خورشيد شوزي
التكون الاثني ..– الممالك الكوردية قبل الإسلام .. – المد الإسلامي .. – الدول والإمارات الكوردية بعد الإسلام – الاندماج والصراع ..– محطات تقاسم النفوذ .. – الاتفاقات الدولية.. – الثورات الكوردية.. – الكورد والأصولية الإسلامية.. – رياح التغيير .. – الواقع الراهن.
البحر الأبيض المتوسط أو البحر المتوسط
هو بحر متصل بالمحيط الأطلسي، ونقطة ارتباطه بالأطلسي هو عند مضيق جبل طارق بعرض 14 كم، وهو شبه محاط تماماً بالبر: من الشمال الأناضول وأوروبا ومن الجنوب شمال أفريقيا ومن الشرق بلاد الشام، ويمثل امتداده بواسطة البحر الأسود منطقة الالتقاء المباشر بين قارات العالم القديم أفريقيا وآسيا وأوروبا. والبحر من الناحية الفنية جزء من المحيط الأطلسي على الرغم من أنه يوصف عادة باعتباره كياناً مستقلاً تماماً.
تاريخ منطقة البحر الأبيض المتوسط أمر بالغ الأهمية لفهم نشأة وتطور العديد من المجتمعات الحديثة. ويمثل البحر المتوسط العنصر الموحد لمركز تاريخ العالم. فقد كان عبر التاريخ طريقاً هاماً للتجار والمسافرين من العصور القديمة، مما سمح بالتجارة والتبادل الثقافي بين الشعوب الناشئة في المنطقة أي في بلاد ما بين النهرين ومصر والإغريق والكرد والرومان والعرب والأمازيغ واليهود و…
يمكن تقسيم منطقة البحر المتوسط إلى ثلاثة أحواض على النحو التالي : الحوض الشرقي والحوض الشمالي والحوض الجنوبي.
على ضفاف المتوسط وفي أحواضها قامت إمبراطوريات وبدأت الصراعات وانهارت إمبراطوريات، ومن منطق الواقع الحتمي فان التعاون والعيش في أمان لتحقيق الرخاء والازدهار للشعوب في أحواضه، ارتسمت ولو شكلياً في مرحلة ما بعد الحربين العالميتين. ولكن يمكن لنا أن نطرح السؤال:
“هل أدت سياسة المشاركة والتعاون بين أبناء الحوض الواحد من جهة، وبين شعوب الأحواض الثلاثة من جهة أخرى، إلى إنهاء الصراعات في منطقة المتوسط؟”
من المؤكد أن الشمال المتوسطي استفاد كثيراً من الآثار السلبية للحربين العالميتين، وبدأ سياسة اندماج صحيحة قوامها تفعيل المصالح المشتركة للحفاظ على الأمن والسلام، بينما لازال الحوضان الشرقي والجنوبي يتخبطان في صراعاتهما بوتيرة لم يشهد التاريخ فيهما مثيلاً له.
التكون الاثني في الحوض الشرقي للمتوسط والمد الإسلامي
تمهيـــــد
إذا كنت عالقاً أو مولوداً في بيئة معينة فإن السؤال الذي يطرح نفسه: كيف تم ذلك؟ الجواب نجده في عدم قدرتنا تحديد أين ومتى سنخلق، وإلى أي ملة ننتسب، وكذلك في التلقين الذي نتلقاه في مراحل الطفولة وما تليها. فلو كنت مولوداً في ألمانيا فإنك ستفكر بألمانيتك قبل أن تفكر في الياباني الذي ولد في اليابان وتربى فيها، هذا إذا كانت التربية التي تلقيتها غير متشربة ومشبعة بمفاهيم ضيقة النظرة إلى البعد الإنساني الذي يجمعنا بالآخرين.
إن نشأة أسماء الشعوب لم تخضع لقواعد ثابتة على مر التاريخ، بل ساهم في التسميات عوامل متنوّعة، فبعض الشعوب عرفت بالأسماء التي أطلقتها هي على نفسها، والبعض الآخر عُرفت بالأسماء التي أطلقتها عليها شعوب أخرى.
سوف أستعرض التكون الاثني لأربعة شعوب رئيسة في الحوض الشرقي للمتوسط، وذلك لارتباطهم بصراعات قديمة وحديثة على مدار التاريخ، وهم: الكرد (بشيء من التفصيل) والفرس والعرب والترك.
الكورد:
مصطلح يستخدم للتعبير عن الشعب الكوردي، وهم الشعب الأصلي لمنطقة يشار إليها باسم كوردستان، والتي تشكل أجزاء متجاورة من العراق، تركيا، إيران وسوريا. والكورد بحسب المؤرخ الكوردي محمد أمين زكي (1880 – 1948) في كتابه “خلاصة تاريخ الكورد وكوردستان” يتألف من طبقتين من الشعوب:
الطبقة الأولى: وكانت تقطن كوردستان منذ فجر التاريخ، وهم شعوب جبال زاكروس “لولو، كوتي، كورتي، جوتي، جودي، كاساي، سوباري، خالدي، ميتاني، هوري، نايري” وهم الأصل القديم جداً للشعب الكوردي.
الطبقة الثانية: وهي طبقة الشعوب الهندو- أوربية التي هاجرت إلى كوردستان في القرن العاشر قبل الميلاد، واستوطنت كوردستان مع شعوبها الأصلية وهم “الميديين و الكاردوخيين”، وامتزجت معهم ليشكلوا معاً الأمة الكوردية .
إن اسم الكورد ليس حديث النشأة، وإنما يرجع ظهوره إلى حوالي خمسة آلاف عام في عمق التاريخ، وتحديداً إلى العهد السومري، ففي فترة نهاية الألف الخامس قبل الميلاد وصل السومريون إلى جنوبي ميزوپوتاميا (العراق الحالي)، منحدرين من الجبال الشمالية الشرقية (جبال إقليم جنوبي كُوردستان)، وأطلقوا على موطنهم الجديد اسم (كي. إن. جي- Ki En- Gi) أي بلاد السادة. وإلى الآن ما زال الكورد يسمّون مَن له مُلكية في أرض القرية (آكِنْجي) akincî ( a- kin- ciأو a-kin-gi)، أي (الذي يملك – السيّد).
وقد أطلق السومريون على المناطق الجبلية المتاخمة لبلادهم من الشمال الشرقي (أي جبال كوردستان) الاسمَ المركّب Kur- tu أو Kur-du، ويعني بالسومرية (جبلي، جبليون)؛ إذ إن كلمة Kur تعني بالسومرية (جبل)، واللاحقة (tu/Du) هي للنسبة. وكان السومريون يطلقون على الإله الأكبر إن- ليل En-lil لقبَ Kur – gal أي (الجبل الكبير). وجدير بالذكر أن كلمة Kur ما زالت مستعملة في الكوردية، فيسمّي الكورد جهةَ الشمال (با كور- ba kur)، باعتبار أن الريح القادمة من جبال شمالي كوردستان هي الأشد برودة، ويسمّي الكورد في غربي كوردستان الرياحَ الشمالية الباردة بـ (ba kur).
في الألف الثالثة قبل الميلاد تم ذكر الكورد في وثيقة تاريخية قديمة (في متحف اللوفر/باريس) عائدة لمعبد تم بناؤه في جرسو – تيللو (في جنوب العراق الحالي)، والتي هي عبارة عن لوحين من الحجر نقش عليهما نص سومري، تقول: “الوزير الأكبر إرنانا للملك السومري سوشين (2030 ق.م)، أمر بوضعهما تحت قاعدة الباب. والوزير الأكبر إرنانا محافظ عسكري “لأربيلوم – أربيل”، والقائد العسكري لأهالي سو و بلاد كوردا.
وقبل حوالي 2400 سنة، يذكر زینفون إسم الكورد ويُسمّيه “کاردۆخی”، وقبل حوالي 2000 سنة يذكر سترابو إسم الكورد قائلاً: بالقرب من نهر دجلة مناطق تعود للـ “گوردیایی” الذين كان يُطلَق عليهم في السابق إسم “كاردوخي”.
وعلى مر التاريخ فيما بعد استُعمل اسم الكورد في اللغات الأخرى بصيغ متقاربة جداً، فذكر الملك الآشوري تُوكُولْتي- نِينُورْتا الأول (1244 – 1208 ق.م) أسلاف الكورد باسم شعب Qurtî أو Qur-di. والملك الآشوري تِغْلات پلاسَر الأول (1114 – 1076 ق.م) غزا بلاد الگوتيين (من أسلاف الكورد)، وسجّل اسمَ السكان القاطنين فيها بصيغة Qurti.
اسم الكورد وجد في الكتابات العيلامية باسم (كُورْتاش – Kurtash)، وعند الآشوريين والآراميين باسم (كُوتي- كُورْتي- كارْتي- كارْدو- كارْداكا- كارْدان- كارْداك)، وسمّاهم اليونان والرومان (كارْدُوسُوي- كارْدُوخي- كارْدُوك- كُردوكي- كارْدُوكاي). واسمهم في الفارسية: (كُرْد- كُرْدها). وفي التركية (كُورْت، كُورْتلَر – Kürt, Kürtler. وعند الأرمن (كُوردُوئين- كُورجِيخ- كُورتِيخ- كُورْخي). وسمّاهم السُّريان (قُورْدَنايَه) ومفردها (قُورْدايَه)، ومنها جاءت التسمية السريانية للمنطقة التي يقع فيها جبل جُودي باسم (بَقَرْدَى/باقَرْدَى).
وفي العهد الپارثي (250 ق.م – 226 م)، والعهد الساساني (226 – 651 م)، ورد اسم أسلاف الكورد بصيغة (كورد) Kurd وجمعها (كوردان) Kurdan، وهذا واضح في رسالة الملك الپارثي الأخير (أَرْدِوان) إلى الملك الساساني الأول أَرْدَشَير بن بابَك بن ساسان، قائلاً له: “أيها الكُردي المُرَبَّى في خيام الأكراد، مَن أَذِن لك في التاج الذي لَبِسْتَه، والبلادِ التي احتوَيتَ عليها”؟
ولمّا غزا العرب المسلمون بلادَ الكورد وحكموها، ورد اسم الكورد في الكتابات العربية بصيغة (كُرْد و أَكْراد) على وزن (عُرْب و أَعْراب)، باعتبار أن الكُرد كانوا قد خسروا دولتهم الوطنية، وصار معظمهم رعاة وريفيين. وبهذا الاسم (كُرد/أكراد) عبر الشعب الكُردي إلى العصر الحديث.
كوردستان:
وتعني “بلاد الكورد”، وهي المنطقة سكنها الكورد منذ آلاف السنين، فقد كان السومريون يسمون المنطقة “كوردا قوتيوم-أرض كاردا”، والآشوريون كانوا يسمونها “كورتي”، والبابليون كانوا يطلقون عليها اسم “قاردو”، والإغريق كانوا يسمونها “قاردوتشوي”، والرومان أطلقوا عليها اسم “كوردرين”، وتم ذكر اسم كوردستان في التوراة باسم منطقة “کاردو/قاردو”. وأطلق الآراميون اسم “بیت قاردو” على كوردستان والتي تعني بلاد الكورد.
المؤرخ الأرمني أرشاك سافراستيان ذكر أن حرف (r) يُحذف بعد حرف (u) في اللغات الهندو- أوربية، وبناءً على ذلك فالكلمات (گُوتي، كُوتي، كُورْتي) لها أصلٌ واحد. وسمّيت الأراضي الواقعة على نهر الخابور، في الألواح الحِثّية والبابلية، باسم (Mat – Kurda – بلاد الكورد)، باعتبار أن الكلمة السومرية- الأكّادية (mat) تعني (أرض).
المؤرخ الروماني “مارسيلينيوس”، من القرن الرابع الميلادي، يقول: إن المنطقة الممتدة من نينوى، مارة بأربيل حتى مدينة همدان هي بلاد الهذبانيين. وهو أقدم إشارة لجغرافية كوردستان في التأريخ. علماً بأن نينوى كانت في ذلك الوقت مقاطعة أكبر بكثير من تلك التي نجدها اليوم، حيث كانت تضم أيضاً أجزاءً من شرق وشمال كوردستان الحالية، وكانت الأقسام الأخرى من شرق وشمال كوردستان تحت الحكم الرومي آنذاك.
من الجدير بالذكر أن الهذبانيين يعود أصلهم إلى العهد الخوري – الهوري، وأن أصل عائلة صلاح الدين الأيوبي يعود إلى هذه القبيلة، حيث كانت كوردستان تُعرف ببلاد الهذبانيين في القرن الرابع الميلادي. وخارطة العالم الإسلامي التي رسمها محمود كشغري في سنة 1076 ميلادية أي قبل 938 سنة، فيها يسمي كوردستان بـ أرض الكرد.
إن أول من أطلق اسم “كوردستان” على موطن الكورد هو السلطان السلجوقى سنجر، وذلك في القرن الثاني عشر الميلادي.
لغة الكورد:
أوليا چلبي المولود في إسطنبول في سنة 1611 م، يذكر ما يلي:
حسب قول الرحالة المقدسي (إسمه محمد بن أحمد بن أبي بكر المقدسي والمعروف باسم شمس الدين المقدسي، مولود في القدس سنة 947 ميلادية وصاحب الكتاب المشهور “أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم”)، أنه بعد طوفان نوح، تم في البداية إعمار مدينة جودي، ومن ثم إعمار قلعة شنگار -سنجار، وبعد ذلك ميافارقين (تقع شمال شرق مدينة آمد – ديار بكر بين نهرَي دجلة والفرات).
“كان الملك كوردوم هو مالك مدينة جودي وكان من أمة نوح، عاش لمدة ستمائة سنة، وتجوّل في كافة أنحاء كوردستان. عندما وصل إلى مدينة ميافارقين أحبّ هذا الملك مناخ المدينة واستقرّ فيها هناك. كان له أبناء وأحفاد كثيرون، حيث قاموا بإيجاد لغة خاصة بهم”.
هذه اللغة تُسمّى اليوم اللغة الكوردية ويتم التكلّم بها في كوردستان. هكذا يخبرنا الرحالة المقدِسي قبل 1067 سنة عن الوجود الكوردي في كلٍ من “جودي و شنگار و ميافارقين”، ويخبرنا أيضاً عن وجود اللغة الكوردية.
ان اللهجة الموكريانية (لغة كوردية قديمة) هي نفسها لغة الآڤيستا، ولا يزال الموكريانيون في شرق كوردستان محافظين على لُغة الآڤێستا ويتكلمون بها. كما أنه تم العثور على “رقيم” عليه رسالة ميتانية كتبت بمفردات سوبارية، وعليه فإن اللغة الهورية – الميتانية هي امتداد للغة السوبارية، حيث أن الهوريين هم أحفاد السوباريين. وهذا يعني بأن الكورد كانوا يعيشون في كوردستان الحالية قبل أكثر من 3400 سنة.
أجداد الكورد:
عند هجرة الأكاديين إلى شمال وادي الرافدين (جنوب كوردستان الحالية) في أواخر الألف الثالث قبل الميلاد، كان السومريون والسوباريون يعيشون هناك، وكانت المنطقة تُسمى بـ سوبارتو. من هنا نرى أن الموطن الأصلي للسومريين هو كوردستان، وأنهم من أقوام جبال زاگروس التي هي الموطن الأصلي للكورد، وأن السومريين هاجروا من كوردستان إلى جنوب بلاد ما بين النهرَين وبنوا حضارة راقية هناك. كما أن اكتشاف آثار سومرية في شمال بلاد ما بين النهرَين (كوردستان) يؤكد على أنها الموطن الأصلي للسومريين، وأن السوباريين والسومريين عاشوا معاً هناك.
انطلق الهوريون من مدينة أوركيش التي تقع بالقرب من مدينة قامشلو في غربي كوردستان. حيث استغلوا ضعفاً مؤقتاً للبابليين فقاموا بمحاصرة بابل والسيطرة عليها في فترة 1600 قبل الميلاد، ومن هذا الشعب انبثق الميتانيون أو شعب ميتاني.
يذكر المؤرخ (سايس) بأن الشعب الميدي كان يتألف من عشائر كوردية تقطن شرقي مملكة آشور، حيث كانت حدود موطنها تمتد إلى جنوبي بحر قزوين و كانت غالبية هذا الشعب من الهندوأورپيين.
كانت تحد ميديا من الشرق أفغانستان، ومن الغرب البحر الأبيض المتوسط، ومن الشمال مناطق “كادوس” فيما وراء نهر آراس، ومن الجنوب الخليج الفارسي-العربي. كانت الإمبراطورية الميدية تضم كلاً من فارس وأرمينيا وآشور وإيلام وجزء من باكستان على المحيط الهندي وغربي كوردستان الحالية. تم إسقاط الإمبراطورية الميدية من قِبل الأخمينيين الفرس في سنة 560 قبل الميلاد، حيث دامت هذه الإمبراطورية لِحوالي 150 سنة.
لغة الميديين هي اللغة الحالية التي يتكلم بها الشعب الكوردي اليوم، حيث يذكر العلامة مسعود محمد بأن العشائر الكوردية الموكريانية لا تزال تحتفظ باللغة الميدية، حيث أن اللهجة التي يتكلمون بها هي اللغة الميدية.
يقول السير ولسون بأن الكورد هم أحفاد الميديين.. ويؤكد المستشرق الروسي فلاديمير مينورسكي ذلك في بحثه “مادة الكرد” المنشور بدائرة المعارف الإسلامية في عام 1905، ويذكر بأن الكورد هم أحفاد الميديين. ويقول ابن خلدون بأن الكورد منحدرون من الميديين. كما يذكر حسن پيرنيا بأن الميديين هم من الشعوب الآرية وهم أجداد الكورد، ولغتهم هي نفس لهجة الكورد الموكريانيين الساكنين في شرق كوردستان.
كان للكورد قبل الاحتلال العربي الإسلامي لكوردستان، أبجدية خاصة بهم للكتابة، حيث أن ابن وحشية* قبل أكثر من ألف ومائتَين سنة، نشر كتابه المعنون “شوق المستهام في معرفة رموز الأقلام” الحروف الكوردية القديمة المستعملة من قِبل الكورد. الكتاب مطبوع في أوروبا قبل قرنين من الزمن، وأن نسخة المخطوطة ترجع إلى أكثر من عشرة قرون.
*ابن وحشية هو أبو بكر أحمد بن علي بن قيس بن المختار بن عبد الكريم بن حرثيا والمعروف بالصوفي وهو كلدانيّ الأصل، عالمٌ بالكيمياء واللغة والزراعة، لا يُعرف له تأريخ ميلاد ويرجّح أنه توفي في أواخر القرن العاشر الميلادي.
العــــرب
جاءت في نقوش الملك داريوس هيستاسبيس – لفظة “عرب” وتعني صحراء الجزيرة (السعودية حالياً) وحتى شبه جزيرة سيناء. وفي المؤلفات اليونانية يرد لفظي Arab أو Arabia. وكان هيرودوت عارفاً بالجزيرة العربية، كما درس معاصروه من المؤرخين من أمثال اكزينوفون xenphon لفظ “عرب”، وقالوا إنه يطلق على الجزيرة العربية بوجه خاص، والرومان سمّوهم (سارقينوس أو ساراسين- Saracine) أي شرقيون، وكان الكُرد يسمّونهم (تازي).
ويطلق على العرب البدو كلمة أعراب، وكان الفراعنة والآشوريين والفينيقيين يعنون بالأعراب أهل البادية في القسم الشمالي من جزيرة العرب وسيناء.
وحسب الروايات العربية فإن العرب ينقسم إلى ثلاث طبقات:
الطبقة الأولى: هي العرب البائدة، وهي قبائل اندثرت آثارها وانقطعت أخبارها، ومنهم: عاد، ثمود، طسم، جديس،.. هذه الطبقة لم تخلف أي أثر يدل عليها، ولا هي مذكورة في آثار الشعوب المجاورة للجزيرة العربية؟.
الطبقة الثانية: هي العرب المستعربة، ويسمون بالعدنانيين ونسلهم يعود إلى أبناء إسماعيل بن إبراهيم. إسماعيل كان يتكلم العبرانية، واعتمد هو وبقية العرب الحروف الآرامية للكتابة فسموا المستعربة، ولكنه تعلم هو وأبناؤه العربية كلهجة محادثة.
الطبقة الثالثة: هي العرب العاربة، ويسمون بالقحطانيين، ونسلهم يعود إلى قحطان بن عابر ابن شالح الذي يقال إنه أول ملك على اليمن لبس التاج. وخلف قحطان – جد أعراب الجنوب – ابنه يعرب الذي يقال إنه أول من اتخذ العربية لساناً ولقّبه الشعراء “رب الفصاحة”.
العرب المستعربة سموا بعرب الشمال، وغلبت عليهم البداوة والترحال. أما العرب العاربة فسموا عرب الجنوب، وغلبت على عيشتهم الاستقرار. وحسب فيليب حتى في مؤلفه “تاريخ العرب” يذكر أن عرب الشمال ينتسبون لجنس البحر الأبيض المتوسط، أما عرب الجنوب فينتسبون للجنس الحيثي أو العبري، وكان العداء مستحكماً بين الشمال والجنوب منذ القدم.
الفرس
يرجع أصل الاسم إلى قبيلة (پارْسَجادي- Parsagadae)، أو إلى الكلمة الآريانية القديمة (پارس-Pars أو پارسو- Parsu)، بمعنى (طَرَف، حَدّ)، باعتبار أن بلاد الفرس كانت تتاخم الطرف الجنوبي لبلاد ميديا.
والفرس شعب يقطن منطقة فارس التاريخية في الهضبة الإيرانية، وهم سلالة عرقية تعود أصولها إلى المجموعة الأريانية، لكن مع مرور الزمن ساهم اختلاط عدد من الشّعوب والعرقيات في تشكيل هوية مختلطة للفرس مثل الترك والعرب واليونانيين والكرد وغيرهم، وتتكلّم الشّعوب الإيرانية الحالية لغةً تسمّى اللّغة الفارسيّة وهي من اللّغات الهندوأوروبيّة.
أسس الفرس العديد من الدول والإمبراطوريات على مر التاريخ مثل الأخمينيين والسلوقيين والبارثيين والساسانيين في حقبة ما قبل الإسلام، إضافة إلى سلالات حكمت في حقبة بعد الإسلام مثل السامانيين والصفويين وغيرهم.
الدّولة الإخمينيّة التّي قامت بقيادة كورش الأول (حفيد الملك الميدي أزدهاك من جهة أمه) تمرد على جده الميدي وقضى على الدولة الميدية، وقام بحملات كبيرة حيث هاجم بابل واستولت قواته عليها، واتّجه صوب بلاد الشام ليسيطر عليها، وامتدت الدّولة الإخمينيّة إلى الشّمال حيث بلاد القوقاز وبحر إيجه ومضيق البسفور، وانتهت الدّولة الإخمينيّة على يد الإسكندر المقدوني الذي اجتاح أراضيها.
دانت بلاد فارس بالدّيانة الزّرادشتيّة منذ ما يقارب الألف الرّابعة قبل الميلاد. ولكنها أدخلت في الإسلام عام 636 م إثر معركة القادسية وهزيمة ملكهم كسرى. وفي العام 1501م قامت الدولة الصّفويّة واعتنقت المذهب الشيعي.
الترك
يرجع أصل الاسم إلى قبيلة (تُورك) الطُّورانية، أو إلى اسم أسرة حكمت تلك القبيلة. وأول من ذكر كلمة “ترك” هو المؤرخ الإغريقي هيرودوت484-425 ق.م، وخلال القرن الأول الميلادي عرفوا باسم “Targitas”، وحسب المصادر الصينية في القرن السادس فإن الترك سموا عندهم بـ “Tujue”، لكن لفظة “ترك” يشير أيضاً إلى مجموعة لغوية واسعة من الشعوب.
خلال العصور القديمة سكنت الأناضول شعوب قديمة معظمها من الصيادين والتجار، وبعد غزو الإسكندر الأكبر في 334 قبل الميلاد، تأثرت المنطقة بالحضارة اليونانية، وأقرب النصوص التي ما زالت موجودة، تتضمن كلمات غير شائعة في التركية لا علاقة لها باللغات الآسيوية الداخلية.
وعلى الرغم من أن شعوب الأناضول القدماء كانوا من البدو الرحل، فقد اعتنقوا عبادة “التنجرية”، وإن كان هناك أيضاً أتباع للمانوية والبوذية والمسيحية النسطورية. ولما بدأت الفتوحات الإسلامية لآسيا بدأت هذه الشعوب باعتناق الإسلام، وتحولوا إليها من خلال الثقافة الفارسية وآسيا الوسطى.
خلال القرن الحادي عشر ميلادي استولى السلاجقة (وهم أتراك) على المنطقة الشرقية للخلافة العباسية، ثم استولوا على بغداد في 1055 م، وبعد معركة “ملاذكرد” ضد البيزنطيين تمكنوا من بسط نفوذهم على أجزاء واسعة من الأناضول، وأنشؤوا دولتهم واتخذوا قونية عاصمة لهم في 1097 م. وبحلول القرن الثاني عشر الميلادي بدأ الأوروبيون يطلقون على منطقة الأناضول بلاد الأتراك، وخلالها انتشر الإسلام في المنطقة، ونتيجة لهذا حدث تزاوج وتصاهر بين الأتراك وسكان المنطقة الذين اعتنقوا الإسلام وتمازجوا مع القادمين .
بعد اجتياح المغول للمنطقة تفككت الإمارة السلجوقية، وبدأ عصر الإمارات التركمانية، فقامت أقوى الإمارات في البداية وهم الفرمان و كرمايان وتمركزوا في المنطقة الوسطى، في حين أن عائلة بني عثمان والذين أسسوا لاحقاً الإمبراطورية العثمانية كانوا يسيطروا على منطقة في الشمال الغربي حول سوغوت.
الإمارات التركمانية امتدت على طول بحر إيجة من الشمال إلى الغرب: بنو قراصي، وبنو صاروخان، وبنو آيدين، وبنو منتشا، وبنو تكة، وبنو جاندار.
في عهد عثمان الأول، توسعت الإمارة العثمانية وأصبح سكان غرب آسيا الصغرى يتحدثون باللغة التركية ومعتنقين الإسلام. وفي عام 1354 توغل العثمانيين في أوروبا وأسسوا موطئ قدم في شبه جزيرة جاليبولي وفي الوقت نفسه اندفعوا إلى الشرق واستولوا على أنقرة. ومع فتوحاتهم في تراقيا ومقدونيا وبلغاريا، فإن أعداداً كبيرة من المهاجرين الأتراك استقروا في هذه المناطق.
قامت الجيوش العثمانية في عهد السلطان محمد الثاني بفتح القسطنطينية في عام 1453، وجعلها عاصمة العثمانيين الجديدة. وبعد سقوط القسطنطينية توغلت الدولة العثمانية في أوروبا والشرق الأوسط، وشمال أفريقيا. ونشبت معركة جالديران 1502م بينهم وبين الفرس، فكان التقسيم الأول لكوردستان.
بدأت الإمبراطورية العثمانية بالضعف في أوائل القرن العشرين، وفي 1913بدأت حكومة جمعية الاتحاد والترقي وضع برنامج التتريك القسري للأقليات غير التركية، وبعد الحرب العالمية الأولى في العام 1918 وافق الأتراك على الهدنة مع انكلترا وفرنسا. كما وقعوا معاهدة سيفر في العام 1920 في إطار تفكيك الإمبراطورية العثمانية. ولكن مصطفى كمال أتاتورك رفض قبول شروط المعاهدة وألغى السلطنة، وظهرت الهوية التركية في عام 1923من خلال معاهدة لوزان التي ألغت معاهدة سيفر، وتأسست جمهورية تركيا رسمياً بعد طمس ومصادرة حقوق الشعبين الأرمني والكردي.
……………… يتبـــــــــــــــع ………………
هوامش
1. شرف نامه؛ شرف خان البدليسي.
2. خلاصة تاريخ الكورد وكوردستان؛ محمد أمين زكي.
3. تاريخ الأكراد الحديث؛ ديفيد مكدول؛ ترجمة الأستاذ راج آل محمد.
4. ميديا؛ إ.م. دياكونوف؛ ترجمة وهبية شوكت.
5. دراسات تاريخية منشورة في “بينوسا نو – القلم الجديد”؛ د.مهدي كاكه يي.
6. دراسات تاريخية منشورة في “بينوسا نو – القلم الجديد”؛ د.احمد محمود خليل.
7. البحر الأبيض المتوسط؛ ويكيبيديا الموسوعة الحرة العالمية.