التفاوض… ومآلاته كردياً *

محسن طاهر
التفاوض بمفهومه الأكاديمي: علم (تمازجي تكاملي) يشتق من العلوم الاجتماعية وعلم النفس واللغويات والإدارة والعلوم السياسية والعلاقات الدولية وعلم الأجناس, هدفه التواصل بين المختلفين في اطار علمي ممنهج وتهيئة الوسائل الملائمة والمناخات المشتركة بين الناس على اختلاف ثقافاتهم وعقائدهم تجنباً لتفجير الصراع والجدل العقيم في غير الصالح العام, ويعتبر المفاوضات من اكثر العمليات الذهنية تعقيدا وفق دفيد بيل, ومن انجح اشكال التفاوض ما تسمى المباراة التفاوضية المبنية على مبدأ (اكسب,اكسب) وهي عكس المباريات (الصفرية) التي تعتمد على اربح أو اكسب كل شيء بينما الطرف الاخر يخسر كل شيء ويخرج صفر اليدين, وسبب شيوعه غياب ثقافة التفاوض المبني على (الكسب المتبادل) أو المحصلة لا تساوي صفراً .
الركائز العامة للتفاوض :
أولاً-الابتعاد عن الشخصانية, وتجنب التعرض للشخص وتشويهه, والتركيز على المشكلة كظاهرة, والبحث عن الطرق والحلول المفترضة لها. 
ثانياً-القدرة على الاستماع الجيد للآخر, وتوظيف ظاهرة الصمت بشكل مناسب وفي الوقت المناسب, وتجنب الغموض والأسلوب الغير المباشر, والتعويم والتكرار الممل وتبديد الوقت . 
ثالثاً- انتهاج مبدأ تحقيق الممكن, من خلال تحديد اولويات التفاوض, والنقاط التي يمكن التفاوض حولها, وتجنب التفكير الاحادي والتأمري وسوء الظن بالاخرين, والدفاع عن المغالطات او عدم الاعتراف بالخطأ مع إيلاء الاهمية القصوى لتوثيق احداث التفاوض .
من القواعد الرئيسة للتفاوض :
أولاً-لا تفاوض من اجل تبرير المواقف, حاول ان تسمح للآخرين بتفريغ شحنته العاطفية قدر الامكان, حاول انتهاز أي فرصة لإيصال رسالة طيبة رغم صعوبة الامر.
ثانياً-ترتيب خطوات طريقة التفاوض من خلال : لا تلم الآخرين على مشاكلك – حاول ان ترى طريقة فهم الآخرين للمشكلة والزوايا التي ينظرون من خلالها – حاول انت تعطي الطرف الآخر ما يمكنه من حفظ ماء الوجه. 
ثالثاً- التركيز على المصالح وليس على المواقف, من خلال تفهم حاجاتك وحاجات الآخرين, فمثلاً الامريكي او الاسترالي يعتبر مناداة الشخص باسمه الاول عملا وديّاً, بينما في الثقافات الفرنسية واليابانية العربية وحتى الكردية أمر غير محبب, كما أن أبناء امريكا اللاتينية يظهرون عواطفهم على مائدة المفاوضات, بينما اليابانيون يخفونها .
من الثقافات المعيقة للتفاوض : 
أولاً-ثقافة التناحر والتسلط: تعتمد على مبدأ المباراة الصفرية, وتهدف الى سحق الآخر او نفيه و اقصائه, تتمخض عنها الشخصية الاستبدادية, ويكون الحوار مجرد انعكاس لإرث الاستبداد المتأصل التي عمقتها حقبة غياب الديمقراطية . 
ثانياً-ثقافة التآمر: تتمثل في هيمنة التفكير التآمري على سوية الحوار, وهيمنة التصورات الافتراضية المسبقة للأحداث .
ثالثاً-ثقافة غيبوبة الماضي: وتجسد في تذكر الماضي جيدا ولكن نسيان دروسه وعدم متابعة الظروف المستجدة, والتطورات السريعة والمتلاحقة التي يشهدها العالم وفي كافة المجالات.
رابعاً-ثقافة الاستلاب: فقدان القدرة على رؤية البدائل والشعور بالأمان, والاستعداد للدفاع عن الوضع الخاطئ بذريعة التبرير العقلاني. 
خامساً-ثقافة الصمت والغموض السلبي وتبديد الوقت: ويتم توظيفها أما بسبب العجز في توصيل المعنى المراد أو الافتقار لشجاعة المواجهة الحقيقية وأحياناً الاثنين معاً.
من خلال المقدمة التعريفية بمفاهيم و(ميكانيزمات) والثقافات المعيقة للتفاوض يمكن الوصول ودون عناء الى مدى موائمتها أو مخالفتها للحالة السياسية الكردية في الوقت الراهن حيث الخطاب المنغلق على الذات وفقدان جسور التواصل بين المختلفين وعدم الاعتراف بعضهما ببعض وغياب ثقافة ومفاهيم الحوار الاخوي الكردي الكردي, والتفنن في مكننة ظاهرة التخوين والعداء وصولاً إلى الاشتباك السياسي والملاسنات الكلامية والمناكفات الإعلامية وتجاهل الواقع وضروراته الذاتية والموضوعية, وغياب بيان قوة الحجة للرأي العام الكردي في السير الاحادي الجانب, واعتماد قانون القوة في مواجهة الخصم السياسي الافتراضي وفي خضم هذا البحر الهائج والمتلاطم الامواج وما قد تستجد من الاحداث والتطورات اليومية, يتبادر للذهن ما تثير عصف الدماغ من الاسئلة حول ماهية ومفهوم التفاوض السياسي ومآلاته على الصعيد المجلس الوطني الكردي وحركة المجتمع الديمقراطي مفادها : 
ما موقع حركة المجتمع الديمقراطي (tv-dem) والمجلس الوطني الكردي (enk-s) من مفهوم التفاوض وماهيته؟ وفي أي إطار يمكن وضع وتقييم اتفاقيتي هولير ودهوك وملحقاتهما ؟ وهل استوفتا ركائز وقواعد التفاوض أصولاً ؟ أم أن العملية برمتها لم تتعدى حواراً كردياً كردياً تمّ الاستجابة له من قبل الطرفين برغبة اقليمية وأممية وتلبية للدعوة المخلصة من السيد الرئيس مسعود البارزاني ورغبته في وحدة الصف والموقف الكرديين في سوريا ؟ وهل استنفذ الوقت وانعدمت الحلول للحوار والتفاوض مجدداً في الوقت الراهن ؟ أم أنه لا تزال هناك افاق منظورة لجولات حوارية وتفاوضية جديدة ومرتقبة ؟ ولكن هل (tv-dem) تؤمن بالشراكة الندية او مستعدة أن تتنازل عن نصف مردودها السياسي والعسكري والإداري لصالح الشريك المفترض (enk-s) في قادم الايام ؟ ثم من قال أن (tv-dem) تقيم وزناً لـ (enk-s) أصلاً, لابل ترى فيه إطاراً خاوياً وجسماً ثقيلاً يخطو متسلحفاً بتراتيبيته المملة وتنظيره السياسي الخاوي الذي يصدع الرؤوس ويزكم الانوف ويسد الآذان ؟؟! 
المراجع :
– مقدمة في علم التفاوض الاجتماعي والسياسي للدكتور حسن محمد وجيه
– حوار الاجيال للدكتور مصطفى الفقي
– قضية للحوار للكاتب رجب البنا جريدة الاهرام 10/4/1993
* المصدر: جريدة كوردستان العدد 546

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…