زاوية نقاط على حروف *
تحولت دول أوربا الغربية خلال النصف الثاني من القرن المنصرم إلى ملاذ آمن للهاربين من استبداد السلطات الحاكمة في بلدانهم, واحتضنت طالبي اللجوء السياسي من مختلف دول العالم, على أثر الحروب الأهلية والصراعات الدموية التي شهدتها العديد من البلدان مثل أفغانستان وبعض دول أوربا الشرقية والصومال … في العقود الأخيرة, وتدور رحاها حالياً في المنطقة العربية وشرق المتوسط وجنوبه. يشهد العالم أكبر موجات هجرة جماعية باتجاه أوربا, وهذه المرة تحت مسمى اللجوء الإنساني, قوافل اللاجئين لا زالت تتدفق رغم اتفاقيات وقوانين وإجراءات اتُخذت للحد منها, ومع تدفقها تستمر النزاعات والمقايضات بين دول المرور (الترانزيت) ودول الملاذ, وتحتد منافسات بين أحزاب حاكمة وأخرى معارضة, تتسبب في انحسار شعبية تيارات تقليدية وصعود أسهم أحزاب جديدة وظهور توجهات وأفكار مختلفة تتناول ملف اللجوء وتبعاته وتأثيراته على المجتمعات الغربية ومستقبل أجيالهم.
ألمانيا والسويد تستوعبان أكبر عدد من اللاجئين، إذ تكاد نسبتهم تصل إلى 10% من السكان الأصليين, الحكومات الأوربية وألمانيا – هنا مثالاً- وضعت برنامجاً متكاملاً لهؤلاء الوافدين يسمى برنامج الاندماج, يبدأ من الإيواء في معسكرات ثم منح الإقامة والسكن والضمان الصحي ومخصص يكفي لمعيشة متقشفة وتعليم لغة البلد في مدارس خاصة، ومن ثم توفير فرص عمل خلال فترة زمنية محددةً، بكلفة شهرية لكل لاجئ يقدر بألف يورو.
برنامج الاندماج لا يطمح إلى انسلاخ عرقي أو انحلال ثقافي بقدر ما يهدف إلى توفير مستوى معرفي وأرضية ثقافية تستوعب التناقضات الاجتماعية وتؤمن تشاركية سلسة. مع ترك هامش فضفاض يكفي لممارسة جميع الخصوصيات.
رغم تهافت اللاجئين أنفسهم على الأمان والرخاء في أوربا هرباً من جحيم بلدانهم ورغم مرونة القوانين وسلاسة الاستيعاب, يبث الإعلام المحلي بشكل مستمر حالات موثقة من الصدام والاصطدام بين العقلية الشرقية والثقافة الغربية، ينفجر على إثرها الكبت الشرقي المستدام ويخلف ضحايا من خلال صور وأحداث متناقضة .. لاجئ يسرق ! ويبرر ذلك بأنه يغتنم من مال الكفّار!, وآخر يطلّق زوجته فور وصولهما ليعيشا كأصدقاء! بغية الحصول على مبلغ زهيد زيادة على مخصص زوجين نظاميين حسب القانون المحلي ! , جريمة قتل فتاة مراهقة على يد لاجئ بعد الاعتداء عليها, سرقة بيت زوجين متقاعدين, سوري يرمى أطفاله الثلاثة من شرفة الدار، لأنه وجد في فراشه الزوجية رجلاً آخر, وسوري آخر ترك عائلته وعاد إلى وطنه وحيداً لأن الزوجة لم تعد رعية طيّعة… سيدة تصل للتو عن طريق لم الشمل بدعوة من زوجها, تستفسر محامٍ من خلال الهاتف عن إمكانية الطلاق فوراً والخروج من المطار حرّة وزوجها لا زال يمسك باقة ورد في انتظارها!, وأخرى تنشر في صفحتها على الفيس بوك يوميات زوجة متمردة بكل التفاصيل والحركات !, وأخرى تترك وليدها على قارعة الطريق وتختفي !… استنفار أمني في محطة مترو واشتباه بحقيبة موضوعة على مقعد, هجوم رجل ملتح على حانة وهو يكبّر ويهدد بتفجير, خلايا نائمة تهدد وتتوعد على صفحات التواصل بحرق أوربا الكافرة … وآخرون يعلنون ارتدادهم عن الإسلام, يعتنق أحدهم المسيحية في بث على قناة تلفزيونية وآخر يتحول إلى يهودي ويعتذر من أهله وآخر ينشر في يومياته سؤالاً وجيهاً ” لو كانت أوربا مسلمة، إلى أين كنا سنلجأ نحن المسلمون ؟ وممن كنا سنطلب اللجوء؟!.”
الغالبية الساحقة سوف تتقبل الواقع الجديد دون شك، لكن طالما هنالك حوادث عنف ترتكب بين فترة وأخرى يصنفه الرأي العام في خانة الانحلال الأخلاقي وتنسب إلى اللاجئ حتى وإن كانت نسبة من يرتكبونها ضئيلة جداً، سيبقى الأوربيون يتعاملون مع الوافدين بحذر ويشككون بجدوى برامج الاندماج … وربما تأتي حكومات جديدة تُسيّر قوافل هجرة معاكسة وتعيد كل من لا يقبل بثقافتهم إلى وطنه الأصلي من خلال اتفاقيات خاصة أو مساعدات مالية يمنحونها لحكومات تلك البلدان.
* جريدة الوحـدة – العدد / 278 / – الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي)