حفيدتاي الأجنبيتان إلى ألمانيا الكُردية

ابراهيم محمود
إيه وأوّاه وآه، يتها الحفيدتان ” أويانا وآورينكَ”: حفيدتاي الغضّتان نزيلتا روح ونازلتاه بغتة، وأنتما تنسلّان من قامشلو المختلة في روحها، تخرجان من هولير المعتلة في روحها إلى ألمانيا التي ستشهد المزيد من نزيف الكردية وهي معدومة الكردية، أعرف أن الهواء لن يعلِن الحداد على نقلتكما القسرية بغيمة نائحة، ولا الجبال بخارجة عن مستقرها بانفطار صدع فراق، ولا الزمن بموقف ساعته وقد ضاق بتصريف أزمنة الكردية طويلاً طويلاً، أعرف ذلك وأكثر من ذلك، لكنه الروح الذي يستصرخ ما لا يُسمى، الروح التي تستصرخ لغة منقسمة على نفسها في هذا الضرب من الفراق يا فاجعة روح جدكما المفتوحة.
أي طفولة ستبقيانها لكردية ضاقت بكرديتها على وقْع طعان الكردية في نفسها؟ أية قشة ستتركانها لروح تعيش شيخوختها منذ زمان زمان حدَداداً على جغرافيا تسمّيها الكردية في حروف لا تعرف الالتئام جرّاء طعان لا تهدأ في معمعان مستجدات قارعة ؟
إنه فجر هولير ” هولين ” المصدوم داخلي بما يجري، وقد أسقِط في يدي، وأنتما طوع زمن لا يعِدُ مجهوله بمعلوم يؤاسي جداً يعيش ارتجاج المكان الكردي الخارج عن محوره تحت وزر تاريخ لا يشبُّ عن طوق عدمه. ألا ما أقصر يديّ عن مطاولتكما وأنتما تهِبان المطار صحبة أمكما صحبة انجراحات تطير بكن ثلاثتكن، والعجْز عن التلويح برسم وداع، ما أضعف عينيّ وهما في خورهما وقد طاف دمعهما الدامي لأتابع تواريكما عن الأنظار، ما أجبنني وأنا في بلاهة المكان المسنود إلي اللامكان تقديراً، إذ تتناهبني جلجات الألم المكين على طرق غير معهودة دون مكابح !
أي: حفيدتاي الأجنبيتان اعتباراً حيث كرديتكما مفجوعة بهذا الرحيل الثقيل في اتجاه اضطراري واحد، وأنا منقسم في أكثر من اتجاه، لا يرأب صدع روحي في هذا الخطب الجلل، وأنا المنهوب بالمكان الكردي من ” روج آفا ” التي لم تعد ” آفا “، إلى مكان مكرَّد ولا دخل له بالكردية لا من قريب أو بعيد، كيف لي أن أسمّيكا بعد الآن حفيدتي وأنتما تحفّان في روحي، في بقية روحي الشائخة قبل الأوان، عن أي كردية تعنيكما أتحدث بعد الآن وأنتما منذورتان لأكثر من لغة ليس لكرديتكما المرحَّلة الحد الأدنى من حيلة الاتقاء والإبقاء على شكل الاسم عينه ؟
أي: حفيدتاي الكرديتان أصولاً، وقد فجِعت الأصول بأصول كردها، عن أي كرد يمكنني الحديث بعد الآن، وقد شارف ” هذا ” الكرد قواسم شقاقاته المشتركة قبل الآن، وليس بعد الآن إلا ما ينذر ” هذا ” الكرد إلا بالاختفاء المريع؟ وليس لي إلا أن أقرّع نفسي التي ضاقت بي على وقْع هذا التقريع المتنامي، كما لو أن ” هذا ” الكرد بنوع انشطاره الفظيع موهوب للغتي لتعيش المزيد من ابتداع أولي أمرها ” اللاأصلاء “، ” اللاغيارى ” أصولاً، وأنا أتلمس بكامل مساماتي الهواء المنهوب على حدود الانقسامات الكردية مشرقاً ومغرباً وأنتما كما كان الذي كان قبلكما، وكما سيكون من سيكون بعدكما في رسم المصير المتهاوي من جسد الكرد بالجملة، جملة تكتسي عسف الفعل بفاعله وفاعله بفعله فلا يعود لها محل من إعراب الزمن الفعلي، إعراب اللغة التي وعِدت بها كما وعِد جد جدي إلى أجل غير مسمَّى.
تُرى هل سأحتضنكما يوماً وأنا أحسن رؤية وجهيكما دون أن يصيبه هواء المجهول بخدش طاعن، وأنا أمرّر يدي على وجهيكما دون أن ينال من براءته هول الجهة الجديدة، أن أبكيكما بثمالة فرح محتضر، قبل أن يواريني ثرى لا أعرف نوع لغته، نوع أهله، نوع جهته، نوع موته، نوع كرديته، نوع…. وقد حرّرت هذه الكلمات وأنا مقيّد بما لا قدرة لي عن فك أسري منه  ؟!
دهوك ، في 19 تشرين الأول 2016 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي المرء لا يذهب إلى طاولة المفاوضات وهو خالي الوفاض وإنما يذهب وهو متمكن وقادر والمفاوض يكشف أوراقه تدريجياً تبعاً لسير العملية التفاوضية فعند كل منعطف صعب وشاق يقدم المفاوض بطريقة أو بأخرى معلومة ولو صغيرة حول قدراته على إيقاع الأذى بالطرف الآخر من أجل أن يكون مقنعاً فعليه أن يسأل عن مقومات الندية والتي تتركز على مسألة القوة…

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…