مؤتمر كردي كردي

فرمز حسين
 خلافات الدول العظمى و الإقليمية ساهمت في إدامة الصراع في كل من العراق و سورية, التنافس المذهبي  القديم الجديد على الزعامة بين تركية السنية و إيران الشيعية  و الذي عاد إلى الواجهة بقوة بعد ما سمي بالربيع العربي جعل من الوضع العراقي ينحرف  عن الطريق المؤدي إلى التعافي من آثار حرب الخليج و إزاحة صدام و كذلك انعكس مأساوياً على الواقع السوري من خلال تنامي دور الفصائل الإسلامية المتشددة المدعومة من الطرفين  والمستفيدة من تبعثر المعارضة السياسية و بالتالي اختطاف تلك القوى للثورة التي قامت في الأساس للتخلص من ديكتاتورية الفرد وحكم الحزب الواحد و العمل بكل الوسائل الممكنة لتحويلها إلى حرب مذهبية بالوكالة لتُقَوض كل فرص الخلاص من خلال مساهمة تلك القوى و داعميها في تنمية النزعات الفئوية على حساب تفتيت اللحمة الوطنية, ادارة أوباما و سياستها الشرق أوسطية الرخوة وآثارها الكارثية التي أدت عملياً إلى عودة روسية إلى الساحة الدولية من بوابة سورية كقوة عظمى من جديد و تمادي الأخيرة في دعم النظام  الموغل في القتل و التدمير في سبيل بقاءه في الحكم , صحوة تركية بعد اسقاطها للطائرة الروسية  بفرص الكرد في تأسيس كيان خاص بهم فيما أذا توفر لهم الحليف الدولي .
في ظل كل الظروف الشائكة المذكورة أعلاه برز دور المكون الكردي كنتيجة طبيعية من خلال تواجدهم بين الدول المتأثرة بالأزمة جميعها كأكبر اثنية تعيش على ترابها من دون دولة مستقلة  خاصة بهم و الذي عانى على أيدي الأنظمة الشمولية الأمرّين .  ظاهرياً بدا و كأن الكرد لهم حظاً أوفر في الانسجام و التماسك كشعب, قياساً للمكون العربي على الأقل في كل من سورية و العراق  نظراً للتناحر المذهبي لدى الأخير . لكن هذا الانسجام الاثني الكردي لم يأتي متكاملاً نتيجة صراع زعاماتي بين المحور الآبوجي الطالباني المقرب من النظام السوري و حليفه الايراني من جهة  و المحور البرزاني المقرب من تركيا من جهة أخرى. 
القيادات الكردية تتحاشى أو أنها لا تريد الاعتراف بخطورة مجريات الأحداث نتيجة ممارساتها التي أقل ما يمكن وصفها بأنها سياسة لا تتمتع ببعد النظر و سوف تكون لها نتائج مدمرة قد تفوق في تداعياتها السلبية الصراع المذهبي بين العرب و تودي بمعظم المكتسبات التي تم تحقيقها في إقليم كردستان منذ حرب الخليج الثانية في العراق 1991 و منذ اندلاع الثورة على النظام السوري 2011  و المكتسبات التي حققها جناح العمال الكردستاني في المناطق الكردية السورية أدراج الرياح إن لم يتم توافق المعنيين من خلال من إعادة العمل لعقد مؤتمر قومي يرسم استراتيجية كردية مشتركة تتجاوز حدود الإنجازات الحزبية الآنية المعتمدة بالأساس على الإرتهان للقوى الإقليمية  التي تسيطر على جغرافية كردستان الطبيعية . 
هناك الكثير من العبر يمكن استخلاصها من الأدوار المختلفة و المتناقضة التي تمارسها تركيا و التي أصبح واضحاً بأن أولوياتها في الحرب السورية هي سد كل المنافذ التي قد تمكّن الأكراد من الحصول على حقوقهم القومية كلها أو حتى بعضها ولو أدى بها الأمر للتحالف مع الشيطان , و المقايضة على حلب مع روسية أكبر دليل على ذلك ,كما أنها لن توفر وسيلة بأن تتعاون مع إيران أو تقايض الأمريكان بعد تحريرالموصل أيضاً مقابل أي شي يضمن التخلي عن كرد العراق أو تقنين التعامل معهم في أفضل حالاتها متساوية في هذه الممارسات مع  نظام البعث بقيادة الأسد أحد أهم مؤسسي النزعة الشوفينية ضد الكرد السوريين على مدى خمسة عقود من القمع والاضطهاد وابداعه في تطبيق جملة من المراسيم العنصرية الخاصة بالمناطق الكردية  و هما في هذا يشاركان أيضاً النظام المذهبي الإيراني الذي يفتخر يوماً بعد الآخر بتعليق الشبان الكرد على أعواد المشانق بوحشية قلّ نظيرها .
عدم الاستفادة مما ذكر سابقاً ان استمر يحوّل الكرد من أصحاب قضية عادلة إلى مجرد حملة بنادق للغير بقصد أو بدونه.
غني عن القول بأن تاريخ الحركة التحررية الكردية مليء بالتجارب التي وقعوا فيها ضحايا مقايضات مجحفة كلما التقت مصالح الأقوياء وكما يقال التاريخ خير واعظ فهل نتعظ!؟
Stockholm
2016-10-26
Farmaz_hussein@hotmail.com
Twitter.com/FarmazHussein
stockholm-sham.blogspot.com

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…