أحمد قاسم
هروب القيادة الكوردية في سوريا نحو من يستطيع التفكير بدلا عنها وتُحملها مسؤولياتها, وبالتالي أصبحوا ” مريدين ” أمام محراب الآخرين ينتظرون منهم الأوامر. الأولى بهم أن يجتهدوا ويفكروا ويسعوا ليل نهار من أجل البحث عن آليات تمكنهم من أن يكونوا فاعلين في صنع القرار, لا أن يُلقى عليهم القرارات. وهذا لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال التفكير بعمق لصياغة مبادء الحلول الواقعية بعيدة عن الشعارات التي تسبب الفشل تلوى الفشل لنضالات الجماهير التي تسير وراء حركتنا السياسية.
القيادة الناضجة التي تحمل الفكر والمشروع السياسي لايمكن أن تستسلم للظروف, وهي مطلوب منها خلق ظروف وإمكانيات التي تدفع الحالة إلى التغيير, وجعل الإمكانيات المتوفرة أكثر تطوراً لخلق حالة نهضوية بين قواعد الحركة الحزبية, وبالتالي, جعل العمل النضالي في مستوى العمل الثوري لقلب الموازين في صالح القضية التي نناضل من أجلها.
إن ما توصلت إليه قيادة الحركة السياسية الكوردية في ظل الظروف الراهنة لايمكن قبوله بأي حال من الأحوال.. فالقيادة مهزومة في داخلها أمام الإستحقاقات التاريخية, كونها أوصلت بنفسها إلى أقل من ينتظر من يتحمل عنها العبء من دون الإعلان عن فشلها في تحمل مسؤولياتها التاريخية. فهي اليوم مشغولة أكثر من أي وقت مضت بصناعة متاريس تختبيء ورائها من هجمات بينية من خلال الإعلام المتناقض ” الفاشل ” في مضمونه, وذلك ضد بعضهم البعض, من دون أن يتركوا وقتاً للتفكير بالحلول الواقعية خدمة لتحقيق مطاليب شعبنا من أجل توحيد القوى وتأسيس مؤسسة ( كمرجعية سياسية كوردية ) تتحمل مسؤولية التمثيل الشرعي لقضيته القومية.
أعتقد, كل ما تأسس حتى اليوم من ( المجلس الوطني الكوردي المتعثر, وحركة المجتمع الديمقراطي TEV-DEM التابعة لحزب PYD المقيدة والمُدارة عن بُعُدْ, وكذلك التحالف الوطني العاجز عن فعل أي شيء ) إضافة إلى الأحزاب والتجمعات السياسية الأخرى, لاتشكل حتى اللحظة حركة فاعلة صانعة لتحقيق الحقوق, كونها تدور و تُدار في آفاق وحلقات خارج أفق وحلقات التي يجب أن تكون من خلال تحمل مسؤولية قضية شعبها كما تقتضي. حيث التقسيم والشرخ الذي حصل أفقياً وعمودياً لمجتمعنا من خلال إصطفافات أحزابنا خارج ساحات نضالاتنا الواقعية والموضوعية التي تمس جوهر قضية شعبنا هي التي أخرجتنا وأبعدتنا من جوهر معاني ومقتضى النضالات القومية والوطنية في كوردستان سوريا. وبالتالي, أصبحت من المستحيل بمكان تجميع هذه الأحزاب والقوى تحت سقف ” الوطن ” وساحة نضال شعبنا التي تتميز بخصوصياتها التاريخية والقانونية والشرعية ( حتى الثقافية والفكرية ) تختلف عن الساحات الأخرى لنضالات شعبنا في الأجزاء الأخرى من كوردستان. ولطالما أن أحزاب حركتنا السياسية لايمكن تفكيك إرتباطاتها العضوية من تلك الساحات, وإرجاعها إلى ساحتها الحقيقية, علماً أن العديد منها تأسست بفعل تلك الساحات الأخرى, كمجموعات تابعة, وأجندة للقيام بعمل وظيفي ” مُكَلَفٍ ” به, فلا يمكن أن تفكر مثل هذه المجموعات باستقلالية عن من أسسها, وبالتالي, فهي حجرة عثرة أمام أي فعل يهدف إلى وحدة القوى والصف الكوردي. ولطالما أن المعارضة السورية الوطنية والديمقراطية هي الأخرى عاجزة على تكوين نفسها, وهي الأخرى تتسول على أبواب إقليمية تبتعد إبتعاداً كلياً عن الإستقلالية, وبالتالي لاتشكل قوة إستقطابية للحركة السياسية الكوردية, والتي كانت من المفروض أن تكون الإطار الجامع لمجموعة القوى الوطنية والديمقراطية لجميع مكونات الشعب السوري, ولتكون مركز إستقطاب الإهتمامات الدولية والإقليمية على أن يكون البديل الحقيقي والواقعي لنظام الإستبداد.
مما سبق, يؤكد على أن القيادة السياسية لحركة نضالات شعبنا مهزومة بواقعها الفكري ودائرة إلتزاماتها النضالية, وهي مشتتة ومبعثرة بين المحاور الإستقطابية الإقليمية ( مفعول بها من دون أن تكون فاعلة لصياغة قرارات, عدا عن قرارات محاربة بعضها البعض ). وذلك في ظل ظروف تعجز هذه الحركة وبهذه القيادات المستسلمة مواجهة المخاطر تجاه قضية شعبنا, وبالتالي, شعبنا هو الآخر متروك لفعل ” القدر ” بين القتل والتهجير والتجويع وإخضاع من بقي منه لنظام لا يمكن تحديد سماته وخصائصه وقوانينه ودساتيره, في فوضى نحو أفق مجهولة.
فهل ستصحو هذه القيادة مع صحوة الضمير لتراجع سلوكياتها التي تضر بقضية شعبنا, وتلبي مطاليب شعبنا للعمل من أجل توحيد الصف وتكتسب شرعية التمثيل لقضيته القومية والوطنية.
29/9/2016