خيارٌ أقربُ للمستحيل، ولكن لابديل سواه..!!

علي شمدين*
لقد أثارت وثيقة (الإطار التنفيذي للحل السياسي وفق بيان جنيف 2012)، التي اقرتها الهيئة العليا في لندن بتاريخ (7/9/2016)، موجة واسعة من الاحتجاجات بين الجماهير الكردية وغير الكردية، داخل المجلس الوطني الكردي وخارجه، لأنها قزمت شكل الدولة السورية الجديدة في الهوية العربية الإسلامية، وقد بلغت هذه الإحتجاجات حد التشكيك في جدوى استمرار الممثلين الكرد في هذه الأطر، لأن ما أقدمت عليه الهيئة العليا مؤخراً لايمكن وصمه إلاّ بالخروج عن مسار الثورة والخيانة لمبادئها والغدر بمكوناتها الرئيسية الأصيلة كالكرد والسريان الآشوريين والمسيحيين والإيزيديين والدروز والعلويين..الخ.
وبالتأكيد لم يأت هذا الموقف العنصري من فراغ، وإنما جاء تتويجاً لمواقف المعارضة السابقة تجاه المكون الكردي، بدءاً بعدم إلتزام (الإئتلاف الوطني) بالوثيقة التي وقعها مع المجلس الوطني الكردي في سوريا عام 2013، والتي لم تتضمن أصلاً إلاّ الحدّ الأدنى من الحقوق القومية للشعب الكردي في سوريا، وكذلك رفضه الصريح لتمثيل الكرد ككتلة اعتبارية في الهيئة العليا للتفاوض التي تأسست في الرياض في (12/12/2015)، وخلو وثائقها من أيّ طرح منصف لحقوق الشعب الكردي والمكونات الأخرى، مروراً بسكوت الجميع عن تصريحات أسعد الزعبي المهينة للكرد، وعن وثيقة ديمستورا التي صدرت بتاريخ (24/3/2016)، والتي خلت هي الأخرى من أيّة إشارة مباشرة إلى الشعب الكردي وحقوقه القومية المشروعة، وكذلك تمادي هيئة الإئتلاف في إقصاء المجلس الوطني الكردي عن تشكيلة حكومتها الأخيرة التي أعلنت عنها في (16/5/2016) حتى من دون أن تستشير ممثليه، وصولاً إلى ما يسمى بوثيقة (الإطار التنفيذي) التي استنسخت العقلية الإقصائية التي توارثتها عن مدرسة (البعث).
الحقيقة إننا جميعاً مسؤولين عن هذا الوضع الكارثي الذي وصلت إليه قضية شعبنا، بسبب تشتت صفوفنا وانشغالنا بالمهاترات وحملات التخوين وتأجيج الخلافات والصراعات، الأمر الذي يجعل من مهمة الشوفنيين والمتطرفين في الائتلاف وغيرها من اطر المعارضة أسهل ، ويشجعهم أكثر على التمادي في اهانة الكرد والتجرأ على الاستهتار بوجودهم وإنكار حقوقهم .. وما تركيزنا هنا على المجلس الوطني الكردي في سوريا، إلاّ لكونه عضواً في الإئتلاف الوطني لقوى المعارضة والثورة السورية وهو بالتالي جزء من الهيئة العليا للتفاوض، ويفترض بأنه يمثل ثقلاً سياسياً لايستهان به ضمن هذه الأطر باعتباره يمثل قضية بحجم قضية الشعب الكردي، وهو بذلك يتحمل المسؤولية الأخطر في مواجهة هذا التهميش والإقصاء، وبإنسحابه منها أو تعليق عضويته فيها أو أيّ تعبير آخر عن الإحتجاج على سياستها، سيسحب منها غطاء التمثيل الكردي، وسيزيح عنها ورقة التوت الأخيرة التي تغطي عورتها، وبذلك يتم وضع قوى المعارضة أمام الأمر الواقع وإرغامها على الإقرار صراحة بالحقوق القومية للشعب الكردي في سوريا، لأن إقرارها هو المعيار الحقيقي الذي يعتمده الرأي العام الدولي في إختبار مدى مصداقيتها وإخلاصها لمبادئها، وإلاّ فإن هذه المعارضة ستظل عرجاءة بلون واحد كما هي الآن، وسوف لن تتمخض عنها إلاّ نظاماً دكتاتورياً أسوأ من سابقه.
لاشك بأن المجلس الوطني الكردي في سوريا حاول من جهته كي لا يصل موقف المعارضة من قضية الشعب الكردي إلى هذا الطريق المسدود، ولكن يجب الإعتراف بأن هذه القضية هي أكبر من حجمه ودوره المتواضع، ولذلك ما نسجله عليه هو امتناعه عن التلويح بورقة الانسحاب او على الأقل تعليق عضوية ممثليه في الهيئة العليا للمفاوضات، طالما إنهم بأنفسهم يقرون صراحة بفشلهم في فرض مطاليبهم على المعارضة التي يعملون معها، وعجزهم عن إلزامها بالاقرار بوجود الشعب الكردي والاعتراف بحقوقه دستورياً كثاني أكبر مكون قومي في البلاد، وإن تذرع المجلس الوطني الكردي بشماعة إنعدام الخيارات البديلة لن يشفع له تحوله إلى مجرد شاهد في هذه الأطر وهي تغتال القضية الكردية بمنطق محمد طلب هلال، وتصر على تشويهها بشكل أفظع مما فعله بها النظام، والخيار الوحيد هو العودة إلى البدء والإلتفاتة الى الصف الكردي المشتت والعمل بإخلاص من أجل تذليل العقبات التي تعترض وحدته، والسعي من اجل تشكيل مركز للقرار الكردي يعكس الحجم الحقيقي لقضية شعبنا في المحافل الدولية.. نعم هو خيار أقرب للمستحيل، ولكن لابديل سواه..!!.
19/9/2016
—————————–
* – عضو المكتب السياسي للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…