جرعة من الديموقراطية لكوادر الأمة اللاديموقراطية

جان كورد
  
 تتوالى الأخبار غير المفرحة عن اقتحامات عنيفة لبيوت المواطنين الكورد من دون سواهم في المنطقة التي لا تزال تسيطر عليها وحدات الحماية الشعبية، وبأسلوب همجي ومختلف تماماً عما عليه المداهمات البوليسية في الدول المتقدمة، حيث يتم مراعاة لوائح خاصة بحقوق أصحاب المنزل الذي تتم مداهمته، ففي ألمانيا مثلاً يجب قبل كل شيء أن يكون تفتيش منزلٍ ما بقرارٍ صادرٍ عن قاضي يتولى قبل ذلك أمر التأكد من أن الحاجة للتفتيش لدى المواطنين موضوع الاستهداف السلطوي حاجة ضرورية تمس فعلاً أمن الدولة والمواطنين، وليس بسبب رغبة حزبية ما، و أن يكون مع عناصر الاقتحام عنصر خاص منهم يصوّر كل شيء بكاميرا الفيديو، منذ لحظة الوقوف عند باب المنزل وإلى نهاية البحث والتفتيش فيه، كما يجب أن يكون معهم موظف مراقب على عناصر المداهمة من دائرة التنظيم التابعة للمدينة، وليس من الشرطة ذاتها، بهدف نقل أحداث العملية بدقة كاملة، ووضع المعلومات دون حذف أو تحوير أمام القاضي الذي سيطالب بالفيديو وبشهادة الموظف المراقب إن اقتضت الحاجة، أو فيما إذا احتج صاحب البيت على خرقٍ ما لحقوقه من قبل رجال الأمن أو الشرطة التي قامت بمداهمة منزله.  فإلى أي درجة هي عمليات البحث عن “المجرمين!”  أو “المشتبه بهم!”.
فإلى أي درجة تنطبق صفة “الإجراء القانوني والديموقراطي والمحافظ على حقوق المواطنين” على عمليات الاقتحام السلطوي لما يسمى بحزب “الاتحاد الديموقراطي”، الذي يطرق كل أبواب أوروبا في محاولةٍ لإقناع الأوربيين بأن ليس هناك “ديموقراطية” أروع من ديموقراطيتهم الإيكولوجية؟
من شروط “الديموقراطية” أن تكون هناك “معارضة ديموقراطية” للنظام المتسلط عن طريق القوة أو عن طريق “صندوق الانتخاب”، فما هي وأين هي المعارضة الديموقراطية لنظام حكم الإدارة اللاذاتية واللاديموقراطية في شمال سوريا؟ طبعاً سيتذرّع بعض الكوادر بأن سوريا ليست أوروبا، وأن الإدارة الذاتية ليست نظام الأحزاب الديموقراطية في أوروبا، فنقول: إذاً كفى زعماً من قبل رؤسائكم بأنكم قد أقمتم نظاماً ديموقراطياً في شمال سوريا. فماذا تقولون عن دعوة حليفكم السيد حميدي دهام الهادي في بداية هذا الشهر (أوكتوبر) للرئيس السوري الذي يعتبره المجتمع الدولي رئيس سلطة دموية (غير ديموقراطية) لزيارة “الجزيرة التي ترفرف عليها راية الديموقراطية والتعايش بين مكوناتها؟” أهذه الدعوة تمت من دونكم؟ أم أنكم دفعتموه للإعلان عنها لتبرروا بذلك جرائم بشار الأسد ونظامه والتطبيل لديموقراطيتكم التي لا مثيل لها في العالم في ظل الرئيس الديموقراطي هذا الذي سفك دماء مئات الألوف من السوريين؟ وهل سمحتم للمعارضة في المنطقة أن تقول كلمتها في هذه الدعوة؟ أم بحكم ديموقراطيتكم يحق لكم ولحلفائكم من أمثال حميدي الهادي فقط أن تقولوا ما تشاؤون وتدعون من تشاؤون لزيارة مقراتكم التي تسطع منها شمس الديموقراطية؟  
ما موقفكم من الجمعيات والتنظيمات الثقافية التي تستنكر قمعكم للمواطنين وفرضكم الضرائب الباهظة عليهم وسعيكم من أجل تزويد نظام الأسد بشباب الكورد ليصبحوا جنوداً له ووقوداً لنار الحرب، فهل سمحتم أو تسمحون لمعارضة بممارسة استنكارها لسياستكم التي ستدفع بالشعب يوماً للخروج في مظاهرات حاشدة للمطالبة بإسقاطكم لأنكم لا تختلفون في شيء عن نظام الأسد المعادي للحريات السياسية وللديموقراطية وحقوق الإنسان؟
فهل من الديموقراطية أن تعاملوا الإعلاميين ومراسلي الأقنية التلفزيونية كلصوص ومجرمين، وأن تطردوا رؤساء أحزاب من وطنهم، وأن تتهموا كل من قال عن سياستكم شيئاً لا تحبونه بالعمالة لأردوغان وبالخيانة العظمى، وأنتم بأنفسكم في سعي مستمر لإقامة “علاقات ودية” مع حكومة أنقره، وتلتقون سراً بمسؤولي مخابراتها؟ 
الديموقراطية أيها السادة، ولا نشك في أن كثيرين منكم مستعدون للتضحية بالنفس من أجل مبادئهم، ليست في التنكر للكورد  وكوردستان في أدبيات حزبكم، وليست في استخدام السلاح كوسيلة لإسكات المعارضة، كما أنها ليست كابوسكم الذي تضعونه على صدر الهيئات السياسية والثقافية المعارضة، وإنما هي ثقافة وأسلوب إدارة عصرية وقدرة على تقبل النقد وعلى مقاومة مدنية متبادلة بين الحاكم والمحكوم، بين النظام والمعارضة، بين الديموقراطية الصاعدة والدكتاتورية الفاشلة… فقولوا لزعمائكم أنكم مستعدون للتضحية من أجل الكورد  وكوردستان وليس من أجل مشاريع طوباوية لا علاقة لها بأرض الواقع، وقولوا بأنكم مع “اتحاد ديموقراطي” حقيقي، يفسح المجال لممارسة الحريات السياسية والتمتع بالاختلاف الثقافي والسعي لبناء المجتمع الذي دعائمه النقد الذي بدونه لا مجال للتحرر والتقدم والتطور، ونحن الكورد في أمس الحاجة لمثل هكذا “اتحاد” وليس لما هو أداة لتشويه الديموقراطية. 
‏03‏ تشرين الأول‏، 2016

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…