مشعل التمو عميد الشهداء وسنديانة الثورة ..!!

اكرم حسين
 
الكتابة عن مشعل ذات هموم وشجون ، لم يكن مشعل شخصا عاديا ، بل قائدا استثنائيا ومشروعا تغييرا لم يكتمل ، تعوَّد ان يسير بالاتجاه المعاكس وضد قوانين المجتمع ، تصدى للتخلف الكردي وحاول نسفه من الجذور، خاصة في الجانب السياسي ، تقاليد المجتمع وعاداته ، علاقاته مع الماضي، عبر كتابه ” رؤية نقدية في ظاهرة التخلف السياسيّ الكرديّ في سوريا ” خرج على كل القوانين والشرائع الوضعية والسماوية التي تعارف عليها الناس ، َنسَفَها ثم كال عليها التراب ، ظنا منه بانها ما عادت من الحياة بشيء ، لم يتقبله المجتمع ، الاهل والاصدقاء نبذوه وقاطعوه ، اخوته ، اولاد عمومته ، معظم الذين يذرفون عليه الدموع ، ويدّعون السير وراء نهجه ، الجميع  اعتبر ما قام به مشعل ، خروجا عن تقاليد العشيرة وتهديدا لكل قيم المجتمع ومقدساته، حمل عليه الناس فاتهموه ، لكنه لم يأبه لترهاتهم واقاويلهم التي لا تسمن ولا تغني ، عناد مشعل استطاع ان يقيه من ظلم الناس وشرورهم .
كان مشعل مستعداً للخطر والمسائلة ، يجاهر بآرائه ويتحدى كل اعتبارات السياسة القائمة ، يخبو نور مشعل احيانا لكنه لا ينطفأ ، حتى اذا جمع خفاياه انطلق منه وميض يخشع الابصار ، خطيئة مشعل المميتة انه لم يولي التنظيم اهمية ، ولم يحسب للسلطة حسابا ، كان بيننا  تعامل قائم على الوعد والثقة ، ثم تطورت الدائرة لتشمل جوان يوسف .
يختبئ وراء مظهره الجدي انسان عادي وبسيط ، يخدعك مظهره ، يوهمك بجديته المفرطة ، لكنه يمارس الحياة من اوسع ابوابها ، سريع البداهة،  ثاقب النظرات،  عنيد بمبادئه ، مرن في حواراته الجميلة ، يتكلم الكردية بطلاقة ، يكتبها بشكل رائع واخاذ ، يهوى القراءة والكتابة والسياسة ، يتماهى معها لدرجة الذوبان.
ليس سهلا ان تنتزع  سرا من مشعل ، لكنه يستطيع ان ينتزعك من ماضيك القديم ،ليزرع فيه الحب والامل ، يؤمن  بأفكاره  ويكافح في سبيلها ، لا يقتنع الا بصعوبة ، فاذا فعل تشبث بعقيدته الجديدة ، ينتظر بإيمان كبير كي تتحقق احلامه التي يريد تجسيدها ، كأحلام الشعب الكردي في اقامة دولة كردستان ، كان يردد ” لن نساوم على الجزء الكردستاني الملحق بسوريا “، يستمع اليك احيانا وهو في مكان اخر ،  لكنه سرعان ما يفاجئك بطاقة عجيبة على الحديث والحياة ، يستثمر في السياسة كل ما يملك ، هادئ ، لكنه اذا انتفض يسيل الطوفان من بين قدميه ، كلي النظرة ، يمتلك قدرة هائلة على السرد والخطابة ، لم تكن تنقصه حرارة العاطفة رغم قوة الارتجال ، بل العمق الذي يفتقر اليه ، يجري ويلهث وراء الاحداث ، يفتعلها ، يتابعها ، بكل تفاصيلها ويبني عليها موقفه السياسي ، مشاركته الوطنية واسعة ، لكنه انزلق فيها اكثر مما ينبغي ، حافظ على استقلاله السياسي والفكري ، لكنه لم يبتعد عن بعض الصغائر  او بعض الاشخاص الذين لم يقطع الصلة بهم رغم كل التحذيرات ، يخطط للمعارك بدقة فائقة ،  يختار الزمان والمكان ، يستعجل في طرح مواقفه ،  بذل جهدا كبيراً  في تظهير تيار المستقبل ، لكن رفاقه خذلوه ، لذلك كان التيار ينمو ببطء وينصهر في الاحداث الجارية ،حاربته  الاحزاب بلا هوادة ، ، يمتد بجذوره الى الاتحاد الشعبي الكردي في سوريا ،انفصل عنه  بسبب خلافات مع صلاح بدرين الدين في نهاية التسعينات ، اعتبر المسألة الكردية جزء من  قضية الديمقراطية ، راهن على الشعب كثيرا الا انه لم يجني منه سوى الخذلان ، اراد تغيير المجتمع الكردي ، فتغير بعكس ما فكر فيه ،وبخلاف ما  أراد .
حارب مشعل حراس العقائد ، وقف في وجهه الجميع  ،بحجة الحفاظ على الهوية والثوابت والرموز، وضع اصبعه على الجرح ، تلمس افة الانشقاقات التي اجتاحت جسم الحركة السياسية الكردية .
مشعل طفرة كردية في زمن غير كردي ، لذا كانت حياته قصيرة، حاول ان يتقمص  صورة القائد الكردي السوري الذي افتقدته الساحة السياسية الكردية السورية ،لكن لم تكتمل ، فوقف  الارهاب و التوحش  بالمرصاد ، حاربته جميع الاحزاب بلا هوادة ،بما فيها لجنة التنسيق التي كان جزءا منها ،كل ما يقوله او يفعله كان يدخل في خانة القضية ، يخرج من نطاق الصمت ليستقر في دائرة البوح والحركة ، في وقت كان فيه المجتمع الكردي قبائل ومجموعات متعادية ومتناحرة ،اعتقل بسبب خطأ بسيط كلفه ثلاث سنوات من السجن ، عندما نطق القاضي بالحكم هدر صوته من وراء القضبان ، زلزل صداه القاعة قائلا” كل شيء يهون من اجل حرية الشعب السوري “، ارتعد القاضي ، تدخلت الشرطة لان صوت مشعل لم يتوقف ،ردد الجميع حرية ..حرية بالروح بالدم نفديك سوريا ..
بعد اندلاع الثورة وخروجه من المعتقل لم يهب مشعل النظام ، استمر على عهده مناضلا صلبا في مواجهة الاستبداد ، نزل الى الشارع وسار مع الشباب ، هتف فيهم داعيا اياهم الى المزيد من النضال من اجل اسقاطه ، في جمعة بشائر النصر تجاوز كل الخطوط التي دأب السياسيون على عدم تجاوزها ، من المحتمل ان تكون الكلمة التي القائها حينئذ ذات السقف المرتفع، سببا في دفع الطغاة لاغتياله ، طلب من جوان العمل معه ، حصلت إشكالات بينهما في الميدان ،ساهمت في حلها ، ومع ذلك كان ما يقربنا اكبر مما يبعدنا، نتناقش فنختلف لكن الخلاف لم يجعلنا يوما نتخاصم أو نفترق .
في الختام  لن تستطيع هذه المقالة المحكومة بعدد الكلمات ان  تحيط بعوالم مشعل ،هكذا كان مشعل وسيكون كل من يريد ان يسير على دربه .
رحم الله مشعل وطيب ثراه
______________
نشرت في جريدة بوير برس العدد (51) تاريخ 1-10-2016

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف   مرت مئة يوم ويوم على سقوط الأسد، لكن الواقع الذي يعيشه السوريون اليوم يتجاوز بكثير الساعات التي مضت. هذه الأشهر الماضية التي تنوف عن الثلاثة كانت مليئة بالتحولات السياسية غير المنتظرة، إلا أن الواقع الأمني والمعيشي للمواطن السوري لم يتحسن بل ازداد تدهورًا. إذ من المفترض أن يكون تأمين الحياة للمواطن السوري هو أولى الأولويات بعد السقوط،…

شيروان شاهين تحوّل الصراع في سوريا، الذي بدأ منذ 14 سنة كحركة احتجاجات شعبية، من حالة صراع بين ميليشيات مسلحة وسلطة منهكة على مستوى أطراف المدن والأرياف إلى صراع طال شكل الدولة ككل. حيث أفرزت الحرب الأهلية واقعًا وعنوانًا جديدًا في 8 ديسمبر 2024: انهيار دولة البعث وإعلان دولة القاعدة. تميّز حكم البعث، الذي بدأه أمين الحافظ “السني”…

اكرم حسين   طرح الأستاذ عاكف حسن في مقاله هل ما زلنا بحاجة إلى الأحزاب السياسية؟ إشكالية عميقة حول جدوى الأحزاب السياسية اليوم، متسائلاً عمّا إذا كانت لا تزال ضرورة أم أنها تحولت إلى عبء ، ولا شك أن هذا التساؤل يعكس قلقاً مشروعًا حيال واقع حزبي مأزوم، خاصة في سياقنا الكردي السوري، حيث تتكاثر الأحزاب دون أن تنعكس…

صلاح عمر   ثمة وجوه تراها حولك لا تشبه نفسها، تبتسم بقدر ما تقترب من الضوء، وتتجهم حين تبتعد عنه. وجوهٌ لا تعرف لها ملامح ثابتة، تتشكل وفقًا لدرجة النفوذ الذي تقترب منه، وتتلون بلون الكرسي الذي تطمح أن تجلس بقربه. هؤلاء هم “المتسلقون”… لا يزرعون وردًا في القلوب، بل ينثرون شوك الطمع على دروب المصالح. لا تعرفهم في البدايات،…