ابراهيم محمود
سئل رسول حمزاتوف: لو كان الذهب مثل التراب، كيف سيكون سعره؟
أجاب: بسعر التراب.
==
بين الفينة والفينة، والزمن الفاصل بينهما قصير جداً، نفاجَأ بنيل أحد كردنا لجائزة باسم أحد كردنا الذي تردَّد عن أنه أديب أو خلافه، والمتخوَّف منه، أن عدوى منح الجوائز أمست دون حساب، وبالطريقة هذه، وقريباً جداً، لن يبقى هناك من لم تخصَّص جائزة باسمه، لن يبقى هناك من لم ينل جائزة أو أكثر، فما العمل في الحالة هذه يا جهابذة الحرف الكرد ؟
لعل أسرع طريقة وأكثرها نجاعة للنيل من اسم ما: كاتب، أو سياسي، هي في الإسراع إلى تخصيص جائزة باسمه، مِن قبل من ليس لهم صلة فعلية بالمعاناة اليومية وضريبة السياسة الجادة والكلمة الجادة، وهذا ما يحصل من قبل ” كُردنا ” ذوي الاعتبار.
ما أكثرهم، وهم في سرعة الإنباء عن أنهم أصبحوا كتّاباً، وما أكثرهم، وهم في سرعة التعريف بأنفسهم نقاداً، وما أكثرهم، وهم يسارعون إلى تخصيص الجائزة باسم هذا وذاك، وتقديم مسوّغ الإعلان عن الجائزة بهذا الاسم أو ذاك، من باب تكريمه وهو لم ينل ما يستحق في الحياة، ومسوّغ منح الجائزة هو أن الجوائزيّ عانى كثيراً، وصاحب خبرة بشئون الحرف، كما أن الذين أشرفوا على منح الجائزة هذه أو تلك، معروفون ومحل تقدير من شعبهم الكردي؟
كلمة واحدة أقولها، ودون مقدمة: سحقاً لأغلبيتكم، وللذين تسمّونه جديراً بتخصيص جائزة باسمه، وقد عانى ما عانى، وبدعوى رد الاعتبار إليه، وللذين اخترتموه جديراً بمنحه الجائزة، لأن في كتابته ثمة التزاماً بقضية شعبه، وجرّب مرارة الحياة، وللذين اُتّخذوا مقيّمين، لأنهم أصحاب خبرة في هذا الميدان.
بربّكم، مَن مِن الكرد لم يعان ولا يعاني؟ حتى الأكثر تعريفاً به بالبعيد عن قضية شعبه، تجد فيما يقوله ما يجعله قريباً من هذا ” المسكين “: الشعب الكردي، ولوجود من يحيطون به حفاوةً!
يا للرائحة المنفّرة المنبعثة من هذه الجثث التي تعلنونها، وتبعاً لما هو مقدَّم، أصحاب قامات، من هذه الخزعبلات التي تسمى بالكتابات” الجادة “، والتي تزكم أنوفنا، وقد كرَّهتنا النظرَ حتى في الشاشة الضوئية” الانترنت ” وتصفح المواقع وما يُسمى بهذا الزنيم ” الفيسبوك “.
في السياق، مَن من هؤلاء المعنيين بالجوائز: تسمية ومنحاً، دقق وحقق وتعمَّق في حياة هذا الذي مات قهراً غالباً، ووِدّع مهدوراً، وفي نفسه، وروحه، وهو محل سخط حتى مشيعيه داخلاً، وفي خلايا جسمه حسرة من كرده من أولي أمرهم، دون استثناء في المجمل، على الأقل، من خلال يومياتهم ومذكراتهم: جكرخوين، نورالدين زازا، رشيد كورد، اوصمان صبري، روشن بدرخان…الخ؟
ولو أننا قمنا بجردة حسابية للعدد الذي حمّلوا أسماء، ومن مُنحوها، قياساً إلى أي مجتمع يخجل من نفسه، ويتهيب التفكير في تخصيص جائزة، أو منحها عموماً، لأن ثمة مسئولية، وتداعيات، أعني المجتمع الذي بلغ مستوى حضارياً ومعلوماً من المعرفة المنتجة وعمران الحياة، لرجحت الكفّة لصالح بني جلدتنا ” جلادينا ” الكرد.
ذلك ما يعكس مأساة الحرف في أهله، وما يضاعف من طابع السخرية من كل ما له صلة بالحرف، حتى لو كان كاتبه ذا شأن جرّاء هذا الاستهتار، والإسهال الجوائزي، وأحسب أن من لهم تجربة ملموسة في الكتابة، ومعنيون بها، يتحملون الجانب الأكبر من المسئولية.
في السياق أيضاً، وقبل أكثر من عقد من الزمن، أعلمني صديق لي، وهو ذو تجربة ملحوظة في الكتابة وأوجاعها، أنه في لقاء ببعض ” سياسيينا ” وفي مكان ما روجآفاوياً، تشعب الحديث اللاحديث، ودور الكاتب في المجتمع، حيث استفز سياسي حزبي متواجد في المكان، وما كان منه إلا أن قال: من الآن فصاعداً، أنا بدوري، سأخرج قلمي من جيبي وأبدأ الكتابة.
طبعاً، لا أعتقد أن صاحب القول كان من الفطنة بحيثيات الكتابة، ليتفوه بالعبارة هذه: أي استسهال الكتابة ورخصها من قبل كثرة كاثرة يرهنون أنفسها له ولغيره، أما من جهة أخرى، فله كامل الحق فيما نطق به: لأن جل الذين يتعاملون معه، ويُسمعونه صوته، هو وغيره، من النمط الذي يدفع به إلى الهزء به، وكل ما يتعلق بحرفة الأدب وأفراد عائلته.
في السياق مجدداً، ولمن يذكر، قبل عقد من الزمن، تملَّكت بعض سياسيينا نخوة التقدير للموتى، ولأهمية الجائزة، فلم يكتفوا بمنح جائزة واحدة، ولشخص واحد، في العام الواحد ذاته، وإنما منحها لأكثر من شخص، وصل العدد إلى ثلاثة، ثم انتهى كل شيء، وأذكّر هنا بالراحل نورالدين زازا، وقد كتبت وقتها عن هذا الإسفاف، وكيفية التمثيل بالاسم حياً وميتاً.
أيها الكتّاب الكتاب الكرد، عار عليكم أن تستموا وأنتم صامتون، وأنتم غير عابئين بسخف الجاري، ولعل الخطوة الأولى لوقف هذه المهزلة، التوقف عن منح أي جائزة، حتى إشعار آخر، ريثما نحسن التنفس دون أن نزداد تسمُّماً، إذ إن وراء هذا ” الإيدز ” الثقافي نجباءه، ودعاته، ومتعديه، وسماسرته، فهل ترضون أن ينحط مستوى الحرف الكردي إلى هذه الدرجة؟
في إحدى قصص عزيز نسن، و” بطلها ” الحمار المغبون كثيراً، وقد سمِع بأن حاكم المدينة خصص جوائز مختلفة، ولها مستويات، لكل من شارك في الحرب على الأعداء، وكان البغل نفسه من بين هؤلاء الممنوحين جائزة، فما كان منه إلا أن اندفع إلى قصر الحاكم، وبدأ ينهق ” يذرّع “، احتجاجاً على عدم دخوله، ودخل لاحقاً بإلحاح من نهيقه، وجرى حوار تاريخي بين الحمار والحاكم الذي استغرب طلب الحمار ومطالبته بالجائزة، لأنه ليس لديه ما يمنحه عليه جائزة.
فما كان منه إلا أن رفع صوته: والله لولا آلاف الحمير مثلي، لما كنت هنا .
ولعل الحاكم كان فطناً، حيث نزل عند رغبته، وأكرمه وأي إكرام، بمنحه محل إقامة في قصره بالذات.
هل أستطرد أكثر؟
دهوك، في 6 تشرين الثاني 2016