ابراهيم محمود
” على هامش ملتقى: الفكر القومي، في منطقة” سوران “في 27-28-9/2016 “
بعد توجيه الشكر إلى كل الذي أسهموا في التخطيط لملتقى” سوران ” المنطقة الجميلة في إقليم كردستان “، والذي حمل عنواناً له هيبته ورهبته ” الفكر القومي “، ومن أسهموا في ترتيبه، رغم صعوبة الأوضاع المالية وحتى السياسية في الإقليم، أنوّه إلى أهميته، مهما كان هناك من ملاحظات، لأن ثمة وجوهاً حضرت جعلت المناسبة مناسبة أخرى لها بدعتها.
لقد كان لي إسهام متواضع في الملتقى، وقد بلغته بمعونة ” فاعلي خير” فالمسافة الفاصلة بين دهوك حيث أقيم وسوران قرابة ” مائتي كم ” كما قيل لي، وما كان في وسعي الحضور لولا من سمّيتهم، حيث الطريق الطويل والصعب والكلّفة” وأنا في وضع عاطل عن العمل حالياً “،
ولعل الذي اكتسبته من هذا الملتقى هو لقاء وجوه جديدة من أقسام كردستان الأربعة، عدا لقاء المفكر التركي الكبير وصديق الكرد بامتياز: اسماعيل بيشكجي، ليكون هناك ثراء متنوع.
وحسبي أن أشير إلى أهم ما ورد في بحثي الذي نشِر في كتاب معَد قبل الملتقى، إلى جانب نقاط أخرى أتيت على ذكرها، وقد تشابهت ورقتانا: الشاعر والباحث الكردي المعروف الدكتور بدرخان السندي وأنا، فتطرقتُ إلى جوانب لم أثبتها في ورقتي تلك وفي صلب موضوعها:
ماذا وراء طرح سؤال: هل هناك هوية كردية؟ إنهم الكرد أنفسهم، باعتبارهم أكراداً.
أطلقت بداية مقولة المفكر البلغاري تودوروف تعزيزاً لما عشته وأعيشه: تشغلني الوقائع كثيراً، وهي غالباً ما تكون غير واضحة !
ولعل من السهولة بمكان أن يُسمي أحدهم نفسه وضمناً عشيرته، وحين يقول : أنا كردي، يكون السؤال: أي كردي؟ ومن هناك كان السؤال التالي: نعم، أنا كردي، إنما بأي معنى ؟ وهو عنوان بحثي المقدَّم. ثمة نقاط تعيننا في هذا المضمار:
لدينا لغات كردية، وليس لدينا لغة كردية واحدة. الأمثلة أكثر من أن تحصى” أتيت على بعض منها “، وذكرت أنه في الوقت الذي أتكلم ثمة من هم في القاعة يتساءلون عما أبحث فيه، ولا بد أنني سأكون مثلهم لو تكلموا هم وكنت المستمع.
هناك تواريخ كردية وليس لدينا تاريخ كردي. أي تاريخ كردي يمكننا قراءته، واعتباره كردياً؟ من خلال حصر الأزمنة التي حضر فيها الكرد باعتبارهم كرداً وكيف .
بصدد المشترك في الهوية، وعلى مستوى جنساني: نقول: الرجل رجل والمرأة مرأة، وهذا هو التفريق الجاري واقعاً. ثمة مثال يُذكر دون التدقيق فيه: الأسد أسد أنثى أو ذكر:
Şêr şêre çi mêye çi nêre
وأسأل هنا: هل دققتم في سلوك كل من الأسد في الحالتين: الأسد وأنثاه اللبؤة؟ اللبؤة غالباً ما تأتي بالطريدة، وحين تؤمّنها، يتقدّم الذكر” التنبل “، وتتنحى تلك جانباً، وعندما يشبع يخلي لأنثاه المكان، أي لتأكل من بعده .
لنتوقف عند مفهوم ” الهوية “، إنها ليست متاحة بسهولة، وثمة أمثلة، وقد أتيت على ذكر كل من أمين المعلوف، صاحب ” هويات قاتلة ” فهو مسيحي، عربي، فرنسي، وعلي حرب، في ” خطاب الهوية ” وهو يؤكد على أن الهوية معقدة التركيب، وأدونيس وما قاله في ” فاتحة لنهايات القرن “في ” بيان 5 حزيران 1967 “: من أنا، هل أعرف نفسي، أنا شخص آخر، هل أنا داخل في نسيج عصري؟ لينتقل الفكر العربي من مستوى الوظيفة إلى مستوى الحقيقة.. نحن لا نحيا، نحن نموت موتاً حقيقياً ! ذكرت بنصه العربي وبالكردية ومقابل ذلك ما يجري كردياً، وهو مرعب حقاً، أي ما يجعل الهوية مؤجَّلة ومؤجلة، وحتى بالنسبة لـ” الفكر القومي ” ودلالته!
يعني ذلك حتى الآن: أن هويتنا لم تتحقق بعد، ومن البداهة القول: بأن ليس هناك في القاعة من يمكنه القول بـ: هذه هويتي الكردة. ثمة العراقية، السورية، التركية فالفارسية .
ما الذي يفسّر كل ذلك ؟
لكَم يعرف الكرد الألم دون أن يعيشوا التراجيديا . فنحن نتحدث عن كردستان أرض الألف ثورة، وماذا عن الألف حسرة؟ الألم ينبّه، والتراجيديا تربّي، ولم نتعظ مما نتعرض له حتى الآن كارثياً.
ليس العدو دائماً هو السبب، وعلي أن أسمّي: إن نزوح مئات الآلاف من روجآفا إلى المنافي وغيرها، ليس لأن النظام السوري هو السبب المباشر، إنما السبب كردي.
ثمة تغييب كامل لدور المثقف. وأشدد على عدم وجود أي مثقف كردي، المثقف الذي يتكلم دون أن يعترض عليه أي طرف، أو شخص، ولا فلسفة كردية لانتفاء الأ{ضية حيث نعيش جماعات وليس مجتمعاً. فالكرد يعرَفون بثلاث: القوة بالعشيرة، القوة بالمال، القوة بالحزب” سمّيتها بالكردية: Êl û kêl û mêl ، وبالطريقة هذه يصعب الحديث عن وجود من يمكنه التكلم بصفته مثقفاً، وأستطبع القول أنه في المنطوق الكردي: أي عضو حزبي كردي يقابل مائة مثقفاً، حيث يُسمَّون، وما نعيشه الآن، راهناً، يثبت ذلك، أي ما هو فيه وعليه من تهميش .
وأرى أنه لو كان هناك مثقف، لما وجدتموني هنا ، في هذا المكان، أي في الإقليم.
إن أهم ما يجب التنبه إليه هو عدم تشميل أي كان من موقع المخالفة بتهمة متداولة: عميل، خائن، متواطىء..الخ، لنحسن التقارب كردياً، وحتى بالنسبة للكردي الذي أصبح داعشياً، لا يجب اتهامه في الحال بأنه مجرد من الكردية. علينا السؤال عمّا جعله داعشياً.
إن ما يجب التأكيد عليه هو ما يقوله تودوروف مجدداً: أن نعرف الشر في أنفسنا ونحاربه.
بالطريقة هذه نستطيع سلوك الطريق صوب الهوية الكردية، صوب قومية كردية واحدة، وكردستان واحدة.
دهوك، في 30 أيلول2016