د. محمود عباس
ولتدرك المعارضة السورية الافتراضية، والتي تستخدم نهج سلطة بشار الأسد، ومثلهم شريحة واسعة من المثقفين العروبيين وسياسييهم الذين يطبلون على الحيز الوطني، إذا كان الانفصال، سيبعد الأعداء، وسيقدم الحل لمشاكل شعوب المنطقة، وستقربهم من الحيز الحضاري مثلما حصلت في جغرافيات عديدة، وتنقذهم من الصراعات المدمرة، والحروب المذهبية والقومية الجارية، وستنقذ الأطفال من الجوع والقتل والتشرد والضياع في الأبعاد، والغرق في البحار، فلماذا لا يكون مشروعا إنسانيا؟! ويناقش عليه، ولماذا لا نجعله حلقة من حلقات التواصل والتلاقي؟ ونعمل معا لإزالة غطاء النفاق السياسي عنه، وعن الذين يروجون له لغايات دونية، عله يكون شفاءً لهم من أمراضهم النفسية الناتجة عن الثقافة الموبوءة التي تربوا عليها.
وليعلم الجميع أن الكرد يدركون أن المطالبة بالانفصال، خطئ جسيم للشعب الكردي، وهي مرحلة سابقة لأوانها، ولا تمهد الطريق لوضع الحلول المناسبة للجرائم الجارية، حتى ولو أنها ستبعدهم عن الانتهازيين والعنصريين العروبيين والفرس والترك، الحاقدين على الشعوب الأخرى، لذلك فهم من اكثر شعوب المنطقة ابتعادا عنه؛ ورفضا له، وما تدعيه المجموعة المذكورة، بأن الكرد يطالبون بالانفصال، ليس سوى خداع يلهون به عقول شعوبهم، وعملية من عمليات التلاعب بمفاهيم مجتمعاتهم، وبيع للوطنيات ولربما مخططات أخبث لتمرير أجندات قوى إقليمية، أو خدمة لأسيادهم، أو في أفضل حالاته نتيجة مرض حب الظهور، ومعاداة الكرد وإلصاق التهمة بهم أسهل وارخص الطرق وأقرب الأساليب لجلب انتباه الشارع لذاته، ولا نشك بانه بينهم شخصيات على معرفة تامة للحقيقة، وهي أن الكرد أكثر الشعوب في المنطقة متمسكة بالتراب الوطني الواحد، وأصدقهم مع ذاتهم ومع الأخرين في عرض المشاريع المنطقية لحل القضايا العالقة بينهم وبين السلطات الاستبدادية، وليعلم الجميع بأنه لا مشكلة للكرد مع الشعوب، بل مشاكلهم مع المستبدين وزعماء الأحزاب العنصرية، والشريحة الثقافية المريضة فكرياً، ومعظمهم يدركون أن ما يعرضه الكرد من الطرق لحل القضايا المصيرية في المنطقة هي لمنفعة الشعوب الأخرى قبل أن تعكس مطالبهم.
لا يمر يوم وحدث، بدون أن يظهر أحد هؤلاء المرضى، على الإعلام، ويزاود على أمثاله بالنفاق، بما يختلج في ذهنه من الهوس، ولا نود ذكر الأسماء هنا، فقد أصبحوا معروفين للقاصي والداني، يشاركونهم مجموعة من المثقفين والسياسيين والكتاب العروبيين الدوغمائيين، الذين لا يريدون الاقتناع أمام الحقائق، وفي الطرف الآخر تساندهم السلطات الاستبدادية ببشائع أعمالها ونشر مفاهيمها الدونية الغنية عن التعريف.
القضية ليست في إقناعهم، على أن المقال ليس سوى هوس ذاتي لا أساس له على أرض الواقع، بل في الألاعيب التي يقدمونها للتغطية على هوسهم، إلى أن أصبحت معالجتهم أصعب من مجرد تصحيح الخطأ. ومن المؤسف أنه بينهم من يبرأ الكرد كشعب، ويتهم جزء من الحركة الكردية، ويتلاعب على الحبال الوطنية، ليعرض ذاته كمدافع عن حقوق الكرد، وآخر يقدم ذاته صديقاً للكرد، ويرى أن حقوقهم كمواطنين مهاجرين إلى سوريا كان قد هضم من قبل السلطات، فيعرض نصائحه كحكيم عصره، ويطالب بأن تحل مشكلتهم في وزارة الثقافة أو في المحاكم ضمن سوريا العروبية القادمة، وهلمجرا، وهناك آخرون وفي جعبتهم حلول أغرب، ومعظمهم لا يخفون الصورة النمطية الجاهزة في ذهنهم (الكرد والانفصال) فلا يتوانون بين فينة وأخرى بالظهور، وينبهون الكرد كتهديد مغلف بالتحذير، ألا يسقطوا في مستنقع الضياع! فيا عجبي، بعضهم يبحث عن الوطن، وكأن الأوطان بإمكانها أن تتشكل على خلفية جغرافيات مشوهة، لا اعتبار لها، متناسيا أن الأوطان تحتاج ليست إلى جغرافية وحدود اصطناعية، بل إلى قناعة وتعامل وعلاقات إنسانية، واحترام حقوق الأخرين، وحكومات نابعة من أحضان الشعب ولرغبة الشعب. والبعض الآخر يرى أن الأوطان تبنى على تغيير طغاة ومجيء مجموعات لا تزال تؤمن بمنطق الولاية والأئمة، منطق السيادة والموالي! والبعض لا يجد في ذاته القدرة على عرض الحلول فلا يتردد بطلب التوصية من القوى الإقليمية، وهم يتصارعون ما بين دولتين قوميتين مذهبيتين، تركيا العثمانية وإيران الصفوية، لله در هؤلاء الأشرار والمهووسين.
وليعلم الأصدقاء قبل المرضى والخبثاء والمنافقون والانتهازيون وأمثالهم، أن الحركة الكردية، الثقافية والسياسية، ملت من تكرار الديباجة (صيغة الانفصال، لربما الأخرون يريدون الانفصال عن كردستان المستعمرة وهي حقهم) فمنذ تكوينها وحتى اللحظة، فرغم المواقف المخجلة والمعيبة من الأطراف المعادية للكرد، تظل الحركة الكردية والكردستانية خير المحاورين على أرض الواقع، بمنطقية طروحاته، والطرق المعروضة لحل القضية السورية في الوقت الحاضر. ورغم خلافاتهم الداخلية، يرون أن أفضل الحلول التي ستنقذ سوريا من صراعاتها، حاليا، ومن الثارات المتوقعة بعد هذا الدمار، هو الحل الفيدرالي لسوريا بنظام لا مركزي، وقد تكون فيدرالية سوريا قريبة من كونفدرالية، بحيث تكون لكل جهة قوة عسكرية خاصة بها تدافع عن منطقتها، في حال حدوث التجاوزات على خلفية الثأر أو الصراع المذهبي.
وفي الواقع الكردي لا يوجد شيئاً اسمه الانفصال، فهو وسواس مسيطر على ذهن الشرائح المذكورة سابقاً، بل هناك استعمار من قبل السلطات الاستبدادية، والتحرر منهم يحتاج إلى يقظة شعوب تلك السلطات قبل الكرد، لأنها عاهة تنخر في ثقافتهم وحياتهم اليومية قبل أن تؤثر على حياة الكرد. ونأمل لأصحاب الفوبيا وعاهة الخوف من الانفصال الصحة والعافية.
وأخيراً، فالتحرر غاية كل شعوب الأرض، في حال انعدمت شروط العيش المشترك، وللكرد الحق مثل غيره من الشعوب اختيار الأفضل لذاته، وتقرير مصيره. أما عن الجغرافية، فعند النقاهة من المرض، قبول حق تقرير المصير، يمكن البحث فيه. وليطمئن الجميع أن مطلب الانفصال غير وارد في برامج الحركة الكردية، والموجود هو التحرر من الأنظمة المستعمرة لكردستان، وهو يشمل الشعوب الأخرى قبل الكرد.
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
9/2/2016م