستقلال (1991- 1996), مع الجيش الروسي عند إنهيار الإتحاد السوفيتي ولم تتأثر مصالحها مع الروس عندما سقطت (غروزني ) بالتدمير , ولم تنتصر لسكان ( ناغورنو كاراباخ ) وحليفتها آزربيجان في حربها مع عدوتها التاريخية أرمينيا المدعومة من روسيا ولم يزل الصراع قائماً بين الجانبين دون حل , كما خذلت البوسنيين المسلمين إخوان الترك في العرق , في مواجهة الصربيين السلاف بدعم أقرانهم الروس في نزاعهم المركب , إثنياً ودينياً , بعد حل وتقسيم دولة يوغسلافيا (1992-1995) , وخذلت جارتها جورجيا ( كورجستان) في عدوان روسيا على اراضيها (2008) كما خذلت نفسها مع أخوانها التتار في شبه جزيرة القرم بعد ضمها لروسيا في عدوانها على أوكرانيا , وخذلت الثورة السورية في مواجهة النظام المجرم , فلم تعد مدينة حماة (2011) خط أحمر فتكررت مأساتها في (1982) في حمص وريف دمشق ودير الزور وجبل الأكراد وجبل التركمان والمأساة الكبرى حيث مدينة حلب , فيما لم تستعيض تركيا ماء وجهها المسكوب بالفعل الروسي , بعد الإذعان لإرادة القيصر الصغير بوتين ونتنياهو و نظام الاسد , على الرغم من تشكيل كانتونها في غرب الفرات بعد أن يئست من إنتصارات داعش في وجه الكورد, فهي لم تخفي يوما ما, أن مجمل سياساتها في المنطقة تهدف إلى منع تشكيل كيان كوردي في غرب كوردستان , على إمتداد حدودها الجنوبية . 
 حصلت تركيا (الباش بكان) أردوغان وحزبه الحاكم العدالة والتنمية على فرصة التمدد خارج حدودها ,بالإقتداء بروسيا وايران , بأنَّه لا مناص من ترحيل بعضاً من أزماتها الداخلية لمعالجتها في الخارج وأنَّه لا بُدَّ من صرف أنظار الرأي العام لشعبها نحو الجوار الإقليمي حتى يتغاضواعن ما يستمر حدوثه في الداخل , سواء تعلق الأمر بحربها مع (ب.ك.ك) أو مفاعيل الإنقلاب (المفيد) أوعلاقاتها المتوترة مع أمريكا والغرب أو المتصالحة مع إسرائيل وروسيا وكذلك القلقة مع ايران وحلفائها رئيس الوزراء العراقي والنظام السوري , وأخيراً وليس آخراً الإنقلاب على (داعش) سواء في حدود منطقتها الآمنة في شمال سوريا أو في سهل الموصل ,حيث يتواجد بعض قواتها , ومحاولاتها اليائسة في الإنضمام إلى الجهد العسكري لتصفية (داعش) داخل العراق , في مسعى من التنافس المذهبي بينها وبين ايران على أراض ومصالح غيرهم من الشعوب , فيما بقي حدودهما السياسية الدولية المشتركة لمدة خمسة قرون (معاهدة جالديران 1514) آمنة ومستقرة .؟! فهل نحن بصدد حماية (وصاية أممية) من التحالف الدولي يشمل مناطق نفوذ (داعش) المحرَّرة يمتد من الموصل إلى الرقة بموازاة جنوب كورستان , الكيان المُستقِر و غربها , الكانتون المجزأ المُستعِر . 
 دويتشلاند في7.11.2016 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…