الكتابة على حد الشفرة

عمر كوجري
 

الكتابة الحقة انزياح عن المألوف، ورغبة محمومة بالتجاوز، وعدم الركون إلى المقولة المنجزة التي طرق بابها كثيرون، فالجملة المنجزة إذا بقيت على حالها دون توليف واضح، أو رغبة من كاتبها في تجاوز القائل السابق لارائحة ولا نكهة لها، بل لادواعي ولا مبررات لكتابتها أصلاً.

فهناك كتابة على حد السيف، وثمة كتابة على حد الألم، وكتابة على حد الموت، وكتابة على حد الشفرة.
هناك كتابة جريئة..

عالية منحازة إلى الإنسان في كل زمان ومكان، تدافع عن قيم الحق والجمال، وتبحث عن النقاء في زمن التلوث الذي طال حياتنا على كل الأصعدة، وهي كتابة شرسة..

كاتبها يسير على حد الشفرة متلذذاً بألمه الإنساني الكبير..

صعبة..

محفوفة بالمخاطر غير محمودة العواقب، وربما تدفع عنق صاحبها إلى الجز، وفي أحسن الأحوال تدفع بصاحبها إلى غياهب الأقبية الرطبة التي تكثر فيها القوارض والزواحف، وبعض مالا يصطلح على تسميتهم بشراً.
وثمة كتابة تخاف حروفها حتى من بعضها، تبحث وسط الظلام عن أي حائط لتطلب لاهثة مقطوعة النفس من ربها السترة، هي كتابة ولدت أصلاً لتموت، خائفة من ظلها، ومنكمشة على ذاتها، ترتعب من هسيس ورقة، ولايهمها غير سلامة كاتبها، وأصحاب هذه الكتابة كثر من ضمنهم أصحاب الخطوط «الجميلة» وأولئك الذين يحولون القرد البائس إلى غزال في عين أولياء النعمة.
هؤلاء محظوظون..

حياتهم مبحبحة..

يتسلقون المناصب كالسعدان، وبرشاقة لاتثير سوى الشفقة والتهكم والاستهجان، مرسوم لهم خط سير إبداعهم «إن كانوا يملكون إبداعاً أصلاً».

فقط عليهم أن يملوا لا بوحي ضمائرهم، بل بوحي من برى القلم على مقاسهم، وقلَّمَ أظافرهم، وأدخل الشلل في تفكيرهم.
وكما كل أمور حياتنا أشد مانكرهه هو مصطلح الوسط، «ياأبيض ..

ياأسود..

والرمادي مانحبهوش».
عندنا لاخيار أمامك..

هي واحدة من اثنتين إن ساقك القدر، وفكرت بامتهان هذه المهنة هذا إذا كانت تسمية «مهنة» صائبة في أعرافنا التي لاتشبه أعراف أحد.
الخيارات المغلقة – وإذا أردت المفتوحة أمامك – هي إما أن تكون «كاتباً لوصيتك» حسب الغالي ناجي العلي، وتتحدى بلدوزر ومدحلة التدجين والتلقين، وتلقي الخوف من غير أسف في أقرب حاوية، وإذا كان قلبك من النوع الذي يرقص كثيراً فلست مؤهلاً للانضمام إلى حزب الكتاب الشجعان.

عندئذ دع القلم ينام ويشخر على الطاولة، وابحث عن مصلحة أخرى.
والخيار الثاني أن تكون كاتباً تحت الطلب..

كاتباً للتقارير بالعبارة الفجة.

أن تكون ببغاء تردد ببلاهة مايطلب منك ترديده، والويل وسواد الليل لك إن حلمت بجناح تطير به..

حتى الحلم ممنوع عليك.
فأيهما تختار:
الكتابة على حد الشفرة أم الكتابة على طرف النسيان والتلاشي؟؟
ياإلهي!! ماأقل راكبي الحافلة الأولى، وما أقلَّ مختاري الخيار الثاني!!

ماأضخم حزب الببغاوات!! وما أصغر، وما أضعف حزب الذين يحملون أرواحهم على أكفهم ويجازفون بأصابعهم وسط الموج الذي لايرحم.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

خالد بهلوي تحت شعار “وقف العنف والتهجير – العيش المشترك بسلام”، وبمبادرة من مجموعة نشطاء من الشابات والشباب الغيورين، شهدت مدينة إيسين الألمانية يوم 21 ديسمبر 2024 وقفة احتجاجية بارزة للتعبير عن رفض الاحتلال التركي والتهديدات والانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الكردي المسالم. الحضور والمشاركة: حضر الفعالية أكثر من مائه شخصً من الأخوات والإخوة الكرد والألمان، إلى…

د. محمود عباس ستكثّف الولايات المتحدة وجودها العسكري في سوريا وستواصل دعمها لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية. تدرك تركيا هذه المعادلة جيدًا، وتعلم أن أي إدارة أمريكية قادمة، حتى وإن كانت بقيادة دونالد ترامب، لن تتخلى عن الكورد، لذلك، جاء تصريح أردوغان بعد عودته من مصر، ووزير خارجيته من دمشق اليوم كجزء من مناورة سياسية تهدف إلى تضليل الرأي…

شادي حاجي المرء لا يذهب إلى طاولة المفاوضات وهو خالي الوفاض وإنما يذهب وهو متمكن وقادر والمفاوض يكشف أوراقه تدريجياً تبعاً لسير العملية التفاوضية فعند كل منعطف صعب وشاق يقدم المفاوض بطريقة أو بأخرى معلومة ولو صغيرة حول قدراته على إيقاع الأذى بالطرف الآخر من أجل أن يكون مقنعاً فعليه أن يسأل عن مقومات الندية والتي تتركز على مسألة القوة…

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه”1970-2024″ كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. إذ إن بعض…