السجن بيتكلم كُردي، السجن، السجن!

حسين جلبي
لم أتصور في حياتي أن يمتلك كُرديٌّ سجناً في سوريا يوماً، أو يقوم بإدارة سجن في منطقته أو يكون حتى سجاناً مطلق اليدين فيه، فكيف برفاهية إمتلاك سلسلة من السجون، خمس نجوم كما يقول أصحابها عنها، توفر أرقى الخدمات من التغذية إلى التأهيل، الكُردي ليس حارس بواباتها وجلادها والمتحكم بتفاصيل حياة جميع من فيها فحسب، بل زبونها الطوعي أو القسري الوحيد أيضاً، بحيث تتكلم أرض السجون وجدرانها وسقوفها، صرير أبوابها والسياط على الأجساد فيها اللغة الكُردية الجميلة، التي مُنعت طويلاً.
السجن بيتكلم كُردي! لم يعد هناك منعٌ من التحدث باللغة الكُردية بعد التحرير، والسجن حرر نفسه بنفسه وأصبح جزيرة حرية تتكلم كُردي وسط محيط غاضب من القمع والذبح، يستطيع المواطن الموجود على جزيرة الحرية تلك، عد لياليه الطويلة بالكُردية بحرية: “يك، دو، سيه”، وتخيل حياته كلها بالكُردية أيضاً، كما يستطيع شكر أخيه السجان على نعمة السجن الذي يساوي بينهما، فيقول له بالكُردية: “سباس هفالو”، على أن السجن يجمعهما، مواطناً ومسؤولاً تحت سقف الديمقراطية، ليستنشقا الهواء الكُردي نفسه. 
السجن بيتكلم كُردي! سجنٌ يديره كُردي إبن كُردي وكُردية، حراسه كُرد ونزلائه أيضاً مثلهم من الكُرد، الأول يشتم الثاني بالكُردية ويُعذب، والأخير يرد له التحية فيتأوه بها ويندب. نعم، لقد أصبحنا في كُردستان روجآفا المستقلة ذات السيادة، التي حلمنا بها وأردناها، التي يديرها صور الزعيم الواحد الأحد، والذي يشارك بها مواطنيه حريتهم حتى في زنازينهم الإنفرادية، فيحكمهم واضحاً من خلف أبوابها المغلقة باسمه، كُردي من كُردستان الكُبرى التي كانت في طريقها يوماً إلى الإستقلال.
عرفت الكُردي سجيناً مزمناً في الفراغ وما دونه، متهماً دائماً بلغته الكُردية، أما أن يستقل اليوم، ويحصل على حريته في سجنٍ كُردي ذي سيادة، فهي الرفاهية بعينها.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…