ابراهيم محمود
لعله بلغ النّصاب في الأخْذ بالكردية ليكون بحجم كردستان، ليكون كما هو مشتهى كردستان، وكان لحظةَ رحيله أقل من نصف قرن عمراً، لكنه تعدَّى بما حفظه كردستانياً عن ظهر روح حدود قرون الكردية المتداولة. لعله من بين الرجال النوادر، والرجولة ندرة دائماً، ممن فاض بحب جغرافيا كردستانية، وكان في مقدوره أن يسلك طريقاً واحداً، أحادياً في الحياة ويقضي عمره الحياتي وينتهي كغيره، سوى أن إرادة الأبدية في مأثرة كردّينا الكردي سليمان الشهيد أكثر من الشهادة عينها، مكّنته من أن يكسب كتاب خلود كردستاني بيمينه الخضراء.
هوذا سليمان، سعيد البينغولي الكردستاني، سعيد الكوباني، سعيد القنديلي، سعيد الزاغروسي، سعيد البيشمركي، سعيد المتنفس برئة كردستانية، وهو يبث أوكسجين التفاني الكردي دون مقابل، لمن يمتلك المقدرة على التحرك في إثره، هوذا المفارق للزوجة، للأهل، للبنت الوديعة، لأوربا الفاتنة القارية، لملذات منتشرة، مستجيباً لاسم توَّحد في خلاياه، أنسجته، اسم تقابل فيه ” كافه ونونه “: كردستان، فكان ” كن ” الكردي، وهو يهب الحياة من فيض حيواته لأرض محرَّرة من عبواتها الناسفة، وقد كان دمه أكثر مضاء من صواعق أعداء الحياة والإنسانية من الدواعش ونظرائهم، دمه كان مرشده الناطق البليغ بلغة كردستانية موحدة، كان لحمه أكثر صلابة من مدرعة الأعداء، ورصاص الأعداء، وحقد الأعداء، كان عظمه أكثر تبصرة لخفايا الأعداء حيث تسمّيها ألغامهم، أحقادهم، كراهياتهم للحياة، وكان هذا الذي كان أكثر من زمنه، ومكانه، واسمه، وعمره، سوى أن كل ذلك كان مطلوباً ليُرى ويُسمَع ويُشَم بطول كردستان وعرضها وعمقها وسموها.
لا تقولوا أنه ودّع الحياة، إنما أمّم حياة جديرة بأن تُري روعتها معزّزة بكردستان دون حدود، كما لا يشتهي الأعداء، ودّعها بدمه، ليودعها روحه في كامل جهاتها حيث يكون رفاقه، أحبّته المدنيون، الريفيون، الجبليون، الوهديون، المقاتلون باسم حق كردستاني، في عهدة بيشمركة، ليتردد على شفة الصغير والكبير، وهو الذي انتقل من نقطة على سطر الحياة، إلى موسوعة حياة، لعله بذلك كان أكثر دراية بالخبر اليقين لوطن منتظَر، لإنسان يعيش جغرافيا بالكامل، وإذ بلغ أوج بطولته كان عليه أن يُرى من أعلى عليين كردياً، ليكون واهب الاسمين موهوبهما: سليمان: رجل السلام، سعيد: سعيد الكردي بروحه التي تناثرت ملء خارطة كردستان وأعداد نفوس كردستان وكائناتها وجماداتها وأرواحها اللامرئية.
تذكروا بعد الساعة الواحدة من ليل الثلاثين من تشرين الأول لعام 2016، رجلاً استحال سواد الليل ضياء بمكرمة بطولته، والضياء جملة حروف يمكن لأي كردي مأخوذ بجسارة الاسم المنشود تهجئتها: كردستان.
تذكروه جيداً، لأنه امتحان لذاكرة الكردية في كل منكم، أنّى كنتم، كيفما تحركتم، تحرّروا من الذاكرة ذاتها، عندما يكون ملء روحكم فيكون له حضور أبدي، فمثل سليمان حكيم الحياة الكردية لا يُنسى، ومثل سليمان مقلق ميتات الأعداء لا يجب أن يُنسى، ومثل هذا الاسم بتمامية كردستانيته، أهلٌ لأن يكون الدرس الموجز في جملة مكوَّنة من الكلمات التالية: إذا أردت أن تكون كردستانياً بحق، كن سليماناً إذاً أو فاصمت !
م: كتبت هذه الكلمات على عجل، وأنا أتلقى نبأ رحيل شهيدنا البطل الكردي الدكتور سليمان، تحت وطأة شعور لم أستطع تأجيلاً.
دهوك- في 30 تشرين الأول 2016