أحمــــــــد قاســــــــم
بالأمس كنت في جدال مع أحدهم يحاول جاهداً على إقناعي بما لا أقتنع به. ومن خلال النقاش أستنتجت كثيراً من المبالغات في حديثه, وهو مقتنع بأنني لا يمكن القبول به, كونه يعرف جيداً بأنني لم أصدقه.
قلت له, لماذا تصر على إقناعي بما لا أقتنع به.. وذكرت له بعدد من مبالغاته التي كان يسردها لي بارتباك وعدم القدرة للسيطرة على ملامح وجهه التي كانت تنبئني على أنه يبالغ في الحديث.. ثم أكدت له على أن المشهد السياسي والأمني والإجتماعي في كوردستان سوريا ينذر بالمخيف وسط الإنقلابات و المتغيرات في الموقف الإقليمي والدولي. وأن أي طرف من أطراف الحركة السياسية الكوردية لا يمكن أن ينتج بما يطمح إليه شعبنا في هذا الجزء من حقوق بمفرده. وأن المغالاة في أن الإدارات الذاتية هي منجزات كبيرة قد تم تحقيقها ( بشكل أو بآخر ) أعتقد لا تلبي طموحات شعبنا, كونها لا تستند حتى الآن إلى شرعية قانونية ودستورية, وبالتالي فهي قد تكون مؤقتة ريثما يستقر مستقبل سوريا على ركيزة تبنيها القوى الدولية بالتوافق وقبول مكونات الشعب السوري ( وكذلك بشكل أو بآخر ).
الآن شئنا أم أبينا, فإن الشعب الكوردي في كوردستان سوريا منقسم على نفسه ” وبين قواه السياسية المشتتة ” والمتمحورة حول عدة محاور تجعل منها أن تعجز تمثيل إرادة هذا الشعب كما يجب, وتفرض حضورها, محملة أوراق قضيتها إلى مواقع النضال السياسي والدبلوماسي بقوة مستمدة من إرادة شعبها.. وهذا باين للعيان من قبل الخصم وتلك القوى المواجهة لنا. فلا TEV-DEM ولا ENKS ولا الأحزاب الأخرى من الحركة تمكنها الحالة الكوردية في التمثيل. وهذا ما يؤكد عليها الكل من الحزبيين والمستقلين من المهتمين بالشأن السوري العام والكوردي على وجه الخصوص.
ولما كان هذا الواقع مرفوض من العموم, إلا ( أشقائنا ) في الـPYD الذين يحملون فكراً وإيديولوجية مغايرة يتحدون كل الظروف وكل القوى من خلال تشبثهم بهذا الفكر المنبثق من إلهام قائدهم عبدالله أوجلان, يعتبرون المخاوف من صناعة الأعداء فلا وجود لها عندهم, وبالتالي فهم ماضون في إستراتيجيتهم التي تختلف عن كل ما يحملون غيرهم من أفكار, فإن مشروعهم غير قابل للنقاش, وعلى البقية من الأحزاب والأطر الأخرى الكوردة عليهم الإنصياع والمضي قدماً في تلبية ما يقررون, والعمل في إطارٍ قانوني وفق ما صُيِغَت من قوانين لتلك الإدارات, وأي خروج عن تلك القوانين يعرض صاحبها للمسائلة, أشخاصاً وجماعات وأحزاب. وهذا ما يتم تطبيقه من قبل دوائر ( الإدارة الذاتية الديمقراطية ).. وبالتالي أعتقد أن لا مجال لطرح أي مشروع آخر في كوردستان سوريا مقابل مشروع ما قام بتنفيذه PYD منذ ثلاثة سنوات على الأقل.. بغض النظر عن حربه ضد قوات ” داعش ” الإرهابية, في ذلك موضوع آخر ليس له مجال للبحث في هذا المقال.
لكن المفارقة الكبرى التي تصحبنا نحو موقع الإستغراب إن لم نقل الإستهجان والإمتعاض, أن طرفي النقيض في حركتنا السياسية من السهولة بمكان أن يتفق مع أي طرف غير كوردي, إلا أنه من المستحيل أن يصلا فيما بينهما إلى الحدود الدنيا من التوافق. ومثالاً عليه, رأينا كيف تم الإتفاق بين تيار سوريا الغد الذي يتزعمه أحمد الجربا و حركة TEV-DEM العائدة إلى PYD وذلك بدون أي عناء يذكر. ولو تمعنا في وثيقة الإتفاق لرأيناها لا تتعارض أبداً وجهة نظر أطراف الحركة السياسية الكوردية. فقط المختلف هو أن الأحزاب الكوردية في طرحهم مع PYD يريدون المشاركة في إدارة المناطق الكوردية أمنياً وسياسياً وإقتصادياً, وهذا ما يرفضه PYD جملة وتفصيلاً, مما يشكل العائق الأساس أمام تشكيل مرجعية سياسية جامعة للكورد, وبالتالي يخفف من وزن الكورد في الساحتين الدبلوماسية والسياسية, وهذا ما يعمل عليه معارضو قضيتنا القومية في سوريا وكذلك القوى الإقليمية لتغييبنا عن تلك الساحتين المهمتين التي تعمل عليها القوى الدولية لإخراج سوريا من أزمتها بتوافق دولي وإقليمي, وكذلك بين النظام والمعارضة السورية.
هناك أمر آخر لايقل أهمية عن مما أسلفت, فهو تمحور الحركة السياسية الكوردية حول المحاور الإقليمية والكوردستانية, التي هي الآخر تشكل عبئاً إضافية تمنع حل مشكلات البينية بين الكورد في كوردستان سوريا لتجذر خلافاتهم الإستراتيجية, وبالتالي يفرض كل طرف على أتباعه من الأحزاب الكوردية في سوريا أجنداته ومنع حدوث أي توافق في كوردستان سوريا إن لم تحل تلك الخلافات بين المحاور الكوردستانية. وأعتقد أن ذلك شبه مستحيل في ظل أوضاعنا الراهنة.
لنعود ونتسائل, ما هو الحل, وما العمل؟
أعتقد أن القوى الديمقراطية المشتة هي الآخرى في البلاد تتحمل جزءاً من مسؤولية الواقع والوضع المفروض على الساحة السورية لغيابها وعدم تمكنها من أخذ المبادرة لإنقاذ ما بقي من سوريا وشعبها بعد كل هذا الدمار والقتل إلى جانب التهجيرالممنهج الذي طال غالبية الشعب السوري. وكذلك ممثلي والنخبة الحقيقية لمكونات الشعب السوري التي هي في آخر المطاف مستهدفة وسط هذه الحروب الطائفية والتطهير العرقي والطائفي, أعتقد أنها مدعوة وبشكل مباشر للعب دور هادف إلى التدخل المباشر قبل فوات الأوان من خلال إنعقاد مؤتمر جامع وتشكيل مرجعية وطنية جامعة تنقذ الوطن على أساس إنتاج مشروع متوازن قومياً ودينياً وطائفياً يكون أساساً لدستور جديد, عندها فقط سيعيد الشعب السوري إرادته المغتصبة ويفرض نفسه على أية دبلوماسية دولية وحراك سياسي دولي وإقليمي.. وعندها فقط أعتقد أن الحركة السياسية الكوردية ستراجع حساباتها بشكل أدق وتعود إلى ساحتها النضالية الوطنية والحقيقية, تاركة ورائها كل الخلافات الكوردستانية التي يجب أن تحل في مواقعها من دون تصديرها إلينا لنختلف على شي لا يعنينا.
—————–
16/9/2016