الطريق إلى الجحيم يمر من كوردستان

جان كورد  
 غزاة الشرق والغرب عبر التاريخ مروا من كوردستان، من زمن الإمبراطورية الآشورية إلى نهاية الاحتلال البريطاني، قروناً بعد قرون، المغول والتتار والأتراك، جحافل العرب الذين جاؤوا من صحارى نجد والحجاز واليمن، إسكندر المقدوني وبعده المرتزقة الاغريق لدى الجيش الفارسي مروا أيضاً عبر كوردستان، والصليبيون جاؤوا من الغرب فاحتلوا أطرافاً منها، ومن ثم جاء المستعمرون البريطانيون والفرنسيون ليقسموا كوردستان إلى عدة أجزاء انتقاماً من السلطان الناصر صلاح الدين الكوردي الذي طرد أجدادهم بالجملة من الشرق الأوسط، وحكم على كوردستان قروناً من الزمن العثمانيون الذين كانوا يقدمون على ذبح أشقاء ملكهم وأزواجهم وأولادهم، بل حتى أولاد السلطان نفسه، خدمةً لدينهم الذي هو خليط عجيب ورهيب من عادات وتقاليد عشائرهم الطورانية البدائية ودين الإسلام الذي كانوا يفسرون آياته كيفما يحلو لهم… 
ومن ثم البعثيون العرب الذين كانوا يحلمون بتعريب كوردستان واسبانيا وبلاد الأمازيغ وأفريقيا كلها، واليوم أوباش الإرهاب وأجناد الأعراب وأوغاد طوران وأصحاب العمائم من فارس التي ملؤها الدجل والنفاق يهاجمون كوردستان، وبمختلف الأسلحة من قصف طيران وإعدامات بالجملة وخطف النساء وتقتيل الأطفال… كلهم مروا ويمرون من أرضنا، فالطريق إلى جهنم يمر من كوردستان… بعضهم يبحث عن توسيع لأراضيهم ولأموالهم، ناهبين غانمين، وبعضهم يبحث عن مفتاح الجنة في جبالنا المروية بالدماء، كما أن سواهم قد أتى ليسلبنا حريتنا وكرامتنا وشرفنا بعد أن استولى على أرضنا التي لم يتمكن أحد من قهر أبنائها إلى ما يشاء. 
فما السر في أن كل المعتدين الآثمين يمرون من وطننا ويقدرون على إقامة معسكراتهم ونشر أفكارهم وتدمير ما نبنيه لنا وتقتيل وتشريد شعبنا ونهب ثرواتنا؟
هل السبب هو أن كوردستان تقع على الطريق بين الشرق والغرب، بين الشمال والجنوب في منطقة هامةٍ من العالم؟ أم لأنها ثرية بالخيرات والثروات وفي غايةٍ من الجمال الطبيعي؟ أم أن هناك سبباً آخر؟
بالتأكيد هذان سببان هامان للغاية، ولكن هناك ما هو أعظم، فالكورد كانوا على الدوام ولا يزالون منقسمين على أنفسهم ومنهم من لا يشعر بوجود ذرةٍ في قلبه من الوطنية والولاء لقومه، على عكس التركي الذي يضع قوميته فوق عقيدته في أغلب الأحيان، ومن الكورد من يجد الخضوع للحاكم الأجنبي أمراً طبيعياً لأنه فقد الإيمان أصلاً بقيام أي كيانٍ كوردي في حياته. 
أنظروا إلى مدينة حلب السورية التي تعرضت حتى الآن إلى آلاف الغارات الجوية الوحشية من قبل الطيران الروسي والسوري ولا تزال تتعرض يومياً إلى قصفها بمختلف الأسلحة ومنها المحرمة دولياً، ولا تستلم، أما نحن الكورد، فإن مجيء قاسم سليماني من إيران أو أي تابعٍ له إلى سليمانية الشيخ محمود برزنجي يثير الرعب في بعض قيادات شعبنا، و إن أحد طواويس الحشد الشيعي الطائفي إذا ما أطلق تهديداً ضد الكورد، تبدو وجوه بعض القادة الكورد، أحفاد صلاح الدين الذي لم يخف أوروبا كلها شاحبة… وذلك لأن مجازر الأنفال وحلبجة وما سبقها من مجازر الترك والفرس في بلادنا قد تركت آثاراً نفسية سيئة في نفوسنا، فجعلت حتى المثقف الذي كان من المأمول أن ينير طريق شعبه مستعداً لأن يصبح بوق دعاية في معية نظامٍ دموي يحكمه.
كل الغزاة الذين مروا من كوردستان ذهبوا إلى الجحيم، والذين بحثوا عن مفتاح الجنة فيها عادوا خائبين، إلا أن الكورد بأنفسهم يذهبون اليوم بكوردستانهم إلى الجحيم، بخصوماتهم وترددهم بصدد حريتهم واستقلالهم وبتعنتهم ضد بعضهم في هذه المرحلة الخطيرة من تاريخ جنوب كوردستانهم وتسلط بعض الحمقى والسارقين على بعض أحزابهم، فهل يعقل أن يقودهم عميل مخابرات تافه في غرب كوردستانهم إلى الهاوية وهم غير قادرين على وقفه، وظناً منهم أنه سيأتي لهم بالحرية والفيدرالية وحقوق الإنسان التي لم يحترمها بنفسه في يومٍ من الأيام، وهل يعقل ألا يستطيع أكثر من 20 مليون إنسان في شمال كوردستانهم من اسقاط خرافة “الدولة التي لا تقهر!” على مستوى العلاقات الدولية أو من خلال تحريك الشارع القومي برمته، وهل يعقل أن تكون هناك عدة ثورات في شرق كوردستانهم في آنٍ واحد ولا تتمكن أحزابهم فيها من توحيد قواهم القتالية؟ 
إننا شعب نتوجه إلى الهاوية بمحض إرادتنا وبسبب ضعف وتشتت وتناحر قياداتنا… فلا يسخرن أحد من أحد فنحن غارقون في الخيانة لقضيتنا بسبب هذه التناقضات التي نهشت حراكنا السياسي – الثقافي.     
‏14‏ تشرين الأول‏، 2016

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

خالد بهلوي تحت شعار “وقف العنف والتهجير – العيش المشترك بسلام”، وبمبادرة من مجموعة نشطاء من الشابات والشباب الغيورين، شهدت مدينة إيسين الألمانية يوم 21 ديسمبر 2024 وقفة احتجاجية بارزة للتعبير عن رفض الاحتلال التركي والتهديدات والانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الكردي المسالم. الحضور والمشاركة: حضر الفعالية أكثر من مائه شخصً من الأخوات والإخوة الكرد والألمان، إلى…

د. محمود عباس ستكثّف الولايات المتحدة وجودها العسكري في سوريا وستواصل دعمها لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية. تدرك تركيا هذه المعادلة جيدًا، وتعلم أن أي إدارة أمريكية قادمة، حتى وإن كانت بقيادة دونالد ترامب، لن تتخلى عن الكورد، لذلك، جاء تصريح أردوغان بعد عودته من مصر، ووزير خارجيته من دمشق اليوم كجزء من مناورة سياسية تهدف إلى تضليل الرأي…

شادي حاجي المرء لا يذهب إلى طاولة المفاوضات وهو خالي الوفاض وإنما يذهب وهو متمكن وقادر والمفاوض يكشف أوراقه تدريجياً تبعاً لسير العملية التفاوضية فعند كل منعطف صعب وشاق يقدم المفاوض بطريقة أو بأخرى معلومة ولو صغيرة حول قدراته على إيقاع الأذى بالطرف الآخر من أجل أن يكون مقنعاً فعليه أن يسأل عن مقومات الندية والتي تتركز على مسألة القوة…

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه”1970-2024″ كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. إذ إن بعض…