ما رأته عين كُردية، ما سمعته أذن كردية

ابراهيم محمود
يتحول الكردي في الملمَّات إلى شبكة كبرى من الحواس والمشاعر صحبة المعايشة العقلية، وتكون العين الناظرة اليوم، وجرّاء الدور الأكبر للميديا بالصوت والصورة، ومن ثم الأذن الملتقطة للصوت، مطلوبة ومرغوبة، كما لو أن المرء يراهن على العين وينتظر شهادتها والتأكيد عليها أذنياً، وما يجري منذ حين من الدهر من جائحات تتهدد كينونة الكردي، يبرز الكردي أكثر من ذي قبل أسرع تجاوباً مع المخاطر المصيرية التي تواجهه، وكما هو الآن، إذ ليس على الكردي إلا أن يبحث عن صورة الكردي في ذاته، أن يصغي إلى الصوت الأكثر فلترة في روحه حباً بأهله، بناسه، بما يعيش من أجله، بوطنه المنتظَر، بشجره، بمائه، ببهائمه، بجماده المتحد باسمه
 ليس لدى الكردي حجة التنحّي عن ذلك، التغيّب عما يجري، ليس له من مسوّغ لأن ينكفىء على نفسه منتشياً بإكسير فئوية سام ومسموم وملغَّم، لا مبرّر له إن أراد تأكيد كرديته، كردستانيته، نوع إنسانيته كأي إنسان يعطى حق الإقامة في الحياة، وحق التصرف بحياته كما يليق بروحه التليدة، ليس له من مدخل إلى الحياة ككردي، إلا بالخروج المحتوم من شرنقة الكردية المتحزبة، المتقيحة على وقع” هذا لي، وذاك لي، وما بينهما لي، وما تبقى لسواي “، ومن غائلة الفئوية، وقمقم الأنوية، والانهزامية في الروح، والجهوية، ليس أمامه إلا اتجاه واحد هو جهاته الجغرافية الكردستانية ليكون في مقدوره أن يلوّح بكتابه الكردي الأكثر صواباً وتنقيحاً، كتابه الخالي من عثرات المحسوبية القاتلة، الضالة والمضلة، كتابه الجدير بالحمْل في يمينه، ليكون له حسن الطالع الكردي في الغد الكردي، حسن المقام في واعية حفيده وحفيد حفيد حفيده الكردي، حسن الإقامة في أرشيف الآخر، الكردي الموحد، وبالتوازي معه: الكردية ذات الأثر والمأثرة الكرديين، الكردية التي لها أكثر من ترنيمة توحد مع الحياة.
ما رأته عين كردية، ما سمعته أذن كردية، هو ما يريه الجاري، هو ما يجب أن يصاغ ويعمَّق، ويوسَّع نطاق عمله، ويحفَّز على الإتيان بمثله، ومضاعفة مجهوده، ودونها لا كردية يُحتفى بها. 
لا مجال للتأجيل في ظل المهدّد للكردي أنّى كان، صغيره وكبيره، أنثاه وذكره، فالكردي مطلوب حياً وميتاً، فلا عليه إلا أن يظهِر لمن يطلبه ميتاً نوع قوته الحياتية، وهو في عهدة وحدة الكردي باسم الجمع الأكبر، والكردي مشتهى لحمه من قبل أعدائه متعددي اللغات، فلا عليه إلا الاستناد إلى أعلى نبض فيه، والتشديد على مرارة لحمه لمن يأتيه قاتلاً، عذوبته في النقيض.
ما رأته عين كردية، هو ما تراه عيون الآخرين: من بيشمركة ومَن وراء البيشمركة، وأبعد من حدود المتابع لجسارة البيشمركة، وهو ما يجب التنبه إليه في بدعة تكوينه المطلوبة.
ما سمعته أذن كردية، هو صوته الذي يلتحم بخطاه، وخطاه بأزيز رصاص بسالته، وهدير مدفع إقدامه، وطرب هوائه وصفاء مائه، إذ يدحَر الأعداء.
ما رأته عين كردية، ما سمعته أذن كردية، أبعد من حدود كركوك القائمة، من حدود بعشيقة، من حدود ما وراء النهر الدجلوي الفاصل الواصل والمأمول، هو ما ينبغي الإسراع في بنائه جسداً موعوداً بقواه الحية ومأخوذاً بحياته الموعودة كما يستحق من الحياة، ويستحق حياة تقابل عينه التي تبحث في عتمة الليالي عن تسربات الأعداء المتشبحين والشبحيين، وتنبّه للانقضاض  المشروع عليهم، تقابل أذنه التي تلتقط الصوت المحبوس في صدور الأعداء المكربنة.
ما رأته عين كردية، ما سمعته أذن كردية، هو ما ينبغي على كل كردي أن يوقّت عليهما ساعة وقته الروحية، ما يجب على كل كردي أن ينظم على إيقاعهما الملحمي مشاعره وخواطره ودقائق يومه وثوانيه، ليحسن الامتلاء بالحياة، ليحسن الانتماء إلى الحياة، ليكون جديراً بوطن كردستاني هو حلم ملايينه المشروع، ليكتمل إيمانه الكردي، ولا مجال للتأجيل *.
م: استلهمت فكرة هذا المقال السريع من كلمة يردّدها حفيدي ” هريم Herêm  ”  ذو السنة ونصف السنة، وهي ” كُردم : Kurdim ” بصورة تقريبية ” ” kudim، التقطتها أذنه الطفلية من أغنية ذاعت شهرتها في ضوء الأحداث الأخيرة، كغيره من الأطفال، حيث أثَّر فيه إيقاعها الموسيقي.
دهوك، في 21 تشرين الأول 2016

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…