الأكراد والنبي دراسة في تاريخ الأكراد وجغرافيّتهم تأليف أ. د. محمد بهجت قبيسي

جان كورد
هذا كاتب عجيب وغريب كان ضابطاً سورياً مثل محمد طلب هلال، صاحب الدراسة الشهيرة عن محافظة الجزيرة والحسكة، الذي دعا في عام 1962 إلى صهر الكورد وتهجيرهم واستخدام العنف ضدهم لإنهاء وجودهم في سوريا، ووضع خطةً شيطانية من اثني عشر نقطة، فتمت مكافأته على ذلك من قبل حزب البعث العربي الاشتراكي بأن رقي إلى مرتبة وزير تموين. وهذا  الكاتب (القبيسي) لا يرفع العرب الذين وصفهم القرآن الكريم بالأميين إلى مستوى مؤسسي الحضارة البشرية قبل الإسلام فحسب، بل إنه يجعل كل شعوب المنطقة ما خلا اليهود عرباً، فالدول والممالك البابلية والأكادية والسومرية والآشورية والكنعانية والعمورية والحيثية والميتانية، بل حتى الأمازيغية في شمال أفريقيا، كلها كانت “عربية”، حسب مزاجه العنصري الذي يفتقد إلى النظرة العلمية الثاقبة، بل يجعل القانون الروماني من وضع فقهاء عرب، ولغة رجال الدولة الساسانية عربية، حتى أنه يجعل الهكسوس عرباً، علموا شعوب المنطقة صناعة الحديد والعربات القتالية وكل ما هنالك من أسباب التقدم في ذلك العصور،
كما أن جلجامش عربي وشريعة حمورابي في خياله الواسع عربية، أما الكورد الذين يؤكد كثيرون من مؤرخي الشرق والغرب على أنهم أحفاد الميتان والهوريين والكوردوخ والميديين فلا وجود لهم في تاريخ الشرق الأوسط، ويزعم أن الكورد من أصول أفغانية، بعد أن أعادهم إلى أصول عربية في موضعٍ آخر، في حين أن مملكة الميديين قد اتسعت وامتدت حتى وصلت إلى أفغانستان وليس هناك أثر لمملكة أفغانية امتدت إلى كوردستان،  ثم يقسم الكورد إلى قسمين (كرد عرب) و (كرد فرس)، وهذا كله من دون أن يقدّم دليلاً علمياً أو اثباتاً تاريخياً سوى أن اللغتين الكوردية والفارسية قريبتان من بعضهما، كما العربية والعبرية، وأن شاعراً عربياً قال بيت شعرٍ واحد، أعاد فيه الكورد الآريين إلى (بني عامر) الساميين، وبحسب ما يزعم فإن المنطقة بين صحارى فارس شرقاَ إلى أطراف الممالك الإغريقية غرباً كلها كانت أراضي وممالك عربية، بل لا يخجل من يزعم أن الآفستا (كتاب الزردشتية) قد كتب بالاستناد إلى اللغة العربية، حتى أنه يتحدث عن عروبة جزيرة “سردينيا” وسكنى العرب الكنعانيين فيها، إلاّ أنه لا يفسر لماذا يتحدث سائر مؤرخي الشرق والغرب عن حضارات الأقوام التي سكنت هذه المنطقة بأسمائها وليس باسم العرب، ولا يذكر لنا عن قدوم العرب من الجزيرة العربية صوب الشمال شيئاً، في حين أن يركّز تماماً على أن الكورد الذين كانوا “مكردين” أي “مطرودين” بنظره، جاؤوا من هنا إلى هناك، فكيف لمطرودين من المهاجرين واللاجئين أن يستولوا على جبال زاغروس ” العربية!” وما حولها وسهول الجزيرة وشهرزور ويتوسعوا في كل المنطقة التي نسميها اليوم بشمال كوردستان او شرق – جنوب تركيا؟                         
إنه يقسّم كوردستان ما قبل الإسلام، الدين الذي جاء إلى المنطقة متأخراَ من خلال غزوات وحروبٍ متتالية نجم عنها توسّع عربي سموه ب”الفتوحات العربية!”، إلى ديار (ربيعة) و (مضر) و (بكر)، ويزعم أن هذه القبائل والعشائر العربية كانت تسكن بلاد الكورد الحالية من قبل “الفتوحات”، إلاّ أنه لا يذكر شيئاً عن كيفية استيلاء الكورد قبل هذه “الفتوحات!” التي يجدها “تحريراً لبلادٍ عربية” على هذه البلاد الواسعة من دون حروب، فلو جرت غزوات كوردية عليها لتم ذكرها في كتب الإغريق والرومان والفرس والعرب، وتكراره في الوقت ذاته لضعف الكورد و”تكردهم” في البلدان ممل، بل تصل به الضلالة العنصرية إلى التأكيد بقوله: “نعم، جنوب تركيا، وشمال سوريا، والعراق، سنة (193- 217م) ، كل هذه الأراضي كانت عربية.”  (أنظر: ص 104) وليس غريباً على هكذا باحث أن يزعم بأن “آل الكوردي في حلب عرب أقحاح” (ص 108) وأن يجعل مدينة (آمد) في شمال كوردستان و (أربيل) (أنظر: ص 123) في جنوبها “عربية أكادية”، و”السريان الكاثوليك في حلب” عرباً، وأن يزعم أن منطقة “السليمانية” في إقليم جنوب كوردستان لا تزال أرضاً عربية، وشاعر كوردي كلاسيكي قال عنها:
له بيرم كه سليماني (درار الملك) يى بابان بوو
نه مه حكومي عه جه م بوو، نه سوخره كيشى آلِ عثمان بوو
(أتذكر أن السليمانية كانت دار ملك لبني بابان      لم تكن محكومة للعجم ولا مسخّرة لبني عثمان)
كما يزعم أن اسم نهري الزاب الأعلى والأدنى اسم عربي (ص 141)، و أن أرضاً عربية جبلية تم دهكها وتسويتها فصارت مدينة (دهوك) (ص 140)، ويتستر على الغاية العنصرية من وراء تغيير حزب البعث العربي الاشتراكي لأسماء القرى والمدن الكوردية في سوريا تغييراً ظالماً ومجحفاً، بزعم أن هذه الأسماء التي تم تغييرها كانت في الأصل عربية أو آرامية، وليست كوردية، ويأخذ مثالين هما (ديريك) و(صهيون)، على الرغم من أن هناك المئات من الأسماء الكوردية للقرى التي تم تعريبها، فلا يذكر منها أي اسم، بل أن كلمة (ديريك) مشتقة من الكلمة الكوردية (ديرين: الملكية)، وهذا هو سبب تغيير الاسم إلى (المالكية) كما أعتقد. وليس لأن (ديريك) بالأصل اسم عربي، وقد أصيب بالعمى فعلاً بصدد الأسماء الكوردية لمئات القرى والجبال والسهول والوديان في منطقة جبل الأكراد (مركزها عفرين) في غرب حلب، فلم يجد سوى اسم (مار مارون) الذي يقول عنه بأنه اسم “عربي” ويستشهد على ذلك بآية قرآنية (ذو مرّة فاستوى!!!) (ص 125). ولا ينسى أن يجعل مدينة عفرين الكوردية ذاتها عربية أيضاً (ص 130)، والأشنع من ذلك هو ترجمته لاسم (كورداغ: أي جبل الأكراد) على أنه (قه ره داغ) أي (الجبل الأسود) بالتركية، فكيف تكون المنطقة عربية ولها اسم تركي صريح (كورد – داغ: جبل الأكراد)؟ وفي الحقيقة فإن (كورد-اخ) تعني بالكوردية حرفياً (أرض الكورد)، ولا شيء آخر.  طبعاً هذا سهل جداً على من يجعل جبال “تورا بورا” في أفغانستان “الجبال البور” عربية (ص 138). 
إنه لا يتنازل عن كون أهم مدن كوردية في شمال غرب سوريا، مثل قامشلو وكوباني وعفرين “عربية” رغم أن العرب كانوا ولا يزالون “أقلية” بسيطة فيها، رغم المساعي الحكومية لتغير الديموغرافيا فيها لصالح التعريب والاستيطان العربي، ورغم الهجرة العربية التي جرت بسبب الحرب السورية المدمرة مؤخراً، ثم يفسر أسماء العديد من المدن التي تقطنها أكثرية كوردية منذ مئات السنين تفسيراً “عربياً”، ليزعم بعد ذلك أن الكورد قد احتلوا ديار العرب التي يجب تحريرها منهم ثانيةً.  ولا يجد مبرراً لعدم وجود العرب في مختلف المدن الكوردية سوى الزعم بأن سيف الدولة الهمذاني (الحمداني) قد هجّر العرب بالجملة من ديارهم في العراق وسوريا وتركيا، فهاجر الكورد إليها وهي خالية من السكان (!!!) 
يأتي الكاتب إلى اللغة الكوردية التي يجعل من قرابتها للفارسية (لهجة ده ري الأفغانية) سبباً للزعم بأن الكورد من أفغانستان (ص 143)، وعلماء اللغة واللهجات من الكورد والفرس والمستشرقين يعلمون جيداً أن هناك قرابة مثبتة بين اللغة الكوردية القديمة في ميتان وميديا مع اللغات الآرية للشعوب الأوروبية، فهل يعني ذلك أن الكورد جاؤوا من ألمانيا وانجلترا أيضاً، كما يزعم الكاتب بأنهم جاؤوا من اليمن ومن أفغانستان؟  ولديّ جدول بكلماتٍ كوردية “لا علاقة لها بأسماء الأجهزة والآلات المصنوعة في أوروبا” متشابهة مع كلمات بنفس المعنى في اللغتين الألمانية والإنجليزية.    
ينتقل الكاتب ليزعم بأن السلطان الناصر يوسف بن نجم الدين الأيوبي المعروف باسم صلاح الدين الأيوبي ليس كوردياً بل إنه “عربي” (ص 144)، واللوحة التي على جدار مرقده تقول بأنه من أبوين كورديين، فكيف حدث هذا؟ ولماذا يدعى عم صلاح الدين الأيوبي ب (شيركو: أسد الجبل)؟ وهجرة العائلة الأيوبية إلى بلاد الشام مثبتة تاريخياً… (أنظر: جان كورد –  صلاح الدين الأيوبي –  كوردي هزّ العالم)،  فياله من عنصري هذا الناكر لكوردية صلاح الدين، ويزعم أن “كل المؤرخين العرب من القرن الثاني عشر اتفقوا على عروبة الكورد، ولا ننسى أن صلاح الدين نفسه أثبت نسبه العربي” (ص 144)، والانتساب إلى العرب حباً بالرسول الأكرم وآله معروف في سائر أنحاء العالم الإسلامي، بل إن معظم ملوك المسلمين أعادوا أنسابهم إلى بني هاشم وقريش والعرب، ف”الخلافة في قريش!” كما قالوا، ولا أحد يريد أن يحرم منها.  وقد لا يعلم الكاتب أن هناك شريحة في كوردستان من الشيوخ الكورد تسمى ب “سه يدا” تعيد بأنسابها إلى قريش، وذلك تقربا من الرسول العربي (ص) وحباً له، ومنهم من رسم “شجرة عائلة” ليثبت ادعاءه في ذلك.
إنه يشتكي بسب كتابة اسم (كُرد) على هذا الشكل (كورد) (ص 144)، وهذا أمر متعلق بعدم وجود (الضمة وأخواتها) في الكتابة الكوردية، ثم إن الكثيرين من العرب يلفظون اسم الكورد (كرد) بكسرة مخففة لحرف (ك)، وهذا خطأ، لذلك فإن وضع (و) بعد (ك) يساعد في لفظ الاسم بشكل أصح، فما العيب في ذلك؟ العنصريون وحدهم يشكون في الآخرين، إذ لم أجد كوردياً واحداً له سبب قومي أو ديني أو سياسي غير الذي ذكرناه آنفاً. وإنه ينكر اضطهاد الكورد (ص 148)، والعالم  ومعه سائر منظمات حقوق الشعوب والإنسان يعلم أن الكورد مضطهدون في وجودهم ولغتهم وحياتهم السياسية، واعترف رأس النظام الأسدي بنفسه بعد انتفاضة الكورد في عام 2004 م أن نزع الجنسية السورية عن الكورد كان خطأ يجب تصحيحه، فهل كانت هناك مدارس للغة الكوردية في سوريا، وهل كانت الكليات الحربية مفتوحة للشباب الكوردي، وما نسبتهم في تلقي المنح الدراسية في الجامعات السورية والأجنبية، وما عدد الدبلوماسيين السوريين منهم، وما سبب نقل (عرب الغمر) إلى مستوطنات عربية بذريعة إنشاء (مزارع الدولة) وفق مخطط محمد طلب هلال الشيطاني للقضاء على الوجود الكوردي في سوريا (أنظر: جان كورد – الهلال المعقوف – قراءة لدراسة محمد طلب هلال).
يقول الكاتب على الصفحة (148) بأن ليست هناك جملة كوردية ليس فيها كلمة عربية، هذا ربما يكون صحيحاً بسبب سياسة التعريب الشاملة التي طبقها نظاما البعث في كل من سوريا والعراق، لعقودٍ من الزمن، وبسبب انتشار الدين الإسلامي فقد دخلت المفردات العربية في سائر لغات العالم الإسلامي، فلماذا لا ينظر إلى الفارسية والتركية والأردو، وهي لغات دولٍ، بل وسواها من لغات المسلمين أيضاً. وأقول هنا بفخر بأنني كتبت حتى الآن ثلاث روايات باللغة الكوردية (غير مطبوعة لأسباب مالية)، وواحدة منها تزيد عن 700 صفحة متوسطة الحجم، لن يجد فيها كلها (20) كلمة غير كوردية، فهل هذا كافٍ للاعتراف من قبل هذا العنصري بوجود لغة كوردية؟
على الصفحة (148) يعترف بأن الكورد كانوا قبل الإسلام على دين الزردشتية، أي أنهم كانوا موجودين كشعب، فيكتب “وقد استعان الخلفاء العباسيون في القرن الحادي عشر الميلادي بالترك والأكراد، وقد كان الأكراد (يتفادى اسم الكورد حتى لا يعترف بهم كشعب) قبل الإسلام، كالفرس، على العقيدة الزرداشتية، واشتركوا معهم في مدافعة الجيوش العربية المغيرة (المحتلة)، ثم أسلموا وحسن إسلامهم.” ونسي ما قاله فيما سبق من كتابه بأنه لم يجد للكورد وجوداً تاريخياً سوى بعد قدوم الترك إلى المنطقة، أي بعد ظهور الإسلام بقرون. فماذا حدث وكيف يقول هذا الكلام، وفي الحقيقة، فإن الواقدي في كتابه (فتوح الشام) يذكر أن الملوك والأمراء في ديار بكر و ميافارقين والرها وغيرها كانوا على دين النصارى، ولذلك يمكن القول بأن جزءاً من الكورد تحولوا عن الزردشتية إلى الدين المسيحي قبل الإسلام. 
هذا الإنسان الذي يعتز بعروبته وقومه، الذي حسب زعمه مؤسس كل حضارات الشرق الأوسط، ومن حق كل إنسانٍ على وجه الافتخار أو الاعتزاز بقومه، يعتبر القومية الكوردية استثناءً عن هذه القاعدة، فيقول على الصفحة (150): “والمتتبع لتاريخ الأكراد والثورات المتلاحقة التي قاموا بها هنا وهناك يجد يقظة قومية عمياء تسير في تخبّط أهوج…” ويعيد سبب هذا الكفاح المشروع الذي يسميه ب”الضياع الأهوج!”  إلى أنهم “يجدون لهم جذوراً وعروقاً تختلف عن سابقها، أو لنقل يجدون جذراً وعرقاً يختلف عن سابقه، فتارةً يدعون بأنهم ميديون، وتارةً أخرى حثيون، وتارةً أخرى حوريون، ولا أدري في غدٍ ماذا سيكونون؟” بهذه السخافة يعيب على الكورد ثوراتهم من أجل الحرية والاستقلال. فأي باحث هذا؟ وفي الحقيقة، فإن الكورد لدى غالبية المستشرقين الروس والأوربيين والأمريكان ينتسبون إلى الهوريين والميتانيين والميديين، ولم يزعم كوردي واحد في العالم بأن شعبه ينتمي إلى الحيثيين أو إلى عرب اليمن أو إلى (تورا بورا)، ثم ينتقل مباشرة إلى كلامٍ أسخف وأشد انحطاطاً، فيقول: “ففي كل بقعةٍ يتمركز فيها الأكراد (ويقصد الكورد) لديهم عشرات التنظيمات السياسية المتناحرة فيما بينها قبل تناحرها مع أصحاب الديار الذين استضافوهم وحلوا عليهم إخوةً كرماء…”  فإذا كان الكورد متناحرين سياسياً، وهذا طبيعي جداً، فإنكم يا عرب في نحرٍ وتقطيع وتهجير وقصف وصراعاتٍ قبلية وسياسية وطائفية، حتى صرتم قصعة يتداعى عليها الأكلة من كل صوب. أم أن “الجامعة العربية” التي لا تجيد سوى الشخير قد جعلت منكم قوماً متحداً وغير متحارب؟ أفلا تخجل يا من يحمل شهادة دكتوراه وينزل إلى هذا الدرك الأسفل من الانحطاط في الكتابة عن الأقوام الأخرى؟
يقول هذا الذي يستحق لقب “عدو الكورد الجديد” بأن السلطان سليم العثماني قد نقل الكورد من جبل سنجار (الذي اعتبره فيما سبق عربياً) ومن ثم إلى “قونيا” في غرب تركيا، ثم إلى “جبل الأكراد” وأصدر بذلك فرمانات (ص 156)، والمعروف أن العثمانيين والطورانيين من بعدهم قد هجروا الكورد من كوردستان إلى (قونيا) و(بوردور) و (ليبيا) و (كريتا)، وليس من هناك إلى (عفرين)، وفي غمرة الحديث عن تهجير (تكريد) الكورد، يذكر أن قبيلة (هماوند) الكوردية ” قد كانت “دائمة الثورة على الحكم العثماني وهي أكبر القبائل التي تعيش حول السليمانية” التي جعلها من قبل مدينةً عربية. ويقول بأن العثمانيين هجروا الكورد إلى منطقة (سرت) في ليبيا، إلا أن المحاولة قد فشلت فيما بعد، وقد يكون هذا صحيحاً فكلمة (سرت) بالكوردية تعني (الهضبة).  ويقول هنا بأن الكورد “فضلوا العودة إلى بلادهم بإصرار” (ص 158)، كما يتابع “لا بد من القول أن الأكراد وإن كانوا أقلية في ليبيا إلاّ أنهم موجودون وعلى اتصالٍ دائم بإخوانهم في سورية وتركية والعراق، بل على اتصالٍ دائمٍ بالتنظيمات السياسية.”  (ص 158)، فلماذا لم يفضلوا العودة إلى بلادهم في اليمن أو في جبال (تورا بورا) حيث موطنهم الأصلي كما يزعم هذا “العدو الجديد” للكورد؟ 
هذا، وبعد أن اتهم الكورد بالضياع والتناحر السياسي والتخبط الأهوج، تراجع قليلاً ليكتب ما يلي: “الآن أعترف أن خطوط القضية الكردية بدأت تجتمع أمام ناظري، فالأكراد على اتصالٍ دائم ومستمر فيما بينهم، فهم الآن يعيدون تنظيم أنفسهم وفق أسسٍ أكثر علمية من سابقها.” (ص 159) ثم يتحدث مباشرةً عن “برنامج الصهيونية العالمية” التي “تهدف ومن ورائها بريطانيا، إلى تفتيت كل قوة في طريقها إلى إثبات وجودها وتحقيق خطوةٍ في طريق وجودها…” (ص 159)، نعم فقد كان البريطانيون والفرنسيون هم الذين قسموا كوردستان وفتتوا شعبها باتفاقية سايكس –  بيكو القذرة في عام 1916م.
لا يكتفي هذا “العدو الجديد للكورد” بالطعن في الطموح العادل للقومية الكوردية، وإنما يعيد أسطوانة كون الكورد عرباً، فيزعم أن العشائر الشهيرة لهم (البرازية) في حماه وكوباني، و(الكيتكانية) في كوباني، والخَلجان و(آل قضيب البان) في حلب، وآل الأنصاري، وآل الأيوبي في دمشق، وآل أبي بكر كتخدا في (كفر تخاريم) بمحافظة إدلب، كلهم (كرد عرب!)، ويعود ليذكر “عفرين العربية!”، وكأن له مشروعاً أو أهدافاً سرية من ذكر “عروبة عفرين!” باستمرار، ولم يكن في عفرين سوى أقلية ضئيلة الحجم من العرب قبل 50 عاماً من الآن.  وهناك شهود أحياء على ما نقول، وينتقل إلى جبل الأكراد (الثاني) بالقرب من اللاذقية، فيذكر أن في ذلك الجبل منطقة تسمى (ربيعة)، ليجعل ذلك إثباتاً هاماً على كون الجبل عربياً ومنتسباً إلى (بني ربيعة)، إلا أنه لا يعطي جواباً عن سؤالنا عن سبب تسميته ب”جبل الأكراد” وليس ب”جبل العرب” أو ب”جبل بني ربيعة”!  وقد لا يعلم كثيرون أن مدينة “قرداحة” السورية العلوية كانت تسمى في خرائط الاستعمار الفرنسي بقرية “كورداغة” أيضاً. 
والغريب الأغرب هو أن الكاتب، بعد أن “أثبت!” عروبة الكورد ووطنهم كوردستان، يكتب مايلي: “أجدني مضطر لأن ألفت انتباه القارىء إلى أن هناك أكثر من قاسم مشترك بين عدة قبائل كردية وقبائل عربية، أو عشائر كردية وعشائر عربية.” (ص168) ويعتمد على قول باحث عربي آخر هو محمد سليمان الطيب الذي يقول في مجال الحديث عن قبيلة عنزة الشهيرة: “الأكراد: بطن من المقيبل من المشطة من ضنا من ولد علي من بني وهب من عنزة.”، فلماذا هذا السرد إن كان ما ذكرته في كتابك صحيحاً بعد تأكيدك المستمر على أن الكورد (كرد عرب!) فلماذا الحديث عن “قاسم مشترك!”؟       
خلاصة الأمر، فإنني لم أتمكن من الاستمرار في قراءة سخافات هذا الكاتب العنصري الذي لا يجد للكورد تاريخاً ولا لغةً ولا دولةً ولا وطناً ولا أرضاً، بل يجد أن حضارات السومريين والأكاديين والبابليين والآشوريين والسريان والحيثيين والهكسوس كلها عربية،  كما يجد أن كل مدن الكورد وجبالهم وقلاعهم وملوكهم ورجالات تاريخهم عرب أقحاح، فالناصر صلاح الدين الكوردي عربي، وأمير الشعراء أحمد شوقي الكوردي عربي، ورؤساء سوريا الكورد عرب، والأرض من تحت أقدامهم “تتكلم عربي!”…  
هذا يعني – كما فهمت من بحثه هذا – أن على الشعب الكوردي “الذي يعيش في المضافة العربية الكريمة وليس مرغماً” الكف عن المطالبة بأي حقٍ قومي له، والارتماء في أحضان العرب “الأميين” الذين شيدوا صروح الحضارة البشرية في بلاد الرافدين ودونوا القانون الروماني، وعلموا فراعنة مصر المتخلفين ركوب الخيول وصنع العربات القتالية، كما يزعم كاتب هذا الكتاب الذي لن أضعه في مكتبتي بالتأكيد، والمعروف عن العرب بأنهم كانوا يصنعون من التمر آلهةً لهم ويأكلونها عندما يجوعون، ومن آلهتهم من كان يبول الثعلبان برأسه، ورغم ذلك كانوا يخرون ويسجدون له، وبأنهم عندما دخلوا قصور بلاد فارس دهشوا لما وجدوا عليه الفرس من حضارة ومدنية، وبأنهم لم يحكموا العالم الإسلامي منذ سقوط دولتهم الأموية التي دامت ما يقارب المائة عام فقط، بل كانوا على الدوام تحت سلطان غيرهم من الأقوام الأخرى وهذا مثبت تاريخياً،  ولا يزالون تحت رحمة سواهم، فها هي حال العرب في العراق وسوريا تكفي للتعرّف على عظمتهم وحضارتهم وسيادتهم التي على الكورد الخنوع لها أبد الآبدين.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…