العرب والغزو التركي لشمال سوريا

جان كورد 
العرب امة كبيرة، تمتد بلادها من حدود إيران والخليج العربي / الفارسي شرقاً إلى المحيط الأطلسي غرباً ومن شمال سوريا والعراق شمالاً إلى حدود جنوب السودان  في عمق القارة الأفريقية، ولهم أكثر من 20 دولة كلها أعضاء في الأمم المتحدة، وهذا يعني أن لهذه المئات من ملايين البشر حكومات وجيوش وقادة ودبلوماسيين وطائرات وسفن وصواريخ وأمول كثيرة وطاقات بترولية جبارة يمكن استخدامها كسلاح ضاغط، إلا أن دولة عربية واحدة لم تتجرأ على إرسال قواتها العسكرية لنجدة الشعب السوري الذي يتعرّض إلى أعظم كارثة بشرية في العالم العربي منذ غزو التتار والمغول وأجداد الترك يلاد المشرق العربي قبل قرونٍ من الزمن، في حين أن عدة دولٍ منها قد قاتلت إلى جانب القوات الأمريكية لتحرير الكويت من الغزو العراقي في عام 1990،
كما أن بعض هذه الدول قد شكلت تحالفاً عربياً لإخماد فتنة الحوثيين وطرد قوات علي صالح المخلوع من اليمن، بل إن كل هذه الدول العربية لم تتمكن إلى الآن رغم جعجعة حكامها في اجتماعات الجامعة العربية وخارجها حتى من تحقيق انتصارٍ دبلوماسي واحد لوقف الأحداث الدامية في سوريا، على الرغم من مرور أكثر من 5 سنواتٍ على بدء مسلسل المذابح المتتالية التي ينفذها نظام العائلة الأسدية ضد الشعب السوري برمته بدعمٍ علني مكشوف لإيران وروسيا وحزب الله اللبناني والعديد من ميليشيات طائفية شيعية ومرتزقة تجندهم إيران من باكستان وأفغانستان وسواهما وترسلهم ليصبحوا أشلاءً نتنة في مختلف الجبهات في المدن السورية وفيما حولها. ويدعون إيران تحرق الأخضر واليابس وتحول سوريا من دولة الغالبية السنية إلى دولة شيعية في وضح النهار، وذلك على الرغم من نداءات الاستغاثة المتتالية من الشعب السوري بضرورة إنقاذه من خطر هذه الحرب المدمرة، فتقوم تركيا الآن أمام أنظارهم ولربما بموافقتهم بغزو شمال سوريا عوضاً عنهم،     
وهنا لا بد من طرح أسئلة هامة:
-ممَن يخاف العرب وهم بهذه الغلبة السكانية بالنسبة لإيران وتركيا معاً، أم أنهم يخافون إسرائيل التي قد تستغل انخراطهم في الحرب السورية فتنتهز الفرصة وتحتل اجزاءً من لبنان أو توسّع من احتلالها في جنوب سوريا، أم أنهم يخافون بعضهم بعضاً؟ 
– قد يقول قائل بأن لتركيا حدود مشتركة مع سوريا وبإمكانها القيام بالغزو، في حين أن الدول العربية بعيدة عن سوريا، ولكن ألم تكن سوريا في عهد الأسد الأب ومصر في عهد حسني مبارك بعيدتان عن الكويت يوم انضمام جيشيهما للتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة لضرب قوات صدام حسين في الكويت والعراق؟
– كيف يمكن اعتبار مساهمة قوات الحرس الثوري الإيراني وتابعها حزب الله اللبناني في الحرب إلى جانب نظام الأسد في سوريا “تدخلاً” في شؤون دولة عربية، ويتم السكوت في الوقت ذاته عن الغزو التركي الذي هو في نظر القانون الدولي “تدخلاً” في شؤون ذات الدولة؟
-هل صحيح أن أي اشتباك عسكري بين الدول العربية وإيران سيؤدي إلى دمار العربية السعودية والكويت والإمارات وقطر والبحرين، أم أن هذه الدول مجتمعة قادرة بدعم من العالم الغربي على إحباط أي هجوم إيراني.
-هل صحيح أنه لو توافرت لإيران الذريعة لشرعت في احتلال هذه البلدان العربية واحدة بعد الأخرى في أسابيع قلائل، بهدف تصدير الثورة الخمينية ولأسباب استراتيجية وتوسعية أم أنها أضعف مما نتصور، بدليل هزيمتها المستمرة في البحرين واليمن؟ 
سوريا الأسد، “العربية العلمانية التقدمية!!!”، تستعين بدولة الملالي الطائفيين المتطرفين، وتفضلها على الدول العربية “الشقيقة”، والمعارضة تضطر إلى اللجوء إلى تركيا، وكلا البلدين إيران وتركيا لهما طموحات في الأرض العربية، الأولى وقصتها مع طنب الصغرى وطنب الكبرى معروفة، وطموحها في جعل البحرين محافظةٍ إيرانية معروف أيضاً، وتركيا وقصتها مع لواء الإسكندرون معروفة، وطموحها في لواء الموصل مدعوم بتخصيص ليرة تركية واحدة في الميزانية العامة كل عام،
كان وزير خارجية سوريا وليد المعلم يهدد بأن تنهمر آلاف الصواريخ على المدن التركية في حال اجتياز قوات تركيا حدود بلاده، فها هو ذا ساكت مثل صواريخه، وحتى الآن لم نسمع عن صاروخ سوري واحد توجه صوب أي موقع تركي، على الرغم من أن القوات التركية تنتشر الآن على أكثر من 400 كم مربع داخل الأراضي السورية.
والمعارضة الديموقراطية والإسلامية العربية ” المدافعة!!!” عن القضايا العربية والأرض العربية والكرامة العربية، ساكتة مثل وليد المعلم، وقد كان زعماؤها يتوالون، واحداً بعد الآخر، على شتم الكورد وذمهم وتهديدهم بالطرد من سوريا وبمنعهم من الحصول على أي حق لهم حتى في إدارة أنفسهم في أدنى مستوى، وكانوا يظهرون كل أشكال الكره والحقد والعنصرية ضد الشعب الكوردي المظلوم ويزعمون أنه يسعى لتأسيس “إسرائيل ثانية!” والله يعلم أن هذا الشعب يكافح مثل سواه من الأقوام والشعوب من أجل وحدته وحريته وسيادته على أرض وطنه، لا أقل ولا أكثر. نرى هذه المعارضة ترحب بالتدخل العسكري التركي الذي حدث دون علم النظام الحاكم، ولربما بعلم بعض زعماء المعارضة فقط، وتلطّف مصطلح “الاحتلال” لتصوره للشعب السوري على أنه “خدمة من الأشقاء الترك!!”  لتحرير الأراضي السورية. فالمهم عند هذه المعارضة أ لا يحصل الكورد على أي شيء، وتبقى سوريا عربية خالصة، وإن رزحت تحت جنازير الدبابات الأجنبية.
يعتقد النظام أنه يستخدم روسيا وإيران كما تظن المعارضة أنها تستخدم تركيا، ويتجاهل الطرفان أن كلا الدولتين أقوى من النظام الأسدي والمعارضة على حدٍ سواء، والأقوياء هم الذين يفرضون شروطهم لا الضعفاء، ولن تنسحب الدولتان بيدين فارغتين من سوريا. والمستقبل سيرينا أن سوريا ستكون طبق حلوى مقسمة بين إيران وروسيا وتركيا، ولن يكون فيها للمتواطئين مع الاحتلال، أياً كان شكله ووصفه، عقوداً من الزمن، سوى غسل الصحون بعد نفاذ الحلوى…
(يتبع: الكورد  والإحتلال التركي لشمال سوريا)

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…